عقدة الإله
ايفون ريدلي
ترجمة بشار عبدالله
لقد صدم إطلاق النار على المراهق الأسود مارتن ترايفون وقتله أمة بأكملها، وأوحى لعشرات الآلاف أن ينطلقوا في مسيرة تطالب بالعدالة بل ووصل الأمر إلى أن تطول المسيرة رئيس الولايات المتحدة واجباره على أن يعلن على الملأ لو كان عندي ولد ذكر، لكان سيشبه ترايفون .
واستغرق الأمر ما يقرب من ستة أسابيع لالقاء القبض على جورج زيمرمان، رجل فلوريدا المتهم بقتل الشاب، وتوجيه تهمة القتل من الدرجة الثانية له بعد ضغط هائل من الرأي العام.
وكان زيمرمان قائد مجموعة نايبور ووتش قد ترصد ترايفون لانه قال انه يعتقد ان لزيمرمان أعمال مشبوهة و ولا طائل منها . وهذا هو بالضبط المبرر نفسه الذي يتبناه الرئيس باراك أوباما عند تسويغه استعراض الأسماء المدرجة في قائمة القتل لتكلف قتلهم طائرات بدون طيار.
وإذا كان أوباما قد دعا السلطات الاتحادية والمحلية بالعمل معا في اطار التحقيق في اغتيال ترايفون، يبقى السؤال من سيتمكن من إجراء تحقيق مع الرئيس نفسه حول عمليات القتل خارج نطاق القضاء؟ انه رجل خارج عن السيطرة، واذا كان سلفه يبرر تصرفاته بقوله إن الله طلب مني أن أفعل ذلك ، فهذا الرئيس يعتقد انه هو الله، وهو بذلك يتخذ القرارات بشأن من يجب أن يموت ومن يجب أن يبقى حيا. لو كان اوباما رئيسا لجمهورية من جمهوريات الموز لكان مجلس الأمن الدولي قد اجتمع الآن حتى قبل أن أنهي مقالي هذا لإحداث تغيير في النظام، ولكانت المحكمة الجنائية الدولية على أهبة الاستعداد وبيدها أمر جاهز بتوجيه الاتهام لاوباما بارتكابه جرائم حرب.
ولكن الولايات المتحدة ليست جمهورية موز أو لنقل ليست جمهورية موز حتى الآن ، وأوباما هو رئيس دولة عظمى، ويفترض أن يكون أقوى رجل في العالم، إنه الرجل الذي ذهب في العام 2009 الى القاهرة واقنعنا جميعا بأنه يمضي في مسار إيجابي في التعامل مع العالم الاسلامي من الشرق الأوسط إلى آسيا.
وإذا نظرنا إلى الوراء، أي إلى ذلك اليوم التاريخي، فكل ما يمكنني تصويره هو ثعلب يلقى ترحيبا من ضحاياه وهو يسير في الطريق المنحدر نحو خم الدجاج.
نحن لا نعرف حتى الآن ما عدد الذين أمر باراك أوباما بقتلهم، ولكن وفقا لصحيفة نيويورك تايمز فانه قد وضع نفسه على رأس عملية فائقة السرية لتسمية الارهابيين الذين يجب قتلهم أو أسرهم، وقد أصبح موضوع الأسر إلى حد كبير أمرا نظريا .
ثمة نفاق كبير في وسائل الإعلام ومن اليسار الليبرالي المزعوم عندما يتعلق الأمر بشاغل البيت الأبيض. فصحافيو الترويض الذين يمثلون رزمة صحافة واشنطن يتجاهلون حقيقة أن مئة عضو من أعضاء جهاز الأمن القومي الرسمي مترامي الاطراف، يجتمعون مرات عدة في الشهر عبر شبكة فيديوية حوارية آمنة، لمناقشة من الذي يجب أن يبقى حيا ومن الذي يجب أن يموت.
إن عملية الترشيح السرية لأسماء من يجب قتلهم هي من اختراع إدارة أوباما الديموقراطية، تماما مثلما استحدثت إدارة بيل كلينتون الديمقراطية عملية عمليات خطف الطائرات في العالم. إن على الجمهوريين الآن أن ينظروا بعين الحسد على الكيفية التي بها يقوم الديمقراطيون بالافلات من عواقب كسرهم القوانين والمواثيق الدولية دون أن يجدوا من يقف في وجههم.
إن الأمر الذي قد يصعب تصديقه هو أن قائمة القتل هذه يجيزها وينفذها رجل حاصل على جائزة نوبل للسلام وأدار حملته لرئاسة الولايات المتحدة على أساس برنامج حقوق الإنسان. لنتذكر اعلان اوباما انه يريد اغلاق معتقل غوانتنامو، ووضع حد للتعذيب، ووقف عمليات الترحيل السرية وإرساء الإنصاف والعدالة. و لكنه لا ينفذ شيئا مما وعد به.
ففي اليمن والصومال وباكستان، ليست آلات أوباما القاتلة مجرد آلات سريرية أو تصيب قلب أهدافها فقط، فثمة آلاف الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال يقضون بهجمات طائراته بدون طيار. ودماء هؤلاء الأبرياء برقبة رئيس الولايات المتحدة وبيديه الملطختين به، ولا ننسى أن حتى شعبه قد أمرضته حقيقة النفاق والمعايير المزدوجة التي يطبخها ويسوقها البيت الأبيض.
السفير الأمريكي إلى باكستان المنتهية ولايته كاميرون مونتر كشف بشجاعة تفوق شجاعة سلفه بأن الهجمات التي تنفذها الطائرات بدون طيار ضمن سياسة حكومته أمر غير مقبول. بل ذهب أكثر من ذلك عندما قال إنه شكا لزملائه انه لم يدرك أن وظيفته الرئيسة هي قتل الناس .
وهذا ما كشفت عنه مقالة أخرى نشرت هذا الأسبوع في صحيفة نيويورك تايمز، وهي واحدة من وسائل إعلام قلة تتخذ أخيرا موقفا حاسما حول سياسات أوباما الخارجية.
لا يمكنني إلا أن أفترض أن موجة القتل التي ينفذها أوباما تمضي الى حد كبير دون رادع من الأمريكيين العاديين لأنهم ليس لديهم أدنى فكرة عما يفعله هذا الرئيس باسمهم. وهذا أمر محزن، لأن الأمريكيين يهتمون بالعدالة والنزاهة، وقد أبدوا ن ذلك عندما تجمعوا وتظاهروا بعد مقتل المراهق الأسود ترايفون على يد رجل كان يعتقد الضحية انه لا طائل منه .
سيقف قاتل ترايفون اليوم أمام المحكمة بناء على تصرفاته وسيتقرر مصيره على يد قاض وهيئة محلفين تبحث في الأدلة المقدمة علنا. هذا هو العدل الحقيقي، وليست نسخة اطلقوا النار واقتلوا التي ستحدد معالم رئاسة أوباما.
لقد شعر الكثرون منا بالفرح عندما انتقل أول شخص غير ابيض إلى رئاسة البيت الابيض يحدونا أمل بعهد جديد من السلام والعدالة، ولكننا وقعنا في شرك الخديعة. والحقيقة هي أن باراك أوباما قاتل منحرف وخارج عن السيطرة تثقل روحه عقدة الله، وهو الآن يدير أمريكا. وهذا ما يجعله الرجل الأخطر في العالم، والأقوى أيضا. وهذا ما يجعل كل من يتمتع بعقل رشيد داخل أمريكا وخارجها أن يقشعر مما يفعله ويكفر به.
المصدر فورين بوليسي جورنال
/6/2012 Issue 4224 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4224 التاريخ 12»6»2012
AZP07