عراق العراقيين – طارق الكناني

tarek-150x150

عراق العراقيين – طارق الكناني

العراق هذا البلد الذي يقع في قلب العالم ،النابض بالحراك الثقافي والسياسي والأقتصادي ،أطلقوا عليه قديماً أرض السواد وبلاد الرافدين واليوم يطلقون عليه ممر الغزاة ،فلايمكن لأي مغامر يريد أن يحتل العالم إلاّ أن يبدأ بالعراق فكل الامبراطوريات التي أرادت ان تتسيد المعمورة كان العراق هدفها الأول ،وآخرها أمريكا ،حين أرادت أن تصل إلى العالم العربي أحتلت العراق وتمكنت حين تم تحييد العراق أن تفعل ماتريد بالمنطقة ،لربما سيقول شخص ما ،من يكون العراق حتى تضعه أمريكا في حساباتها فهي قادرة على فعل أي شيء تريده وفي الوقت الذي تريده ،نعم هي أرادت ولكن العراقيين أحبطوا كل هذه المحاولات بدمائهم وضحوا برجالهم وثرواتهم من أجل تحقيق هذا الهدف ولكن!!!

هل كان العرب بمستوى هذه التضحيات التي قدمها العراق ،هل كان هؤلاء الأخوة لنا كما كنّا لهم درعاً واقياً ،الكلام لكم وأنا لا أريد أن أتحدث عما فعلوه بنا ،فالفعل كان علنياً ،واضحاً ،صريحاً، لا لبس فيه ومن لايراه فهو أعمى.

لقد خلّف لنا هذا الفعل عراقاً ممزقاً فقيراً متخلفاً يتناحر أهله على قضايا مضحكة مبكية عفى عليها الزمن وذهبت أدراج الرياح ولكن ديدنهم صار هذا الجدل العقيم الذي تغذيه فضائيات العرب والدول الأقليمية المحيطة بنا ،والأغرب حين تذهب إلى هذه البلدان لاتجد هذه النغمة من الشحناء فهم يفتخرون ببلدانهم الموحدة وشعوبهم المتآلفة ويطلقون علينا شتى أنواع الأوصاف التي لاتليق بنا ونحن مازلنا سادرين في غيّنا نمارس هذا القتل ونستمع لهذه الأراء والفتاوى التي تصدر خارج الحدود.

على هذه الأسس قام نوع من الثقافة في العراق وأصبح العراقي يلزم نفسه بأتخاذ موقف حول أي حدث يحدث من حوله، فهو يبدي رأيه، ويقف موقفاً حازماً تجاه القضايا العربية بعيداً عن موافقة أهل البلد فهو يحتج ضد احتلال الجزر العربية ويتظاهر ويعلن عداءه لإيران ،في حين أصحاب الجزر لاعلاقة لهم بالموضوع وهم متفقون مع إيران حول بيعهم الجزر مما خدش هذا في علاقته مع جيرانه ،هو يقف ضد الإحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين ،في حين الفلسطينيين يجلسون على مائدة المفاوضات مع الاسرائليين، وكل دول المواجهة مع اسرائيل مثل مصر والأردن ولبنان تحتفظ بعلاقات جيدة مع اسرائيل ،والعراق يدفع ضريبة موقفه من حصار وقتل وتراجع كبير في المحافل الدولية والعراقي مهان في منحه أي فيزة لأي دولة ،وهكذا حين تريد دولة اعدام أحد مواطنيها نرى العراقيين ينقسمون مع أو ضد ،وحين يتظاهر شعب البحرين يطلب من العراق اتخاذ موقف من هذا القمع .

سؤالي هو لماذا مطلوب منّا نحن العراقيين إتخاذ موقف محدد من أي حدث ،هل نحن معنيون بهذه الأحداث ،لماذا لاننتبه لبلادنا ونداوي جراحنا ،فالعراق غير معني بالصراع العربي العربي في اليمن ،قد نبدو ارائنا فيه ولكننا غير معنيين بإتخاذ موقف محدد لأن أحداً لم يطلب منّا ذلك.

ومثل هذا لانسمح لأي كان أن يتدخل بشأننا العراقي فنحن أهل البلد وأعرف بالذي فيه فلا الفتاوى التي تصدر بإيران ملزمة لنا ولاالفتاوى التي تصدر بالسعودية ملزمة لنا .وكذلك مواقف الخليفة العثماني لم تعد تلزمنا.

عندما نزور أي بلد عربي أو أجنبي ،نرى الأفضلية لأبن البلد وهو فوق كل شيء وليكن شعارنا منذ اليوم العراق للعراقيين ولايعني أن نقاطع محيطنا ولكن يجب أن نهتم بشؤوننا أكثر ونهتم بعراقيتنا أكثر ونهتم بمصالح بلدنا أكثر ومن أراد أن يمس عراقيا مهما كان هذا العراقي يجب أن ننحاز إلى عراقيتنا لا إلى قوميتنا ولا إلى طائفتنا ،فهؤلاء هم مواطنونا وليسوا غرباء ،فالعراقي هو اخونا في الوطن سواء كان عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو أي قومية أخرى وسواء كان مسلما أو مسيحيا أو صابئيا أو أيزيديا أو كاكائيا فهو عراقي وله الأفضلية في خيرات هذا البلد .متى مافعلنا هذا سنكون يومها قد بدأنا خطواتنا بشكل صحيح وسيزدهر العراق فهؤلاء هم من يبني العراق ،ويبقى الغرباء كجرذان السفن حين تغرق السفينة تولي هذه الجرذان هاربة ،فنحن العراقيون مرتبطون بمصير واحد وتظللنا سماء واحدة وأنتجتنا تربة واحدة .

مشاركة