عطرها يلبس ثوب قصيدتي – نصوص – عبد الجبار الجبوري
القديسة في غربتها
يغيب عني عطرها، فترسمني سماؤها بلا نجوم ولا قمر أتيه في رمل الزمان وأنتحب، آفلة نجومها في أضلعي ، وحزين مطرها في أدمعي ، يأخذني الليل اليها، يقودني من يدي ، ويجلس قلبي كطفل مليك بين يديها ، خجولا يهمس لعينيها ، عودي الى بستان روحي، كريات دمي يابسة بعدك، ينتظرك العشب في اعلى همومي، ينتظرك الليل السكران بلا عينيك ، فيضحك وجهها بالقبل، وترسل لي من تحت ضحكتها، لوحة من عسل الشفاه، فتضحك ألدنيا وتزهر على بابي ايامي القتيلات ، مستسلم لحزنها ، الوقت أنا إلا أنت ايتها ألقديسة التي تطوف بي، سواحل الطفولة، أيتها الانثى التي لا تحتمل طلتها ألمبجلة ، ضحكتها الفيروزية المجلجلة، لا يحتمل حضورها العنيد في مواجعي، لا يحتمل قوامها في اضلعي، لا يحتمل عنادها ، بهاؤها ، يصوغ من ملامحي احجية الغياب، كل شيء فيها لا يحتمل يا سادتي، جنونها ، جمالها ، عنادها، فوضتها الجميلة، انوثتها الكافرة، وعيناها الواسعتان كسماء تنأى، ضحكتها التي تتوغل في دمي، كنهر غريب ، شوقي اليها حارق يا سادتي، وقلبي وحيد، اعترف الان لها، لكم، لا وقت لي إلا ان ، اصوغ من اهدابي ، عباءة لوجهها ، ومن فمي قبلة لشفتيها ، وارسم لها قمرا على قلبي ، لا تراه عين حاسد بليد ، لا وقت لي إلا ان اطوق خصرها الممشوق ، بأغاني البحر ، وأناشيد الكنائس، وحداء البدو وفرح القرى ، انت لي وجع ألزمان وبحة صوته ، انت جرحي الدامي على صفحة الشوق في اعلى مراقي الشجن، وأنت عندي اخر الليل ، دمعة ألقصيدة ، ونصف كأس من نبيذ الشفاه ، وليل يطول، ايتها القديسة في غربتها، غيابك ينمو على شفتي ، وجعا ونشيد، القديسة في قلبي سماء ، تظلل روحي ، وتمسح عنها اثام الدهر العنيد…..
على شفتيها اكتب رقيمي:
يوقظني صهيل خيلها في خافقي، فانهض أقبل وجه الصباح، وامسك ريشة الوقت ، لأرسم شفتين من ندى الزمان واقبلهما ثم ارسم عينين واسعتين واقبلهما، وارسم طولا فارعا واقبله، وارسم خدين احمرين بلون الزهر وأقبلهما ثم امرر ازميل روحي على بهاء طلتك واقبله هكذا اكتب رقيم حبك على شفتي، ام اكتب على شفتيها رقيمي، لا فرق مادام تنمو على مفرقيك قبلي، ويزهر فوق نهديك كلامي وترقص على خديك ايامي، اترى يعشب الليل على نافذتك ، ويشيب من الحزن شيب رأس الزمان، دعي الرقيم يهذي، بين يديك، دعي هذيانه يرحل في اخاديد ألغيوم لا تتركي قلبي وحيدا بلا قمر، اكتبي فوق كفي هنا يرقد الحرف الحزين ، وهنا اقرأ فاتحة البلاد التي تتكور في كف القدر، هنا اسكب بعضا من فرحي، وأدوّن تاريخ هزائمي، هزائمي امام شفتيك حين يبدأ الرحيل اليها…….
عطرها يلبس ثوب قصيدتي
أبصرها الان، تتلصص على نافذتي، ويلبس عطرها ثوب قصيدتي، هي تكتب حروفها من أدمعي، ترصد أنجمي في سماء ليلها الطويل، نجمة نجمة ، تزينها بأشهى القبل، وتعزف لها تراتيل ألضحى في اروقة ألغيم ، يبست روحي ، وأنا اركض في التيه اليها، يتتبعني غول البحر ، واسى ألطرقات احتمي بعطرها الذي يملأ حياتي بالرحيل، احتمي بقبلها وهي مزروعة في شفة النسيان، احتمي بشعرها الطويل، وهو يهزم الليل بسواد المطر، احتمي بطولها الفارع الذي تغار منه كل نخيل العراق، احتمي بحلمة نهدها وهي تنط الى فمي كقطة هاربة من الجحيم الى الجحيم، احتمي بشفتيها الممطرتين قبلا بلا انتهاء، ووجعا بلا انتهاء، واسى بلا انتهاء، احتمي بنجمتها التي لا تضيء إلا على نافذتي الحزينة، احتمي بقمرها البعيد الذي ينام وحيدا على سرير غربته، بماذا أحتمي يا سادتي، كي تعود الى صومعتي ، وتشرب كأس العناق، من فم القصيدة ، أأحتمي بها كلها ، يخذلني غيابها ، تخذلني غربتها ، قديستي ، تلبس حزن قصائدي ، وترقص على رقيم فمي ، رقصة العناق الاخير، اين هي الان ، لو اعرف اين هي الان، لكنت اطفأت قناديل البحر ، وجئت الى عينيها احبو كطفل عنيد ، امرر ذيل عباءتي بعطر حضورها فيتوهج الكون بالقبل ، ويشع من بين نهديها الزمان …اراها الان تتلصص على قصائدي وتقرأ بصمت معنى ان اقول لها احبك، وتحبك قصيدتي…ايتها القديسة التي دوخني عطرها ذات ليل بعيد ، هي الان تدنو من نافذتي وتقرأ ما كتبه عطري على جسد الشفاه الحزينة ، انها عطر قصيدتي، وقمري الحزين ، الذي اطفأته نجمة العناق هكذا احبها تلبس عطر قصيدتي ، وترحل في غيم الرمال نحو مرافئ القبل……
بروفايل لها
ترسل لي شهد طفولتها ، لأسقي منه بستان النوم ، وأوقد على نوافذه شموع الزهو، وادعو فراشات الليل ، ان ترقص في حضرتها ، رقصة البحر على غصن الملاك، هي الان تجلس قدامي، وتفلي شعر قصيدتي المنقوشة على شفة الحرف، وسماء الصحو ، ومطر الايام، اعترف أني اعجبت بعينيها ، وسحر شفتيها، وقهوة قامتها ، وغيم استدارتها ، وفرح مرجوحتها ، وهي تهز طفولتي الاولى ، لاا أنكر ذلك ابدا، لكني ابحث عن كأس مواجعها يشفي ارقي، الساعة سادسة الا انت، راح الليل يجر خيوط الفجر نعاسا يملأ جوف الطرقات ، وقلبها يسطع بالحب ذبولا، صورا تتدفق نحوي ، من فرح الكلمات سهرانة فوق عذابات الخطو، تبحث عن ظل القبلة من شفتي، وأنا اوقظ كل طيور الحزن على اغصان الشرفات بلا جدوى ياه كم اذهلني ذاك الليل ، كم ايقظ كل جراحاتي ألثكلى كم اطفأ نيران الطرقات ، كم ، كم، لكن طلوع الشمس على نهديها، وسطوع الذئب الرابض في اعلى الصبوات، اوقف طوفان الشوق على سرر الحلمات، اقرأ في رمل رحيل الليل ، قصيدتها ، واعلق فوق النهدين كلام الاموات، تميمة عشقي فلترحل نجمتها عني ، وتنأى الخطوات، تتباعد انجمها وينأى عني قمرها ألبعيد وأسرج له خطوي، اعيد اليه/اليها طفولته وهي رميم ، وأرتل في حضرتها نشيدي ألجديد اعزفه من اهاتي ، اسقيه شهدا من فمي ، فينمو على شفتها قمرا سعيد…
اقبل بحة صوتها
اعترف انني عصرت حشاشة روحي لها، قدمتها بصينية قصائدي.قصائدي التي تلهج كل لحظة باسمها .اسمها الذي يرسم فوق شفتي دوائر النسيان، وضحكتها المجلجلة التي تدخل وجداني كموسيقى المطر، مطر حبها وهو يسري بدمي كشلال بلا نهاية، مجرد ان تقول صدفة..الو..تختض روحي ويقف شعر رأسي وتتوثب احاسيسي تريد ام تنط وتقبل بحة صوتها، صوتها الذي يعزف الحانا الهية المعنى، هو يكبل ايامي ويلتف على عنقي ويأسر كياني .واشعر ..لحظتها..أنني غريب الا من بحة صوتها تنتشلني من غياهب القبل..وأحجية الدروب.ومهاوي الليالي البعيدة.عندها ااستجمع بعضي ، وافتح نافذة السماء على مصراعيها.واحتضن بحة صوتها هائما به ، واقبل خد نجمتها وأنام..انام طويلا..حالما بالشفاه وتلك القبل…
تلويحة الشال الابيض
لن الوح لها ابدا بعد الان ، فشالها الابيض ، يغطي كف الرحيل ، وصوتها يشق رايات حزني البعيد، اراه الان يمسد شعر قصيدتي الوحيدة ، قصيدتي التي تصهل فوق شفتيها وتمطر من خمرة غيابها، سرابا ، الان اراها تلوح لي من خلف غيمة خجولة ، ودمعة طريدة، يرتبك حرفها كلما طل قمر السماء ، حين تهز الريح غصن مراثيها ، هطلت اليوم زخات زعل وعتاب، وأمطرتني بالغياب، كأن لم يكن بيننا شال تلوح به قبل الرحيل، يجيئني صمتها باذخا ، انيقا ، على صهوة لا اراها ، وبسمة لا أقواها وضحكة مبللة بماء القبل ….الان الوح لك ايتها النبيه الجمال ، بكف عاشق مهزوم ، اتعبته مرافئ ودهور ، وألقته في غياهب المطر ، وقالت له ، اياك ان تباهل الايام في رحيلها ، دعها تنام على حصيرة العشاق بلا اسى …ولوح للعابرين الى ضفة الهلاك…..
أهرب من عطشي اليك
امس قلت لها تعالي نقتسم القبل ، واحدة لي وأخرى لشفاهي، خجلت الوردة ، قالت بخجل الملتاع الى وله، ليس بالماء وحده يروى عطشي، قلت حكمة يا توأم روحي هذه، هات اهاتك لبيت دمي ، واعصري فوق ترابه ماء غربتك، سيينع عطرا بطعم طفولتك الولهى، وستثمر اغصان سمائك وجعا ، احلى من كل الاوجاع، وقبلا احلى من قبل الليل، ومطرا زخاته تهطل من روحي، ياه.. انت يا عطش الماء الى الماء، اهتف ليل نهار تعالي ، فتجيء جفونك نعسانة دون عيون وشفاهك دون قبل وشعرك جون عبير، وطولك الفارع دون بهاء وقمرك دون نجوم، ما بال عينيك لا تضيء لي سمائي الغرقى، ما بال شفاهك بلا احمر الشفاه، وعينيك بلا كحل الايام، مبال طولك لا يغريني الآن طولك الفارع يقتلني، احبك يا امرأة تسرق مني عيني ظلال النوم، ومن شفاهي عسل ألنار ومن وجعي اهاته ، اه دعي وردتي تقبل نعال طفولتك، ويقبل مائي ثرى قصيدتك، وتقبل شفاهي اطلال هواك، والله اتعبني بوحي الملعون، جعلني فرجة للنوارس على ضفاف الشوق، اغمريني اذن بهواجسك المنقوشة على جسد النهر، اراها الان تنمو حلما بعيدا ، بعيدا جدا ، وأنا رجل شرقي وقروي واديب، لا املك غير تراب قصائدي هدية لعينيك، وعيناك بلاد بعيدة ……



















