عبد الرضا اللامي: أنتسب للجميع وليس لجيل معين

يكتب القصة والنقد ويفضّل الشعر

 

عبد الرضا اللامي: أنتسب للجميع وليس لجيل معين

 

رزاق براهيم حسن

 

بين عبد الرضا اللامي والكتابة علاقة تمتد الى عقود عديدة من الزمن، وتمتد الى طفولته واوائل شبابه، وهي علاقة اعمق واسمى من العشق، وقد فتح عن هذه العلاقة فيضاً من الشعر وقصصاً احتوتهما عدد من المجموعات، ولكنه يواصلها بمزيد من الاصرار والنتاجات،  وبمزيد من المثابرة، ويحرص على امتلاك حيوية وقوة  وخصب البدايات الاولى، فهل يتذكر كيف كانت علاقته مع هذه البدايات؟ يجيب عن هذا السؤال بالقول: لقد كنت اندفع للكتابة في اي وقت بفيض غزير من العواطف  والاحاسيس، وبشعور قوي لان اكون جديرا بالاسماء التي قرأت  لها، وتشبعت باجوائها وتجاربها ولان اجعل تاثري بها وانبهاري بعوالمها دافعا لاختلاف عنها، وتعزيز علاقات الصداقة والتواصل والاستفادة معها.

 

{  وهل حققت ذلك؟

 

– لا استطيع تقديم راي حاسم لذلك، فنحن الادباء من الذين يولعون بالخيال، ومن الذين يتعاملون  مع الواقع من خلال الخيال ايضا، كما انهم يمارسون  عملية الكتابة من خلال الذات، وانني اخشى ان يكون رأيي  في هذه المسالة خياليا وذاتيا، ولكنني رغم ذلك افتح قلبي وعقلي  وحواسي لكل من يدلي رأيه في ذلك، فقد اصدرت عددا من المجموعات الشعرية والقصصية وهي متاحة لكل من يريد الكتابة عنها، واعلان موقف ما تجاهها.

 

ورق مبعثر

 

{  ما الذي انجزته؟

 

– كنت افضل ان ابدأ من الظرف الراهن، غير ان الاسئلة تدفعني الى البدايات وتعيدني الى ذكرى اول مطبوع لي، فقد كنت ادون ما انظمه على ورق مبعثر، واوراق  لم اهتم بحفظها، فقد كنت مدفوعا للكتابة مثل جدول سريع الجريان، ولما وجدت نفسي مستوعبا بعالم الشعر، ومحكوما بسحره وروعة ايقاعه ووجدت الاخرين يتعاملون معي كشاعر، ويصغون لي، ويثنون على موهبتي  الشعرية فقد اخذت بحفظ وتدوين ما اكتبه، وصرت اطمح الى اصدار مجموعة شعرية كما هو حال الشعراء الاخرين وبالفعل فقد اخترت من القصائد الكثيرة قصيدة مطولة وطبعتها في كراس عنوانه (شبابيك  بنت الشيخ) وقد غيرت  عنوانها بتوجيه من المدرس  مالك المطلبي  الشاعر والاكاديمي المعروف  لتلافي مشكلة معينة في حينها، وقد حدث ذلك في بداية السبعينات وقد اصدرت لاحقا ديوانا بعنوان (نواقيس الصمت) وديوانا بعنوان (الاميرة والسندباد).

 

{  ولكن سيرتك تشير الى عناوين اخرى؟

 

– نعم، فقد اصدرت عام 1967  مجموعة شعرية  بعنوان (مرفأ الاله) كما  اصدرت مجموعات وكراسات  منها (مخالب الجاهلية) و (خطاب الصعاليك) و (المائيات) و (نهج الهدى) و (قمر يتعثر بين النجوم) و (اممية الماء والظل).

 

{  وهل لديك كتب في مجالات اخرى؟

 

– لدي كتب ودراسات ، فقد اصدرت ثلاث مجموعات قصصية عناوينها: بين النهرين وارض السواد وتقرير موقف خاطئ ولدي كتاب بعنوان (حوار الفضاءات وفرض النقيض) والكثير من المقالات في النقد الادبي وغيره، واواصل العمل لانجاز اول كتاب عن تاريخ ومراحل مدينة الصويرة.

 

{  اذن اين تجد نفسك؟

 

– اجدها في الشعر.

 

{  ولكنك اصدرت عددا من المجموعات القصصية؟

 

– انا شاعر في المقام الاول، وقد بدأت شاعرا، وعرفت به، ولكنني  لا احدد نفسي في جنس ادبي معين، فانا لا اميل الى القيود والاشتراطات، ولكنني في الوقت الذي اواصل فيه كتابة الشعر اكتب القصة في فترات متباعدة لا تقاس بالزمن المفتوح امام الشعر، ثم انني لا اكتب القصة من اجل التنفيس، وانما لانني اضع فيها ما يدعو الى الاهتمام بها ودراستها، فقد كتبت مجموعة من القصص القصيرة على السنة الحيوانات، وجمعت فيها بين الحيوان والانسان،  وعندما وجدتها مقبولة من لدن اصدقائي الادباء اخذت اعززها بمطالعة الكتب التي تمارس النهج نفسه مثل .. (كليلة ودمنة) و (القط والفار) و (مزرعة الحيوانات، ومنطق الطير) وغيرها بهدف تحقيق التميز والاختلاف عنها لا بهدف تقليدها، والسير على منوالها، واعتقد انني حققت ذلك، اما كتاباتي النقدية  فانا لست ناقدا متخصصا رغم تقدمي ونشري الكثير من المقالات النقدية، وخوضي  نقد النقد، ولكنني  احب ان اكون طرفا في الحوارات والمساجلات الثقافية، وقد اصدرت كتابا  بعنوان (مقالات حول النقد الادبي) كما نشرت لي دراسات ومقالات نقدية عن كتاب (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) للدكتور علي الوردي واخرى عن كتاب (الانسان من هو) للدكتور قاسم حسين صالح.

 

قناعة وكتابة

 

{  وهل تطرح شيئا جديدا من كل  ذلك؟

 

– هذا سؤال ذكي يحاول ان يسبر عمق تجربتي وتقييم منجز عملي الادبي والنقدي والفكري، والجواب لدى النقاد الذين تعرضوا لهذه التجربة وهذا المنجز، فقد اشار بعضهم الى الطابع التلقائي في كتاباتي، وانها اقرب الى الفطرة، وهناك من اشار الى انني اعود بالقصص الى علاقتها الاولى بالانسان  وانني اضع فيها مشكلات وقضايا يومية ملموسة، ولكنني في كل الاحوال اكتب ما اقتنع به وليس ما يقنع النقاد.

 

{  وهل تعد نفسك من المظلومين  نقديا؟

 

– كان النقاد يتابعون المبدعين، ويبحثون  عن منجزهم للدراسة  والتقويم، ويعملون على ابراز تفوقهم وتميزهم، غير ان واقع اليوم يقدم العكس، فقد تضاءل دور النقد وانحرف بعضه  عن مساره الفاعل والمؤثر، وطغى على قسم منه المحسوبيات   والاخوانيات والرياء والسلوكيات التي تسيء لمهمات الناقد، ولذلك تجد ان اغلب المبدعين  لا يعبأون بالنقد، وان بعض (المدعين) يلهثون وراء النقاد.

 

{  لكل جيل نقاده، فهل تنتسب لجيل معنى؟

 

– كنت في بداياتي مشتتا  لانني لم اكن احسب نفسي على الشعراء  والكتاب، وكنت  اكتب على سبيل الهواية،  ولاشباع  رغبة وهوس ما، ولما وجدت  نفسي  قادرا على كتابة ما يقنع الاخرين وما يعبر عن الواقع فقد وضعتها امام  مسؤوليات ادبية واجتماعية وسياسية،  وان قول الشعر ليس عبثا وانما هو تعبير عن الحياة وتجسيد لها واضاءة اخلاقية وفكرية لما يحيطها وتسلل اليها من ظلام، ولعلك  تستغرب مما اقول: اذ انني في الشعر لا احاول ان استعيد المبادئ والقيم السامية للادباء فقط، وانما احاول تنفذ وصية والدي وهي ان لا اتقمص ثياب وطرائق غيري، لذا فانني اقرأ للجميع وانتسب للجميع  ولا احفظ عن ظهر قلب لاي واحد منهم سوى القليل والنادر، وانني لا اجد الجميل والرائع في مرحلة معينة وجيل معين وانما  في كل المراحل والاجيال اما التقسيم  على اساس الاجيال فانني ارفضه ولا اقره وان كان مقيدا في الدراسات النقدية  والتاريخية لان الابداع موجود عن الانسان في كل السنين ويمكن ان يوجد  في هذا العصر، ومايزال بعض الناس يقرأون القدامى من الشعراء  ويحفظون قصائدهم، ولا يحبذون قراءة وحفظ ما يكتب في هذه الايام، وليس من الصواب ان نهمل مثل هؤلاء الناس، ونعدهم بقلة الثقافة وسوء الذوق والاختيار.

 

وانطلاقا  من ذلك فانني اعتز بكل ابداع، وامجد كل المبدعين من الشنفرى الى الفرزدق والمتنبي وابو العتاهية والشابي والجواهري وعمر ابو ريشة وبدوي الحبل والسياب والبياتي وسعدي يوسف وغيرهم، ومن عاصرهم من شعراء تميزوا بالابداع، وهم كثيرون في اللغة العربية.

 

{  وهل تعد نفسك مبدعا في القصة؟

 

– القارئ لـ(كليلة ودمنة) يجدها منطوية على الحكمة بتكرار رائع واسلوبها في السرد، هو الرجوع الى الخلف والعودة للبداية، ان صح التعبير، وهو اسلوب حلقي مترابط ينشط الذكاء واما جورج ارول في (مزرعة الحيوانات) فكان  يخلط في شخوص قصته  بين البشر والحيوان، وطغت على اهدافها الصيغ الدعائية  سياسيا.

 

وفي (رسالة الطير) والقط والفأر ومنطق الطير) فهي ليست اكثر من استعراض  للمنهج الصوفي، كون مؤلفوها هم زعماء الفكر الصوفي منهم ابن سينا وابن العطار وغيرهم.

 

{  هل ذلك يعني ان لك  منهجا مغايرا؟

 

– نعم، فانا ارمز للمجتمع، مهما كان حجمه، بالغابة، من العائلة الى الدوائر الرسمية او اية مؤسسة اتناولها،  وارمز للبشر فيها بالحيوان  او الطائر .. الخ.

 

{  ماذا عن تجربتك في كتابة القصة؟

 

– البست قصصي ثياب الكوميديا، فمن الفن ان تحكي عن واقعة اليمة باسلوب كوميدي  اغطي به واقعنا الدامي والفاسد، ودفعت بالمتقلي ، أيا كان لياخــــــذه بالقياس على واقع اي بلد، في اي مكان او زمان اخر.

 

{  ماذا تقصد من وراء ذلك؟

 

– حاولت من خلال قصصي، استفزاز الشرائح البشرية المتغطرسة والتسلطية ولاثارة الحديث حولها في الاوساط الشعبية، واجمل بعض النقاط التي هدف لها:

 

1. ان مضامين قصصي  هي تصوير لواقع معاش بفن غير مباشر.

 

2. محاولة اعطاء تعريف اخر للهجاء كقناع، يعطي للقصص بعدا جماليا ويفسح المجال للنقد الوافي، ذلك بعدم تطويق الحدث بزمن معين، ويمكن ان يشمل  النقد كل مكان. علما اني لم اعتمد اسلوب السرد الروائي للوصول الى نتيجة حتمية اي التمرد. بل استخدمت الاثارة والتحريض غير المباشر، لرفض الواقع الفاسد، وهجوه، والسخرية منه لاعانة المتلقي على التفكير بطرق الخلاص، والاستشعار بالظلم والقهر لتصعيد مشاعر النقكه ضد الاستغلال.

 

{  كيف تحاول ان تبتعد عن الاخرين؟

 

–  ان محاولاتي تجيء على نحو  شخصي لا مقلداً ولا مستنسخا فلم استخدم الشعارات  والمواعظ، ولم اتقولب  بايديولوجيا معينة، ودعوت حتى المؤدلج ان لا يستسلم للنمطية الفكرية، وان اجعل المتلقي يقارن بين صفات الحيوان المفترس المتوحش  والانسان   الشرير  عندما يقبض على السلطة، ويكف يتحول الى حيوان متوحش.