عبد الجبار الجومرد .. قامة دبلوماسية متميزة
صباح الراوي
هو النائب في العهد الملكي والوزير بالعهد الجمهوري وفي أنظف وزارة شهدها العراق منذ14 تموز 1958 ولغاية الاحتلال اما بعد الاحتلال فقد هزلت. ففي مجلس النواب جادل المرحوم الجومرد نوري السعيد وطالبه بإنصاف الناس وتحقيق مطالبهم في الحياة الحرة الكريمة. اما في العهد الجمهوري فلم يتورع في ان يقول للزعيم عبد الكريم: (إنني لا أسمح أن يتدخل أحدهم في شؤون وزارة الخارجية وسياستها. أنت رجل عسكري وأنا لا اتمكن من أن أصبح قائداً عسكرياً لفرقة، على سبيل المثال، لأنني لم أتخرج من المعاهد العسكرية… فكيف أسمح لعسكري أن يتدخل بالسياسة الخارجية؟. قال ذلك معترضاً على ما كان يتفوه به العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة بحق بعض الملوك العرب ورؤساء الدول.
ولد عبد لجبار محمد شيت الجومرد في محلة حوش الخان بالموصل في العام 1909 وكان آل الجومرد من الأسر الدينية المعروفة فجده عبد الله كان رجلا معروفا بالتقوى والورد وكان عضواً في مجلس ولاية الموصل اما والده محمد شيت فكان من حفظة القران الكريم. بعد الدراسة الايتدائية دخل عبد الجبار المدرسة الثاننوية الوحيدة في الموصل في العام 1925 وكان من زملائه علي حيدر سليمان ويونس السبعاوي . التحق بعدها بدار المعلمين الابتدلئية وتخرج فيها سنة 1929 ليواصل دراسته في المعهد العربي للحقوق في دمشق والذي تخرج فيه العام 1935. عاد إلى الموصل ومارس المحاماة وفي العام 1936 التحق بالبعثة العلمية العراقية في باريس وحصل على الدكتوراه في اطروحته الموسومة (الدستور العراقي عام 1925 بين النظرية والتطبيق)، وذلك في العام 1940 وقد حالت ظروف الحرب العالمية الثانية دون عودته ليحصل على دكتوراه أخرى في الأدب العام 1944 من جامعة باريس عن رسالته الموسومة (الاصمعي حياته واثاره)، ومن آثار الجومرد المطبوعة:
1- هارون الرشيد . جزءان طبعة بيروت 1956.
2- غرة العرب يزيد بن مزيد الشيباني – بيروت 1961
3- مؤسس دولة بني العباس أبو جعفر المنصور بيروت 1963
اما باللغة الفرنسية فالف كتابا تحت عنوان (مأساة فلسطين العربية).
والجومرد هو مؤسس ( نادي الجزيرة ) العام 1935 الذي استطاع من خلال نشاطاته الثقافية والسياسية أن يجعل النادي وتوجهة للعمل السياسي القومي شأنه في ذلك شان (نادي المثنى). في بغداد ونادي المهلب بن أبي صفرة) في البصرة.
بدأت حياته السياسية والدبلوماسية، ففي العام 1946 رشح للعمل بجامعة الدول العربية فسافر إلى القاهرة ولكنه استقال بعد عمله لسنتين وعاد إلى الموصل ليرشح نفسه نائبا في انتخابات الأول من أيار 1948 والذي استقال منه العام 1950 ثم رشح نائباً عن حزب الجبهة الشعبية المتحدة وفاز عن الموصل وبقي في المجلس لغاية صدور إنهاء جلساته في التاسع من حزيران العام نفسه. شارك أيضاً في المجلس النيابي الذي ترأسه ارشد العمري كنائب عن الموصل العام 1954 لغاية حله بعدها بمدة وجيزة ليؤلف الوزارة نوري السعيد والتي عدها الجومرد بدءاٌ بمرحلة تكميم الأفواه تمهيدا لربط العراق بعجلة الأحلاف الغربية ومنها حلف بغداد العام 1955 ولهذا فقد اعتزل الجومرد الحياة النيابية بعد أن صدق ظنه إذ أصدر نوري السعيد سلسلة من المراسيم الارهابية كما سمتها المعارضة وبموجبها حكم السعيد العراق بيد من حديد لغاية قيام ثورة 14 تموز 1958.
ويكاد اليوم يشبه البارحة اذ كان الجومرد يقول ويؤكد في احاديثه (إن هم السياسيين سرقة أموال الشعب وان الحكومات المتعاقبة تفتقد سياسات استراتيجية تجاه التعليم والاقتصاد والسياسة الخارجية كما دعا إلى تخفيض النفقات الحكومية غير الضروري، وتطبيق قانون ضريبة الدخل ومنع التهريب والرشوة وطالب بالدخول في مفاوضات مع شركات النفط الاحتكارية الغربية لزبادة حصة العراق وإنجاز مشاريع زراعية وصناعية وعمرانية.
اصدار جريدة
أما في المجال الاعلامي فقد تمكن من إصدار جريدة الهدى الناطقة باسم (حزب الجبهة الشعبية المتحدة). دبلوماسياٌ اكد في خطابه الذي القاه في اجتماعات هيئة الامم المتحدة في 18 اب 1958 أن النظام الجديد يحترم الاتفاقيات والمعاهدات وأن للثورة ما يسوغها مشيرا الى مساوئ النظام السابق وقال (ان العراق مصر على ترصين الوضع الداخلي وتثبيت اركان الجمهورية وذلك بدفع الاخطار الداخلية والخارجية) وفي محاضرة مهمة له ألقاها في كلية الاركان في 27 آب 1858 أشار إلى أن السياسة الخارجية للعراق الجمهوري تسند إلى ما أقره الدستور المؤقت الذي تم اعلانه في 17 تموز 1958 من حيث (أولاً ان الدولة العراقية جمهورية مستقلة ذات سيادة كاملة ، وثقافيا ان العراق جزء من الامة العربية فمن هذا المنطلق فان سياسة العراق الخارجية تسعى الى التضامن والتعاون مع الدول العربية المتحررة والعمل لا سيما في المحافل الدولية على تحقيق الاهداف العربية القومية إلى جانب دعم عمل الجامعة العربية كما اكد على ان ثورة العراق تعمل على تحرير فلسطين والاجزاء العربية المغتصبة الاخرى. وهكذا على صعيد سياسية العراق الدولية التي تهدف الى المحافظة على استقلال العراق وانتهاج سياسة الحياد الايجابي وتجنب العراق ويلات الحرب والتعامل بمطلق الحرية مع سائر دول العالم دون تفريق او تمييز . وفي تصريح له لجريدة الصباح التونسية في نيونورك اوضح أن علاقات العراق مع دول العالم ستبقى ودية طالما احترمت تلك الدول حقوق العراق ومصالحه واستقلاله وهذا ينطبق على جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي. اخيرا وليس اخرا فقد تزعم جومرد قائمة الاستقالات من الوزارة الاولى ففي الثالث من شباط العام 1959 بعد أن تنصل الزعيم عبد الكريم قاسم عن وعوده القومية واستأثر بالسلطة، ومبتعدا عن انتمائه القومي ليتبعه في الاستقالة كل من ناجي طالب وبابا علي الشيخ محمود ومحمد صديق شنشل والطبيب محمد صالح محمود وزير الصحة وفؤاد الركابي.