عبده خال تكرليا
ظهر في العراق في نهاية الأربعينات من القرن الماضي ، الأديب فؤاد التكرلي والذي شكل انعطافة واضحة في تاريخ السرد العراقي ، إذ برز روائيا وقاصا ، وكان التكرلي قد تخرج في كلية الحقوق العراقية ، وعمل في المحاكم ، فكانت المشكلات والقضايا التي تمر به أثناء العمل هي المنهل الذي يستقي منه رواياته وشكلت له فضاء روائيا . وخاض التكرلي في الطبقات السحيقة من المجتمع و غاص في الأعماق البعيدة ، فاخترق الخطوط الحمراء ، وتجاوز أخطر التابوات آنذاك ، والتي مازال الخوض فيها قضية مقلقة ومخيفة في الوقت ذاته . ومازال الكثير من الروائيين والكتاب يتجنبون الولوج الى عوالمها . فشكلت موضوعة الجنس الثيمة الاساسية في رواياته ، ولاسيما قضايا الشذوذ الجنسي وزنا المحارم . وجاءت رواياته مجسدة لهذه العوالم ، فكانت رواياته ( الرجع البعيد ، والمسرات والأوجاع ، وبصقة في وجه الحياة ) من أجرأ الروايات وأكثرها تعرية للمجتمع وتسليط الضوء على سلبياته . ولا نعرف فيما إذا كانت محض مصادفة أم هو شيء مما يسمى وحدانية العقل البشري ، أو كان ذلك عن طريق التأثر والتأثير ، أن يختار الروائي السعودي عبده خال عوالمه الروائية من عوالم التكرلي نفسها ، مع فرق بسيط هو جعل السعودية فضاء روائيا بدلا عن العراق . فالمتتبع لسيرة الروائي يجده خريج كلية العلوم السياسية، وعمل في الصحافة ، فاعتمد الملفات الصحفية مادة يستقي منها مواضيع رواياته ، وبذلك يشترك مع التكرلي في كونهما بعيدين عن الدرس الأدبي ، فضلا عن تخصصهما السياسي وعملهما في مجالات مختلفة عن الأدب ، وافادتهما من ذلك العمل في الكشف عن خبايا المجتمع وسلبياته موظفان الفن الروائي ، كائنا استيعابيا لقضايا ذلك المجتمع . لأنه الفضاء الأرحب والميدان الأوسع من بين فنون الأدب كافة . فجاءت روايات عبده خال كاشفة عن مساوئ المجتمع السعودي من شذوذ جنسي وزنا ولواط إلى غيرها من المساوئ الأخرى ، التي يكاد لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات . لكن لم تجد روائيا شجاعا مثل فؤاد التكرلي أو عبده خال ليخرجها إلى السطح ويعالجها عن طريق الادب . وجسدت روايات عبده خال هذه العوالم فجاءت ( نباح ، وفسوق ، وترمي بشرر) مثالا واضحا عنها . وإن كان الكشف متأخرا بزمن ليس بالقليل عن زمن التكرلي ، إلا أننا نرى عبده خال تكرليا بامتياز، وربما فاق التكرلي جرأة في الطرح إذ باتت الحرية في التعبير شكلية ، ونحن في زمن الصح المخطأ أو العكـــس.
رؤى جعفر – بغداد
AZPPPL