عبد الكريم قاسم نموذج للمسؤولية
نتذكر عبد الكريم قاسم حيث كان منصفا لشعبه وآثره على نفسه عندما اسكن الشعب في مجمعات سكنية لائقة بناها في كل المحافظات وحرم نفسه من السكن اللائق لنفسه ومات وهو لا يملك دارا . ونتذكر عبد الكريم قاسم عند تجواله بالشوارع والازقة والطرقات وهو يحاور الفقراء والمساكين والجنود والطلبة والعمال وبدون حماية معه ونحب عبد الكريم حاضرا وماضيا عندما دخل لاحد افران الصمون في بغداد ووجد صورته معلقة على الحائط بحجم كبير فطلب من صاحب المخبز ان يصغر الصورة ويعمل على تكبير الصمونة للمواطنين . ناسف على فقدان هذه الشخصية الرائعة حيث لو كان موجودا اليوم للطم خديه حول قتل الفقراء والمعدمين بواسطة اجهزة القتل والتي سماها المسؤولون اجهزة كشف المتفجرات وناسف على فقدان الرجل لانه لم يحضر ماساة الشعب والمشهد السياسي المضطرب واصحاب الامتيازات والرواتب الخيالية ولم يشهد اليوم معاناة الثكالى والارامل والايتام ، لو كان حاضرا لبكى كثيرا وضحك قليلا على ما وصل اليه الحال في عراق شعبه فقير وماله وفير ومبدد .
كان الرجل لا يمثل حزبا او طائفة ولا كتلة او جماعة ولا سادة او عبيد حاز على الوسام ، وسام شرف خدمة الشعب وحب الوطن والمواطن ، هذه الخدمة التي تخشاها الانظمة الظالمة المتسلطة على رقاب الشعب والتي هي مستعدة دائما لحز رقاب الاحرار وكبت ارائهم وافكارهم على قول المثل الدارج (كل الحرية المعطاة في الوطن العربي لا تكفي كاتبا واحدا) . هذا الزعيم هو الذي عبر عن ذاته عن طريق الاخرين وهي رؤية فلسفية تتطابق مع التاريخ ومصلحة الشعب لا كالاخرين الذين هم نتيجة الهالة التي يحيطون بها انفسهم والغرور لا يرون من حولهم الا صور الذباب . وجرد نفسه من كل المظاهر الزائفة والرغبات غير المشروعة والمقتنيات الزائلة وبنى بدلا عن ذلك كله علاقة الحب الحقيقي بينه وبين الشعب وهذا هو السر في بقائه في ضمائر الناس وفي الذكرى والذاكرة حتى اليوم .
لقد عاش في بزة الكادحين الاصلاء الذين ابتعدوا عن امتلاك الثروات الباطلة والمال السحت وعن ما يعجز الشعب عن امتلاكه وعكف على معالجة هموم الوطن والشعب ومعالجة التاريخ على انه عملية متصلة يتدفق باستمرار وان وظيفته تنحصر في تحديد ذلك التدفق فيما اذا كان يتجه نحو الحرية وخدمة الفقراء لتسمو الحياة وكان غير راغب ابدا في خضوع النفس للرغبات والشهوات والمكتسبات الذاتية التي تدخل في خانة القهر الاجتماعي . لم يكن واحدا من الضباط الذين تخرجوا من مدرسة عسكرية وانما تخرج من مدرسة الشعب المتمردة على الظلم والضيم وجرح الكرامة الانسانية ، من اعلى المدارس المتفهمة لمطالب البلاد وحاجات المواطنين ، لم يتفاخر بالكرسي او المنصب ومخاطبة الشعب من فوق الابراج وحجز نفسه عن المغريات الا ما يرضي الله والشعب ويسعده بعيدا عن اولئك الذين انهمكوا في ذواتهم ولم يزل شعبهم يحس بالخيبة والخسران ازاء ما يفعلون .
كنا فرحين عندما نرى الزعيم يسير وسط الناس ونعتز به قائدا للمسيرة وكنا واياه نصد الغزاة في ذلك الزمن بقطع الطوب والحجارة التي تتساقط فوق رؤوس العدو وبقي هذا كله يحكي قصة العظماء في التاريخ والزمن الذي لا يمحى من الذاكرة ، قصة هذا الانسان الذي لم يمتلك شيئا من حطام الدنيا الا محبة الشعب والوفاء له فبقي خالدا في الضمائر الرجل والقائد والانسان . كان اول ما يفكر به الزعيم عبد الكريم عندما يجتمع مع المسؤولين الاخرين هو الشعور بجوع الجياع وفقر الفقراء وحال المرضى والعاطلين عن العمل وتفعيل القرارات الاقتصادية التي تمس معيشة الشعب ورفاهه بعيدا عن الالفاظ والمصطلحات والوعود التي لا تعني شيئا والتي لا تخدم الوطن والمواطن ، فاين نحن اليوم من تلك المبادئ والقيم السامية التي بقيت خالدة حتى اليوم وتاريخا تحكيه الاجيال جيلا بعد جيل ؟
لفتة عباس القرة غولي- ذي قار
AZPPPL