عقرة تعقد مؤتمرها الدولي العلمي الأول
عبدالكريم يحيى الزيباري
دهوك
لأول مرَّة حَظيت عقرة بمؤتمر علمي يتناول تاريخها وأعلامها وشعراؤها وأدباؤها استمرَّ ليومي 13- 14 نيسان 2014. المراسيم والكلمات الافتتاحية في قاعة المؤتمرات في المعهد الفني استغرقت ساعة تقريباً. قال رئيس جامعة دهوك د. مصلح دهوكي في كلمة الافتتاحية(الهدف من عقد هذا المؤتمر هو هو تسليط الضوء على تاريخ وحضارة المدينة وما شهدته من إبداعات فكرية وأدبية)بينما قال عميد الفاكولتي د.هفال سليم (هذا المؤتمر مبادرة من أجل تطوير المدينة والاهتمام بها أكثر). وجاء في كلمة المنسق العام لأعمال المؤتمر البروفسور قصي منصور التركي(تعتبر البحوث المقدمة أول دراسة أكاديمية علمية تتناول شتى العلوم الإنسانية المتعلقة بتاريخ وحاضر مدينة عقرة). انتقلَ الحضور إلى أروقة مبنى العلوم والتربية في عقرة لمشاهدة عرض موسيقي تراثي، ومشاهدة معرض لبعض الأدوات التراثية، ثم صعدوا إلى الطابق الثاني حيث تمَّ افتتاح معرض المصور الفرنسي فرانسو لوفالو وآخر للدكتورة بروين بدري توفيق، و ثالث للمصور سمير ئاكريي.
بدأت الجلسة العلمية الأولى في الساعة الثانية والنصف إلى الرابعة في قاعة محمد بن فضلون العقراوي، وفي نفس الوقت انعقدت جلستان في قاعتين مجاورتين، ثم ثلاث جلسات علمية أخرى بدأت في الرابعة والنصف عصراً واستمرت لغاية السادسة، بواقع خمسة وعشرين بحثاً علميَّاً مُحكَّمَاً في اليوم الأول. وفي اليوم الثاني بدأت أعمال المؤتمر في العاشرة صباحاً وانتهت في الواحدة والنصف لتبدأ الجلسة الختامية التي بدأت في الثالثة عصراً واستغرقت لأكثر من ساعتين ونصف تقريباً، بتكريم جميع المشاركين والتقاط الصور على المنصَّة فرداً فرداً.
قبل بدء المؤتمر بشهور تمَّ الإعلان عنه، واستكتاب الباحثين الأكاديميين بشرط أن تكون الأبحاث حول عقرة، لهذا الشرط فائدة كبيرة في تسليط الضوء على مدينة عقرة، ووقعت بسببه بعض الأخطاء مصدرها حرص بعض الباحثين على المشاركة فجاءت عناوينهم عن عقرة والمتون عن التتار أو عماد الدين زنكي أو أشياء أخرى. وتمَّ تسجيل تسعة وستين بحثاً، رفضت عشرون منها.
بدأت الجلسة العلمية الثالثة ببحث الدكتور فائق مصطفى(مسرح نافع عقراوي) وتناول بالتحليل ثلاث مسرحيات بأسلوب المسرح الحكواتي (أسأل مَن؟)و(الشيخ أحمد الجزيري)و(الهدية والجرح)التي تتحدث عن شاعر إغريقي يجوب العالم يحمل هديَّة، يقول أنَّه سيقدمها لأسمى عاطفة، فيلتقي بعدَّة شعوب في العالم، ثم يقرر منح هديته إلى الشعب الكردي، لأنَّ مشاهير عشاق كردستان تركوا عشيقاتهم وتعلقوا بالأرض، رفضَ العشاق استلام الهدية(نحنُ لا نريد هدايا، نحن ننزف، نريد دواءً يوقف تدفق الدَّم) والدواء هو الحريَّة. هذه المسرحية كتبها ونشرها عام 1988، ثمَّ تناول الاستلاب الحضاري وتأثر المسرحيين بالمسرح الغربي. وفي مسرحية (اسأل من؟) يتجسد التاريخ بصورة فتاة كردية تمرُّ بنابليون وهتلر وصولاً إلى الشعب الكردي الذي ظلمه التاريخ لعدم اهتمامهِ به.
الجلسة العلمية الرابعة، ثلاثة أبحاث تناولت تجربة الشاعر شَمال آكريي د. أحمد جار الله ياسين(المظاهر الشعرية في قصائد هايكو للشاعر شمال آكريي). جاء فيها (ينتخب الشاعر عنوانا تجنيسيا لمجموعة من القصائد القصيرة.. فمصطلح هايكو يشير الى جنس شعري خاص قادم من الثقافة الأدبية اليابانية العريقة في القدم.. وتأتي محاولة الشاعر ضمن تلك المحاولات الصريحة لمحاكاة هذا النمط من الكتابة الشعرية، وهي محاولة جيدة تصب في مسار تحديث بنية الشعر الذي تنتجه الثقافة الكردية الأدبية في ظل سعيها للانفتاح الفني على الثقافات الأخرى).
د.رشاد كمال مصطفى (الانزياحات الأسلوبية في شعر شَمال آكريي). عَرَّفَ بالانزياح كمصطلح أسلوبي، روّج له الناقد جان كوهين، ويعني الانحراف عن التعبير، وخرق المألوف، وتناول الانزياحات التركيبية والانزياحات الاستبدالية. وبحث مشترك بين الدكتور قاسم محمود محمد والدكتورة شيماء إدريس محمد(سيمياء العنوان وشعرية النص: قراءة نقدية في قصيدة أحلام سرابية للشاعر شَمال آكريي) الدكتور نزار خورشيد مامه أعربَ عن أسفهِ لكثرة الأخطاء النحوية في هذه الجلسة. مداخلة أحد الحضور حول المحاضرة الأخيرة(السيمياء، الشعرية، العنوان، النص) أربعة مصطلحات علمية اتسغرق شرحها وتوضيحها أكثر من نصف الوقت المخصص للبحث، وعناوين القصيدة لا تحتمل كلَّ هذا. وسؤالي هو: هل كانت العناوين مباشرة أم غير مباشرة؟) د. طلعت محمد ظاهر سأل(لماذا يتحدث الشاعر عن السراب وهو ظاهرة صحراوية ونحن نعلم أنَّ الشاعر يعيش في بيئة جبلية). فقلتُ في نفسي:
للشاعر أنْ يتحدَّث عن أيِّ شيء كيف يشاء، والسراب رمز لخيبة الأمل، ورأى الفارابي أنَّ الأساليب التي لا يحتمل فيها الصدق تكون أليق بتحقيق (الهدف المرجو من القياس الشِّعري وهو التخييل) . وَحَدَّدَ الفارابي لغة الشِّعر(الأسماء المستعارة لا تستعمل في شيء من العلوم ولا الجدل، بل في الخطابة والشِّعر) ، لأنَّهُ في الاستعارة يُستحال الجزم لتفعيل مخيال القارئ.
بحث البروفيسور عماد عبدالسلام رؤوف بعنوان(عقرة في رحلة الباليساني الكوردي)والرحلة كان قد حققها وصدرت عن دار موكرياني 2007 معتمداً على نسخة المخطوطة المحفوظة في دار الكتب المصرية بخط أحد علماء دمشق وهو الشيخ أحمد بن إسماعيل العجلوني الجراحي وقد كتبَ على الورقة الأولى بخط مختلف(رحلة الشيخ طه الكردي رحمه الله). وكان الرحَّالة قد خصص صفحتين من كتابهِ لمدينة عقرة، ووصفها ببذخٍ لغويٍّ امتازَ به ذلك العصر(ودخلنا مدينة عقرة من بعض بلادنا، حاكمها الفاضل العارف الحسيب النسيب المكرم العادل، حسن السيرة في ذلك الإقليم، المشهور بالحسب والنَّسبِ كابراً عن كابر، جناب الأمير الأديب المروم فتح الله بيك) ثم إلى نهاية الموضوع تناول تَراجُمَاً وسِيراً لا علاقة لها بمدينة عقرة. سألَ أحدُ الحضور: أنتَ ذكرت أشياء جميلة جداً، ورائعة، بينما المؤرخين الأجانب ذكروا الحروب والقتل والسلب والنهب والمظالم وتفشي الجهل والمرض وغير ذلك، كيف توفِّق بين رحَّالة محلي قد أكل وشربَ في بيت الحاكم فلم ير غير محاسنهِ ورحالة أجنبي لم ير غير مساوئه؟ فأجاب: بالطبع يرى الرحالة المحلي ما لا يراه الأجنبي الغريب.. تمثلت قول الشاعر: فَعَيْنُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ، ولكنَّ عينَ السُّخط تُبدِي المَساوِيا. وجديرٌ بالذكر أنَّ الدكتور علي نجم عيسى قد حَقَّقَ الرحلة أيضاً وصدرت عن دار الكتب العلمية في بيروت 2007 وهناك اختلافات كثيرة بين النسختين.
بحث الدكتورة إيمان سالم حمودي الخفاجي بعنوان(مدينة عقرة تاريخياً في القرون الماضية) جاء فيه(وبعد تفحصي المدونات التاريخية القديمة يبدو أن المدونات القديمة لهذه المدينة لم تُحَقَّق ولكن نستدل من السكان المتواجدين والباقيين ومن التقاليد على وجود أسرة ارستقراطية مبجلة وهي اسرة الباحدينات التي بدأت تحكم الاكراد الهكاريين الفلاحين في أواخر القرن الرابع عشر) واعترضَ أحد الحضور حول إطلاق العنوان(في القرون الماضية)يتناقض مع منطق البحث العلمي السَّائر إلى هدف محدَّد، ومنهجيته التي تمنع التضارب والتشتت.
هدف المؤسسة الأكاديمية الرئيس هو الاهتمام بتطوير البحث العلمي، وإنَّ إقامة المؤتمرات العلمية تقليد يدعم المؤسسات الأكاديمية الناشئة والعاملة، لكنَّ مؤتمر عقرة سَلَّطَ الضوء على مدينة تاريخية عانت قروناً من الإهمال والتهميش، بسبب الظرف السياسي والثقافي الذي عاشه أهل المدينة، ولا زالوا، فهذا المؤتمر المهم لم يحظَ بحضور وسائل الإعلام، ولم يُكتبْ عنه، ربما بسبب وقته المتزامن مع الانتخابات.