عزيز السيد جاسم و كثبان الأمل – عادل سعد
ان تكون على لقاء مع عزيز السيد جاسم فلكَ أن تتوقع المزيد من العصف الذهني ، لأنه شخصية حوارية بأمتياز وحريص على إقامة المعادلة بين الثراء المعرفي الموضوعي والقدرة الوازنة على الاصغاء للآخرين بإطلالة دمثة بنيوية لصالح المزيد من الاضاءة وقد تكون ذات الاطلالة التي تشغل مٌزارع تقطعت به سبل الحصاد فأقام حضور المزاوجة بين البيدر المنتظر ومتطلبات جني المحصول.
لقد ظل حضور عزيز السيد جاسم فضاءً بشرياً مزدحماً بالمزيد من المفاجآت الاجتهادية الطازجة والانتظام التحليلي مع تقاطعات جسور معرفية لا تكتفي بفحص الحاضر وانما تمتد الى المستقبل بحضور تاريخي لتوظيف الامل وليس الانتظار وتلك احدى المخاطرالذهنية التي جلب عزيز لها المزيد من المعاينة التوضيحية.اعتقد جازماً ان تلك المخاطرالايجابية الموظبة بعناية أقامت كمائنها لعزيز وتسببت بدفعه الى المصير المؤلم الذي افقده حياته.عزيز السيد جاسم في غزارة قراءاته ، وفي قائمة الافكار التي أطلقها وفي حسه الصوفي المطعم بالواقعية أمتلك بحق ناصية البت مما جعله واحداً من المفكرين العرب الكبار ، كان صديقاً اميناً لعدد من السياسيين اليساريين العراقيين على رأسهم عبد الخالق السامرائي.لقد عمل الاثنان على تأسيس منصة امل لمتغيرات جوهرية لصالح بناء الدولة المدنية ، وحققا إطلالة مهمة في المؤتمر الفكري الذي عقد في الخرطوم ولكن قضمت مخرجاته السياسات الملوثة بالنزعات النرجسة.
أعرف عزيز منذ مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي واول صلة معرفة أدبية معه كانت من خلال إشرافه المباشر على مجلة (الناصرية) التي صدرت في هذه المدينة الجنوبية الملغومة حزناً ومواويل وباحات اختبارات للفقر.
حياة ادبية
لقد كتب عزيز السيد جاسم مقدمة لقصيدتي (البصمات) وهي من قصائد النثر التي بدأت بها حياتي الأدبية وسعيت فيها الى تفكيك حمولة المهربين بالنسخة الاحتفالية ، كنت حينها اتمتع بالحبو الأدبي وأسقط بين الحين والاخر تحت طائلة المفاخرة الساذجة .
لقد شعرت ان تقديمه لقصيدتي امتياز لم يحظ به كتّاب اخرون من المساهمين في المجلة، ثم تعمقت علاقتي معه بعد ارتحالنا الى بغداد حيث توثقت علاقتنا وكنت ازوره بين حين واِ?خر في مقر عمله رئيساً لتحرير مجلة (وعي العمال).ومن الطريف ان الصحفي اللبناني فاروق البقيلي رجاني ان آخذه الى عزيز. الأصل في الموضوع ، ان الاستاذ كامل الشرقي رئيس تحرير مجلة الف باء آنذاك أراد تطوير البنية الفنية للمجلة واستقدم لها فاروقاً من بيروت لتدريب الكادر الفني في المجلة على أحدث صيغ التصميم من أجل إحداث قوة فنية جاذبة للقراء، وقد كنت مصاحباً لفاروق طيلة مكوثه في بغداد من اجل هذه المهمة الفنية الخالصة.لقد اصطحبت فاروقاً الى مكتب عزيز في شارع السعدون وامتدت السهرة حتى الساعة الواحدة ليلاً، كان الانتقال في الحوار أشبه برحلة بين الكثبان وكانت المخاوف تعقد الألسنة على مرأى الفزع، الطريف ان فاروق استطعم (الباچة) على مائدة عزيز تلك الليلة، وأكل منها بشراهة مكتشف طعام شهي لم يعهده سابقاً.لقد أكل الى حد التخمة، وعندما مررت عليه صباحاً لأصطحابه الى (ألف باء) وجدته في حال صحية يرثى لها وهو يصيح (الباشه الباشه) في ايقاع صوتي وكأنه يوبخ حاله. من الامتيازات الفكرية التي يتمتع بها عزيز السيد جاسم تعاطيه مع الاحداث بالمزيد من التفكيك للواقع وتحذيراته الواسعة من الوقوع تحت طائلة تأثيث الخراب ، وفضيلته المتأصلة باتجاه التداول لحرمان المعرفة التواطئية من الهيمنة.مازلت عند رأيي ان كل الذي تم تناوله عن عزيز يظل عند الواجهات والوجاهات ، وان الرجل يحتاج الى وقفة معمقة تتناول ما كان لديه .