عصام العبيدي بين الواقعية والرومانسية في غابة الثلج

عصام العبيدي بين الواقعية والرومانسية في غابة الثلج
قصص شاعرية تعتني بذاتها
سامر الياس سعيد
ترتكز المجموعة القصصية التي أصدرها القاص عصام حميد العبيدي تحت عنوان غابة الثلج على اربع عشرة قصة تمتزج فيها الطبيعة لتكتسب عناوين اغلبها تحت هذه الوطأة التي تعبر عن افتتان القاص ببيئة مدينته ومحاولته الاستزادة من تحصيله الأكاديمي لإكساب بعض قصصه الواقعية التي تمتزج مع المخيال ليضخ من خلالها العبيدي ذاته الأدبية وتنفتح القصص على توطئة يدونهاالاستاذ الدكتور نجمان ياسين يمنح خلالها رؤية للقاري حول الأسلوب القصصي الذي ينتهجه الكاتب منوها في بداية توطئته بتعريف يشير فيه الى ان القاص عصام حميد العبيدي قاص موصلي يمتلك أكثر من فضيلة في منجزه القصصي ويسترسل في تعدادها حيث يقول بان القاص مخلص ومثابر وينطلق من تجربة قوامها الصدق والانحياز للإنسان في تشوقه للحرية والعدالة والجمال ..وربما يلتزم الدكتور نجمان ياسين في حكمه هذا على لعبة الأجيال فالجيل الذي ينتمي له القاص شهد أحداثا كبيرة منحته تلك التقويمات في الحكم على بواطن الأمور بالنظرة التي يذكرها والتي تتناسل منها حيثيات الصدق الممتزج بالواقعية وتتحاور هذه الصدقية عبر أشكال وألوان متعددة لاسيما من خلالها ينفذ الإنسان الى واقع الحرية والعدالة والجمال والتي ما انفك الإنسان يسعى نحوها ويمنح الدكتور نجمان ياسين تاليا شهادته في قصص العبيدي حيث يذكر انه أعجب في القصص التي دونها العبيدي في سعيه لرفض كل الفوراق الطبقية ومحاولة تعريته كل أشكال السلطة الغاشمة التي تحجر على روح الإنسان.. وفي منحى اخر يتابع ياسين رؤيته نحو القصص بإحساس بقلق القاص من خلال البحث عن الشكل والمضمون واللغة فتارة نجد العبيدي كما يورد الدكتور نجمان ياسين حكواتيا من خلال إقران قصصه بأشكال واقعية وتارة نجد بعض القصص تميل الى الرمزية فهو من خلال ذلك يزاوج بين الواقعية والرومانسية ويتفاءل الدكتور ياسين بالمنجز القصصي للكاتب عصام العبيدي مشيرا بان المستقبل القريب سيجعل من القاص اكثر حضورا وتالقا لامتلاكه التجربة والصدق والإخلاص في الكتابة وهي بلاشك سمات الكاتب الجيد الذي يسعى لتطوير فنه القصصي ..
بين الشيخ والفتاة
وتاليا تبرز قصص المجموعة التي تتقدمها قصة غابة الثلج ليمنح من خلالها القاص حوارا ممتعا بين الواقعية والرمزية لما يعنيه العنوان من إشارة الى كل أشكال الجدب التي يتركها زائر الشتاء برغم بياضه الذي يحاول ان يطرد أشكال الرماد والقتامة من نفس الإنسان فهو يتحدث على لسان بطل القصة عن مدينة تشكو الفقر والحرمان وتعيش وطأة الثلج الذي يسبغ على المدينة الما مضاعفا حين يبرز من هذا المقطع الذي يقول كم هي النكبات قاسية وكم هو الفقر شبح لايقاوم مثله كمثل الشوك يوخز وخزا .. أما في القصة التالية التي يعنونها الكاتب بـ هذيان فوق أمواج البحر فلغتها تتنسم رائحة القصيدة وفي اغلب مقاطعها تبرز لغة الشعر تنساب ما بين السطور التي يبحث من خلالها الكاتب على لسان الصياد ببحثه عن خيوط الشمس الأولى ليباشر مهتنه رغم انه يشعر بخوفه من الحوت الوحشي الغامض المهول الذي يقول عنه بطل القصة بأنه يثيره ويبعث بداخله الرغبة في الكشف والتطلع إليه للتعرف على أسراره ومشاهدته.. في القصة الثالثة التي يستمر بعنونتها القاص تحت وطأة الطبيعة وسلطان البيئة الموصلية المعبقة بالربيعين اللذان تشتهر بهما أجوائها فيعنونها بـ زهرة الفردوس فيتخذ القاص من القصة شريطا تسجيليا يتابع من خلاله أجواء سوق قديم لتركز العدسة القصصية على رجل عجوز يرتدي معطفا باليا ومن ثم تتوجه عدسة القاص لتصور الفتاة التي أطلق عليها زهرة الفردوس لسحرها الاخاذ وفي هذه القصة يبدو الحوار النفسي قائما بين الأمل والياس والغنى والفقر وغيرها من التضادات الحياتية عبر سيناريو متخيل ما بين الشيخ الذي يطلق عليه اسم البك وهو في العقد السادس من عمره وزهرة الفتاة التي لم تكن راضية عن بؤسها وشقائها .. في القصة الرابعة التي يعود من خلالها القاص للبيئة الشتائية فيسبر من خلالها أغوار كهوف الثلج حيث ينجلي عنوان القصة وعبر متنها يفصح الكاتب عن خلفية تاريخية من خلال سرد بعض المواقع التي كان لها الأثر في انبثاق الإنسان الأول لاسيما حينما يبرز جبل الجودي وهو جبل قرب زاخو استوت ورست عليه سفينة نوح عليه السلام فضلا عن كهف المسمى بـ شانيدار الذي يقع في اربيل وقد تم العثور على اثار تعود للانسان الأول فيه ..
صراع الغنى والفقر
ومن وحي الواقع يطلق القاص قصته التالية التي تحمل عنوان اقتحام مبرر والتي يحاكي فيها بيئة موصلية ويلاحق بلغته المقتبسة من الحياة حدثا تتصارع فيه المدنية والقرية بحوار قد تتناقله حوادث مشابهة لكن الكاتب يفصح من خلال الحوارات التي تضمها القصة عن فحوى تتوارى ما بين السطور لتؤكد ان الحق دائما ما ينتصر و.. في القصة السادسة التي تحمل عنوان في عالم اخر نجد القاص مقتحما ميدان عمله كتربوي في إحدى المدارس ليستل من بين مئات المشاهد التي اختزنته ذاكرته قصة تتحدث عما تعيشه المدارس في حاضرنا الحالي وعنفوان الطلاب ورغبتهم بالتقليد الأعمى دون التعمق بجدوى السير على مسار الاخرين والدرس الذي تقدمه القصة حري بان يكون شاهدا توثيقيا عما تعيشه اغلب المدارس والحاجة الى التربوي العارف بالتعامل مع الأجيال الجديدة التي تعيش تحت وطأة محاكاة التقاليد الغريبة ..
وربما القصة السابعة تدور في فلك المدارس لاسيما من خلال عنوانها الذي يحمل الامتحان والواقعية التي تحملها القصة تجعلنا امام مشهد حقيقي ينبغي ان يسبغ عليه الكاتب مخياله لمنحها ذاتا إبداعية .. اما القصة التالية التي تحمل عنوان حكاية بين الصخور فهي تستقريء واقعا مضمخا بخيالات وتبرز ذائقة فكرية يتمتع بها القاص في سرد لواقعية إنسان تحدوه رغبة التحدي في خضم معترك محفوف بالمخاطر وهو نفس الفلك الذي تدور في فلكه قصة أخرى تحمل عنوان جنون المال لكن في اختلاف ما بين المواقع ففي القصة السابقة تجثم الصخور لتزيد معاناة ذلك الإنسان الذي يعيش صحراء روحه اما القصة التالية فانها تعيش واقعا مشابها في استبدال الصخور بالعيش في ومن ثقافة واقتصاد الاحتلال ..في القصة التالية التي تحمل عنوان أحلام ..زرقاء يفصح القاص عن صراع الغنى والفقر في سيناريو تتصارع فيه رغبات الاخرين من اجل النفوذ ..في هواجس حمراء القصة التالية نجد لغة الياس تنطلق من فم البطل لكن في مقطع اخر تبدو الرغبة دفينة لدى الكاتب في استقراء الواقع الحياتي للمجتمع من خلال تجاذب الصراعات الإنسانية من اجل البحث عن العدالة والحرية وهما الهدفان اللذان نادت بهما الكثير من الحركات السياسية وتدافع وراءهما الكثيرون من اجل ترجمة طموحاتهم لحلم يتجسد ..وفي قصة ساعة طلوع الشمس يتابع القاص حكاية يستلها من رغبة المهربين واتخاذهم لساعة الصفر موعدا لإطلاق مهمتهم التي تتوقف عند حدود القانون .. اما في قصة أصفاد نصف مواربة تبرز ذائقة القاص الشعرية في اغلب متون القصة المذكورة ويسكب الكاتب نزيفه الشعري ليتحول الى سردية تبحث عن محرر للعبيد كما هو الحال مع سبارتكوس وهو العبد المجالد الذي قاد ثورة العبيد لنيل الحرية والمجالدون هم العبيد الذين دربوا على قتال بعضهم لإمتاع أسيادهم وفي القصة الأخيرة للمجموعة التي تحمل عنوان وصول غير متاخر يستعين القاص بذاكرة عسكرية في سرد حكاية تتماوج كالتضاريس لتنتهي عند تخوم الأرض الحرام ..ثمة هوامش استطعت ان اتابعها لاسيما في تقليدية التصميم الذي عني به المصمم وافتقاره للروح والمعنى خصوصا في تعمل هذا المصمم مع مهنته الجديدة بأسلوب الوجبات السريعة او الشائع بأنها وجبة التيك اواي خصوصا في ظل افتقاده للكثير من المقومات الفنية التي يتطلبها هذا الفن لاسيما حينما اعتمد المباشرة في استقرائه للعنوان الرئيس للمجموعة القصصية وافتقر كعادته للكثير من الأفكار التي يتطلبها فن التصميم وهذا بات أمرا مؤسفا يتكرر في الكثير من الاصدارت للأدباء من أبناء مدينة الموصل حينما تتم الاستعانة بلوحة دون الإشارة لمبدعها فضلا عن نوع الخط المستخدم كما اثبت التنسيق الداخلي للمجموعة القصصية فقرا في الذائقة الإبداعية وقصورا في ادراك المسافات المطلوبة واعتماد الفراغ القياسي في الحواف المحيطة بالقصص..عموما فان القصص التي قدمها القاص عصام العبيدي عبر مجموعته الأخيرة تبرز محاولات للدلالة على نشاط ملحوظ لمتابعة حركة الابداع الادبي لاسيما في ميدان القصة والتي اثبت ثرائها بما جادت به أقلام الأدباء من ابناء مدينة الموصل ولعلهم استفادوا من الكثير من أدوات القصة باعتماد الطبيعة والبيئة الموصلية وربما الحكايات التي اختزنتها الذاكرة لتوظيفها داخل المتن القصصي وهكذا أجاد القاص العبيدي ليستحق في نهاية المطاف تحية على ما جاد به قلمه في المجموعة التي انسكبت فيها الواقعية ممزوجة برومانسية الأسلوب في التعاطي مع احداث القصة لاسيما ببنائها الحواري ..
AZP09

مشاركة