عبد الله بن سبأ

عبد الله بن سبأ
ان دراسة هذه الشخصية الغريبة هي مشكلة بحد ذاتها في الواقع.
فنحن نعرف ما وردنا من افكاره واعماله اكثر مما نعرف عن شخصيته وصفاته اذ يذكر بعض المؤرخين انه يهودياً من اب يماني وام حبشية جاء في ايام الخليفة الثالث واعلن اسلامه ثم ذهب الى الامصار بين دعوته ذات الاهداف الهدامة وانتشرت هذه الدعوة بشكل غريب فكانت من السرعة والتأثير بحيث عمت البلاد الاسلامية في مدة وجيزة جداً واحدث انشقاقاً وشرخاً بين المسلمين فاقامت الثورات ومنعت الصلح وثبتت افكاراً غريبة تبقى الى نهاية الدهر كما يدعون فاستغل بعض المستشرقين ورجال بعض الاديان وجود مثل هذه الشخصية في ادبيات قسم من المذاهب الاسلامية وما لها من دور مؤثر للطعن والتجريح بهذا الدين ورجاله فقد سخر احد القساوسة بالاسلام قائلاً (انظروا الى هذا الدين الذي يقع فريسة لرجل غريب لا يعرف عنه التاريخ الا القليل في الوقت الذي كانوا الصحابة فيه يسيطرون على المجتمع الاسلامي والدعوة قائمة على بث تعاليم الاسلام نرى يهودياً طارئاً يدخل فيه ويمزقه تمزيقاً مريعاً من غير ان يطرد من بلاد الاسلام او يقتل).
ويعتقد الدكتور طه حسين ان شخصية عبد الله ابن سبأ وهم من الاوهام اخترعها المخترعون لحاجة في انفسهم ومن يقرأ في التاريخ يعرف ان ولاة الخليفة عثمان (رض) وعماله من القدرة بحيث لن يكون من الصعب عليهم ان يتبعوا هذا الطاريء او يطاردوه او يكتبوا للخليفة عنه ولم يرونا شيئاً بهذا الخصوص فقد شاع ان ابن سبأ كان يحرض ابو ذر الغفاري على الثورة على الاغنياء وان للفقراء حق في اموالهم وعجباً لمثل هذا التقول فهل يحتاج الصحابي الجليل ابو ذر الى تعاليم هذا اليهودي وهو الذي رافق طيلة حياته نبي الاسلام وخلفاءه وحفظ تعاليمه وبشر بها في معسكرات الكفر والردّه.
فقد كان المجتمع الاسلامي آنذاك فيه تباين كبير بين الاغنياء والفقراء فقد نشأت طبقة غنية ذات غنى فاحش من جراء تجارة الحروب كالاتجار بالعبيد والرق وتوظيف رؤوس الاموال في التجارة بين مكة والشام اضافة الى العطاء السخي لرؤوس قريش المؤلفة قلوبهم مما ادى الى نشوء تباين طبقي كان احد اسباب الفتنة في الاسلام.
وليس لشخص يهودي طارئي ان يحدث هذا الانقاسم والفرقة بين المسلمين فيبدو ان هذه الشخصية العجيبة اخترعها الاغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم. فكل انتفاضة الى هذا اليوم يعزوها اعداؤها الى تأثير اجنبي فقد اتهم رسول الله(ص) بهذه التهمة بأنه كان يأخذ تعاليمه من رجل مسيحي من الروم تارة واخرى الى تاثير رجل فارسي.
وبعد نجاح الرسول (ص) بتبليغ الرسالة ونشر الاسلام سقطت عنه هذه التهمة والسقت بغيره، ان الاعمال العظيمة التي تنسب الى عبد الله بن سبأ لا يمكن ان يقوم بها الا عبقري او ساحر من طراز فذ ولو كان قد ظهر في زمن الخليفة عثمان (رض) مثل هذا الرجل لوصل الينا وصفه على وجه من الوجوه والغريب اننا لم نجد له ذكر في المصادر المهمة التي قصت لنا تاريخ تلك الحقبة من الزمن سوى رواية واحدة في كتاب الطبري واخذ عنها جميع المؤرخين واضافوا لها من بنات افكارهم خدمة لاغراضهم المذهبية المختلفة وظلت هذه الرواية تروى عبر التاريخ الى يومنا هذا لأنها لاءمت اغراض بعض المذاهب فتمسكوا بها، وخلاصة لما تقدم نستطيع القول ان عبد الله ابن سبأ موجود في كل مكان وزمان وكل حركة جديدة يكمن وراءها ابن سبأ فأن هي نجحت اختفى هذا الا سم من تاريخها واصبحت حركة فضلى.
اما اذا فشلت فالبلاء نازل لا محال على رأس ابن سبأ وافعاله. ما دام الظلم موجود فأن كل انسان يحمل بداخله ابن سبأ.
كريم الرماحي
AZPPPL

مشاركة