عبدالكريم قاسم لم يصدر أمراً باحتلال الكويت وقصة الحصونة لا أساس لها من الصحة
اشتداد مطالبة نوري السعيد المتكررة بالكويت تدفع الإنكليز إلي إطاحته
حميد حمد السعدون
الفصل الأول
عبد الكريم قاسم وحكاية الكويت
التأسيس والمحاولات الأولي
حكاية أو قصة، أو شكل ما يربط علاقة العراق بالكويت، كانت دوماً طريقاً مملوءًة بالدم والموت، بحيث باتت هذه العلاقة أشبه بمنطقة المحرّمات، التي لايقترب منها أحد، الاّ وكانت آثارها مدمّرة عليه. فالكيانان، كانا وليدي، نتائج الحرب العالمية الأولي، وكان التقدير العام، أنهما اقليم واحد، من دون انفصال. لكن خلق الكويت وبالطريقة التي تمت وعلي وفق التصميم الذي عمله ” السير برسي كوكس ” في مؤتمر العقير عام 1922 ، حينما هندس حدود الدول لما بعد مرحلة الرجل المريض، وكان بحق أحد أبرز مصممي الخرائط الجيوــ سياسية، خلق حقائق جديدة علي أرض الواقع، كان أبرزها الخلق الجنيني للكيان الكويتي المدعوم بالحماية البريطانية، مما أوجد اقليماً ارضياً جديداً، في الوقت نفسه، أدّي هذا التصميم المعمول بالمقص الاستعماري، الي خنق العراق وحرمانه اطلالته البحرية التي يحتاج اليها بشدة، مما جعله أشبه بالدولة القارّية، التي انعكست آثارها لاحقاً. تحت دعاوي عدّة، وكانت سبباً في ولوج طريق مؤلم ودموي علي الجميع.
فالملك غازي بن فيصل، يوم ابتدأ يطالب بضم الكويت الي العراق في ثلاثينيات القرن الماضي، وتجاوب معه المجلس التشريعي الكويتي، القائم آنذاك، فأن الاثنين وجدا أنفسهما في أشكال تختلف عن خط الشروع الذي انطلقا منه. المجلس حلّ، ووضع أعضاؤه النشيطون في السجن عام 1938، بأمر من حاكم الكويت في حينه ” أحمد الجابر” ، في حين وجد الملك غازي نفسه مساء احدي ليالي نيسان 1939، يجود بأنفاسه الاخيرة في بهو قصر الزهور يحيط به “قتلته” من العراقيين والانكليز، بعد أن قيل للناس أن سبب ذلك كان حادثة اصطدام سيارة الملك، بأحد أعمدة الكهرباء في القصر المذكور، جرّاء السرعة الشديدة التي كان يقود بها سيارته !!! وتكرر الأمر مع السيد ” نوري السعيد ” رئيس وزراء العراق الأسبق، حينما اشتدّت مطالبته للأنكليز بالسماح للكويت، بالانضمام للاتحاد الهاشمي الذي أقيم بين العراق والأردن في شباط/فبراير 1958. بل أنه في مطالبته بهذا الأمر، أثناء مباحثاته الأخيرة في لندن، مع وزير الخارجية البريطاني حينها ” سلوين لويد ” فقدَ أعصابه وأخذ يضرب الطاولة التي أمامه بيده، مذكّراً الانكليز بأشكال التقسيم التي صمموها بعد الحرب العالمية الأولي، والتي تم بموجبها اقتطاع الكويت. وقد استغرب هذا التصّرف من ــ السعيد ــ بحيث ذكره ــ لويد ــ للوزير ” محمد فاضل الجمالي ” كعتاب شديد، فعزاه الأخير، لشيخوخة السعيد وكثرة المسؤوليات الملقاة علي عاتقه. لكن ماينفي ذلك ماسجله ــ نوري السعيد ــ في رسالته الأخيرة للسفير البريطاني في بغداد، وتعريضه علناً بموضوع الكويت وما يمثله من رصيد لأي سياسي عراقي. وحول موضوع الخلاف بين الحكومتين العراقية والبريطانية، يقول احد وزراء الاتحاد الهاشمي ” وزير المالية “، ” ان الحكومة العراقية لم تكن مدفوعة بمطامع اقليمية في الكويت، ولا بأطماع في ثروة الكويت النفطية، ولو كانت كذلك، لطالبت بضم الكويت الي العراق، لا بانضمامها الي الاتحاد العربي كدولة ثالثة ــ اضافة الي العراق والأردن ــ، بل كان السبب الرئيسي وقتئذ، هو رغبة العراق في اشراك الكويت في المسؤولية العسكرية في حدود مكشوفة تمتد الي مسافة تزيد علي ستمائة كيلو متر في مواجهة العدو الاسرائيلي الغاشم”. إن إلحاح ــ نوري باشا ــ في هذا الجانب، دفع جميع الأطراف للاتفاق علي عقد لقاء في لندن في 24 تموز 1958 يتم البت فيه في هذا الامر، لضرورته للعراق وللاتحاد الهاشمي. ويكتب السفير البريطاني في بغداد في تلك الفترة، تقريراً لوزارة الخارجية البريطانية يقول فيه ” انه سمع ان هناك تفكيراً، بأنه اذا لم توافق الحكومة البريطانية علي الطلب الهاشمي، فان الاتحاد الجديد، يستطيع أن يتدخل ويضم الكويت اليه، عارفاً ان بريطانيا لاتستطيع عمل شيء لمقاومة ذلك. وألاّ كان معناه، انها ستحارب الطرف العربي الوحيد الذي يساندها في عدائها لعبد الناصر، الذي يطارد بقايا نفوذها في المنطقة…
لكن في عصر يوم 15 تموز 1958، كان ــ نوري السعيد ــ يسلم روحه لباريها، في أحد شوارع منطقة »البتاويين« في بغداد، بعد أن أطلق عليه النار، نائب الضابط »خضير صالح السامرائي«. الذي نفذّ أوامر الثورة التي قامت، قبل يوم، وقضت علي النظام الملكي وكل أركانه، الاّ رئيس الوزراء ــ نوري السعيد ــ الذي هرب واختفي عن الانظار مدة يومين، ووضعت جائزة قدرها »000ر10« عشرة الاف دينار عراقي، لمن يلقي القبض عليه، حيّاً أو ميتاً، قضي أغلبها في دار السيد »محمود الاستربادي« في منطقة الكاظمية. وقد نقل لي انه كان طيلة نهار14 تموز، يكثر من الصعود الي سطح الدار، باحثاً عن طائرات انكليزية يأمل وصولها، وكان يردد »اذا انقضي هذا اليوم من دون وصول الانكليز، فمعني ذلك انهم من فعلوها !!!«.
وتكرر الأمر ذاته مع ” عبد الكريم قاسم ” الذي سنفصّل أوضاع مطالبته في هذا الفصل، حين وجد نفسه، بمواجهة ثُلّة من الضباط والحزبيين الشباب في ستديو الموسيقي في مبني الاذاعة والتلفزيون، ظهر 9 شباط 1963، لتخترق رصاصاتهم صدره، وصدر ممن رافقوه حتي الموت.
ويعاد تكرار المشهد الدموي، مرّة أخري، بعد احداث 2 آب 1990، حينما دخل الجيش العراقي للكويت، مما جرّ المنطقة الي أن تشهد أضخم حشد عسكري وسياسي في تأخيرها، قادته الولايات المتحدة الامريكية، بطريقة جنونية، ابتدأ بالعمل العسكري في 17 كانون الثاني 1991، والذي استمر 42 يوماً، ثم أرفقته بحصار اقتصادي وسياسي وعسكري وانساني وعلمي، لمدة ثلاثة عشر عاماً، كادت فيه الأنفس تنقطع، وذهب ضحيته أكثر من مليون شخص، بسبب نقص الأدوية والاغذية والموارد، ثم تفاعلت وتصاعدت الأمور، حتي تمكّنت الولايات المتحدة الامريكية من احتلال العراق في نيسان 2003، بعد أن اتخذت من الكويت قاعدة، للتحشد والتنفيذ. ومن جديد بدا ان الاقتراب من موضوع الكويت، أكثر مما يتحمله النظام السياسي العراقي ــ أياً كان لونه ووزنه ــ برغم كل حجج المنطق واللامنطق. بل وصل الأمر الي إن العراق إحتُّلَّ جراء هذا الموضوع، يضاف الي ذلك، ان المشهد الذي سيظل راسخاً في وجدان الكثيرين، انه دموي، وبأكثر مما تحتفظ به الذاكرة من تفاصيل، ازاء العنف الذي مورس ضد العراق. لذلك فقد كان الكنز سبباً في بلايا ومصائب وموت كثيرين، هذا غير ضياع الكثير من الموارد والامكانات التي ذهبت هباءً من المدعي والمدعي عليه، خصوصاً بعد أن شيّد جدار من الكراهية والحقد والريبة، واستحضرت كل مواضع الثأر وردود الفعل العنيفة، وبطريقة، تكاد تذكر بعضهم ببدائية العصر الانساني، وأصبحت حالات الثأر البغيض علماً ورايةً، لكل مدّع باطلاً أو حقاً ضد العراق، من العرب وغيرهم. اذاً، فالكويت بوضعها، وبكل مافيها، كانت أكثر من قطعة إغراء، دفعت كثيرين، من الطامعين إنكليز وأمريكان، وعراقيين وعرب الي أن يهندسوا ويخططوا وينفذوا، بل أن يتقاتلوا ويقاتلوا دفاعاً عنها وطمعاً فيها، لأن مافيها يستحق ذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية اخري، فأن حصول أي تنسيق أو تفاهم، أو أي شكل تعاوني بين العراق والكويت، سوف يكون له شأن كبير، قد يغيّر من وضع المنطقة الجيو ــ سياسي، وهذا مالاتريده الولايات المتحدة الامريكية والمعسكر الغربي. كما أن اطرافاَ اقليمية، عربية وأجنبية، لاترغب في ذلك أيضاً. لذلك فحق العراق أو اطماعه أو نيته أو رغبته، في موضوع الكويت، لاينظر اليها من وجهة النظر الاقتصادية وما يملكته من مخزون نفطي، بقدر مايتخوّف من تبعاته، لآثاره السياسية، لأن لاتتحمله لابنية ولا أوضاع كثير من انظمة المنطقة.
فبعد ثورة 14 تموز 1958، إبتعد النظام السياسي العراقي عن التقرّب من موضوع الكويت، لانشغاله في الشأن الداخلي، ولم يزد اهتمامه في هذا الجانب، علي غير الترحيب بزيارة حاكم الكويت في حينه، الشيخ ” عبد الله السالم ” للعراق في تشرين الأول 1958، للتهنئة، ولجسّ نبض الثورة واستطلاع نياتها تجاه الكويت، وتعميق أشكال التعاون. لكن الزعيم ــ قاسم ــ أفصح عن أول تطلعاته في هذا الموضوع في مايخص تسمية منظمة الاقطار المصدرة للنفط ــ اوبك ــ حينما عقدت مؤتمرها التأسيسي في بغداد في ايلول 1960، وقتها أيقظ كل حواسه تنبهاً، في تأكيده علي »طلعت الشيباني« وزير النفط وكالةً في حينه، ضرورة أن تكون المنظمة ” منظمة أقطار ” وليس ” منظمة دول ” وهذا واضح في تسميتها:
Organization of the Petroleum Exporting Countries …OPEC”
والسبب في ذلك، أن أحد الاعضاء المؤسسين للمنظمة كان الكويت ، وبرغم اعتراضات قليلة من بعض الوفود، الاّ ان الاقتراح العراقي علي التسمية، هو الذي أخذ مكانه وشهرته في تسمية المنظمة وظل هكذا حتي الآن.
علماً ان ثورة العراق استقبلت وفداً شعبياً كويتياً، بعد شهر من نجاحها، كان أمله أن تتسع رقعة الجمهورية العربية المتحدة، لتشمل العراق، لكن واقع الحال في قيادة الثورة، كان لايري الامنيات التي حملها الوفد نفسها، برغم التهوّر والادعاء الفارغ بأهمية الكويت للعراق، والذي عبّر عنه الرجل الثاني في الثورة ــ عبد السلام عارف ــ
أزمة حزيران/يونيو 1961
جاءت مطالبة عبد الكريم قاسم، بالكويت، مفاجأة للجميع، بما فيهم وزير خارجيته ” هاشم جواد ” الذي كتب لاحقاً، وبطريقة الندامة، بأنه يلعن الساعة التي قبل فيها أن يكون وزيراً، بعد اتضاح فشله، وفشل نظامه، في معالجة العديد من القضايا ذات الاهمية القصوي للعراق. وبرغم المفاجأة، الاّ أنها في الحقيقة، رجع صدي لما سبقها من محاولات، هذا غير كونها، إغراء لايقاوم. وبرغم أن بعضاً، يعزو هذه المطالبة، لتأريخ قديم، حيث يدعي ” نجم الدين السهروردي ” ان الزعيم ــ قاسم ــ أخبره والأستاذ ” جابر عمر ” وزير التربية في الحكومة الأولي للثورة، في 15 حزيران 1959، بعد اطلاق سراحهما من السجن، واستقباله لهما في مقره في وزارة الدفاع، بنيته بالمطالبة بالكويت قريباً. وتقديري، ان مثل هذا القول ــ أن صّح حدوثه ــ مستغرب من الزعيم ــ قاسم ــ في ذلك الوقت، بسبب انشغاله الكلي في الهّم الداخلي، جرّاء انقسام الحركة الوطنية العراقية، ودخولها في حرب معلنة بين أطرافها، هذا غير تعرّض النظام السياسي لأكثر من هزّة، كادت تقتلعه، لذلك، فأنا أستبعد مثل هذا القول. وما يؤكد مانقوله، عدم وجود أي تأكيد ممن زاملوا أو رافقوا الزعيم قاسم، سواءً من كتبوا مذكراتهم أو أدلوا بشهاداتهم المكتوبة أو الشفهية، لعدم توافقه والجو السياسي السائد آنذاك، وهموم وجهود ومطامح السلطة فيه. بل أننا نجد العكس منه، في مابذله العراق من جهد، وفي تلك الفترة تحديداً في مساعدة الكويت في الدخول في العديد من المنظمات العربية والدولية. كما كانت العلاقات بينهما، طبيعية من دون احتقانات ظاهرة، تعطل نمو هذه العلاقات، مما ينفي سعي النظام في العراق، آنذاك، وجود نيّات خفية لديه تجاه الكويت، برغم موضوع الاوبك. وتطالعنا شهادة متميّزة ترتّب أولويات جديدة، في هذا الموضوع، والتي تشير الي ان موضوع الكويت، كان محل اتفاق قائدي الثورة »قاسم وعارف« قبل تفجير الثورة في 14 تموز/يوليو 1958م، والتي تفوه بها الزعيم ــ عبد الكريم قاسم ــ في لقائه العاصف الذي سبق اعدامه في 9 شباط/فبراير 1963 حينما جري لومه، ازاء ماجرّته سياساته من فشل في معالجة موضوع الكويت، حيث جاء فيها،»بعد ذلك وقف عبد الكريم، وأخذ يتكلم عن نفسه والخدمات التي قدمها للشعب: اني خدمت الشعب وبنيت له المساكن.. الخ، ثم قال بانفعال موجهاً كلامه لعبد السلام عارف: الكويت، تم الاتفاق عليها قبل تنفيذ الثورة، الكويت عراقية ــ قالها ثلاث مرّات، ياسلام هذا هو الاتفاق..«. وشهادة كهذه »*«، وفي جو عاصف ومتوتر، تعزز الخطوة التي أقدم عليها الزعيم ــ قاسم ــ بالمطالبة بالكويت، مع حساب الزمن المناسب، والجو السياسي الاقليمي والدولي، بما يفعل ما اتفق عليه قبل تفجير الثورة عام 1958.
ففي 19 حزيران 1961، وقعت بريطانيا والكويت معاهدة انهاء الاحتلال التي نظّمتها معاهدة الحماية التي وقعها شيخ الكويت آنذاك ” مبارك الصباح ” مع المقيم البريطاني في الخليج العربي عام 1899، تمهيداً لاستقلال الكويت وقيام كيانها السيادي، تلك المعاهدة الأبدية التي عقدت بين بريطانيا، صاحبة الشأن الكبير آنذاك في قضايا المنطقة، وبين حاكم انفصالي طموح، كانت منزلقاً خطراً سبب غموضاً في العلاقة القائمة بين التبعية الرسمية للكويت، كأحد أجزاء ولاية البصرة، وبين الترتيب البريطاني الذي أدرك الميزات الاستراتيجية والتجارية لابقاء الكويت خارج السيطرة العراقية، خصوصاً ان رسائل ” مبارك الصباح ” للمقيم البريطاني في الخليج، لم تنقطع، وهي تحثه وتغريه علي المجيء للكويت لرؤية النفط المتدفق من خلال ” برقان “. ماحصل من وقائع جديدة، دفع الجو السياسي للمنطقة واللاعبين فيه، الي مواجهة، تعقدت فيها سبل الخروج علي الجميع، وكان المبادر فيها، العراق، حينما بعث الزعيم ــ قاسم ــ في العشرين من حزيران 1961، ببرقية الي شيخ الكويت، أشار فيها الي عائدية الكويت للعراق وعدم شرعية اتفاق عام 1899، وهذا نصها:
»»سيادة الأخ الجليل عبد الله السالم الصباح.. علمت بسرور، بأن الانكليز اعترفوا في يوم 19/6/1961، بالغاء الاتفاقية المزوّرة غير الشرعية وغير المعترف بها دولياً، والتي سمّوها اتفاقية 1899، بعد أن عقدوها بالباطل مع الشيخ مبارك الصباح قائممقام الكويت التابع لولاية البصرة، من دون علم أخوته في الكويت، ومن دون علم السلطات الشرعية في العراق آنذاك. وقد سبق للشيخ حمود، أن رفض التوقيع عليها أو تنفيذها، الأمر الذي إضطّر الانكليز الي تهيئة شهود الزور من عملائهم للتصديق علي توقيعها، وفعلاً فقد وقع البريطاني ويكهام هور، الرئيس في خدمة الطبابة الهندية مع العميل، الممثل البريطاني في البحرين، أغا محمد رحيم، بصفتهما شاهدين علي صحة توقيع شيخ الكويت الجليل. فالحمد لله الذي وحده ينقذ العالم من التبعية والاستعماريين ومن جريمة الكفر بحق العرب في كل مكان، وحذار من دسائس الانكليز المستعمرين ومكائدهم، لتفرقة الصفوف داخل الوطن، وبين الاشقاء، ليضمنوا بقاءهم من وراء الستار يتلاعبون بمصالح العرب والمسلمين وبقاء سيطرة الاستعمار وأعوانه علينا. ونؤكد لكم، بأننا سنبقي ونحن أخوانكم في الجمهورية العراقية الخالدة، لاتنطلي علينا خدعة الاستعمار، وسنظل نعمل بقوة وعزم لنصرة العرب والمسلمين، والنصر من عند الله. عبد الكريم قاسم««
ولأن البرقية، لم تحو أية كلمة تهنئة لشيخ الكويت، بل أنها حملت اشكالات سياسية معقّدة، مما أثار ريبته وخوفه. حيث يلاحظ في البرقية، ان الزعيم ــ قاسم ــ عدّ الكويت، احدي الوحدات الادارية التابعة للواء البصرة. الأمر الذي يعني أن ماوقع عليه في 19 حزيران/يونيو 1961، غير محل اعتراف من الجانب العراقي. هذا الأمر وهذه الاشكالية غير المطروقة، دفعت شيخ الكويت، الي استشارة السير “وليام لوس” المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، الذي طمأنه بقدرة المملكة المتحدة، علي ابداء المساعدة للكويت في حالة الحاجة اليها، علي وفق الفقرة »د« من وثيقة انهاء الاحتلال والموقعة بين الطرفين في 19 حزيران 1961، والتي تنصّ علي انه ” ليس هناك في هذه الاتفاقية ما يؤثر في استعداد حكومة صاحبة الجلالة لمساعدة حكومة الكويت، اذا ماطلبت هذه الاخيرة مثل هذه المساعدة”. لكن القضية أخذت منحي متصاعداً، بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده الزعيم ــ قاسم ــ في 25 حزيران/يونيو 1961، في مقره في وزارة الدفاع، والذي أعلن فيه “ان الجمهورية العراقية، قررت حماية الشعب العراقي في الكويت، والمطالبة بالأراضي التي يسيطر عليها الاستعمار بصورة تعسفية والتي تخص العراق بوصفها جزءً من لواء البصرة.. وسنصدر علي وفق ذلك مرسوماً نعيّن بموجبه شيخ الكويت، قائممقاماً للكويت، يكون مرتبطاً مع لواء البصرة… “. بعد أن أعلن الزعيم ــ قاسم ــ عائدية الكويت للعراق في مؤتمره الصحفي الذي عقده في 25 حزيران 1961، كان من الضروري ان ترافق ذلك الاعلان، خطوات ملموسة علي الأرض، سواءً بالجهد السياسي والدبلوماسي، أو بالجهد العسكري، الاّ أن كليهما لم يحدث. وفي هذا الجانب، فهناك غموض مفتعل لأدوار بعض الاشخاص في تلك اللحظات، وما نعنيه بالاشخاص، هما: الزعيم عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، والعميد ” حميد الحصونة ” قائد الفرقة الأولي، والمسؤولة ميدانياً عن قاطع العمليات العسكرية ــ ان حدثت ــ والتي تقع الكويت، ضمن رقعته الجغرافية.
قرار بالتنفيذ أم بالتلكؤ؟
تزعم بعض الأوساط المحبة والمؤيدة للزعيم ــ قاسم ــ انه كلّف العميد ــ الحصونة ــ تنفيذ احتلال الكويت، الا أنه تقاعس وتردّد، مما فوت الفرصة المناسبة قبل نزول القوات البريطانية. الاّ أن قراءة تواريخ الاحداث، تكذّب هذا الادعاء. فالزعيم ــ قاسم ــ أعلن العائدية في 21 حزيران 1961، برسالته الموجهة لشيخ الكويت، ثم أكدّ ذلك في مؤتمره الصحفي في الخامس والعشرين من الشهر ذاته، في حين أن نزول القوات البريطانية تم في 1 تموز 1961، أي بعد فترة تكفي للحشد والشروع في العمليات. فأين كانت القطعات الموكل لها التنفيذ طيلة تلك الفترة ؟ هذا أولاً: وثانيا: أن مؤرخ ثورة 14 تموز المرحوم العميد »خليل ابراهيم حسين« راجع المستندات الرسمية كافة والبرقيات المتبادلة في حينه، بشأن إدعاء التحرك، فلم يجد وثيقة واحدة تقول بذلك، والرجل كان أقرب الجميع وأوثقهم بأن يقول تلك الحقيقة. وقد سألته أكثر من مرّة، بشأن هذا الموضوع، فنفي نفياً قاطعاً صدور أمر عسكري من الزعيم ــ قاسم ــ باحتلال الكويت، بل أنه أكد ” ان عبد الكريم قاسم، لم يقم بأي عمل حاسم لتنفيذ ما أعلنه. يضاف الي ذلك ان بريطانيا حذّرت العراق عن طريق الملحق العسكري في لندن، العميد الركن ” عبد القادر فائق ” وعن طريق القائم بالأعمال “ناثر العمري” وبالنص: بلّغ زعيمك اذا حدث أي اعتداء علي الكويت، فان احداث 1941 يمكن تكرارها..”. وحينما استوضحته، بأن يكون التحذير البريطاني للعراق، قد منع الزعيم ــ قاسم ــ من التحرك، أجاب “كان بامكانه أن يسيطر علي الكويت بفوج واحد لاغير، كما ان القوات البريطانية، لم تنزل في الكويت الاّ في 1 تموز، وبرقيته التي أرسلها لشيخ الكويت كانت في 21 حزيران، والفترة الواقعة بينهما هي عشرة أيام. لذلك فأن ادعاءه غير صادق وأراد به كسب بعض الشعبية”، وثالثاً: فقد سألت الفريق الركن “فاروق الحريري” ضابط استخبارات الفرقة الأولي آنذاك، والمعنية بهذه الحركات، عن ذلك الإدعاء، فنفي صدور أمر عسكري بالسيطرة علي الكويت من المراجع العليا.ورابعاً: أن الوزير “اسماعيل العارف” يؤكد مثل هذا الأمر، حيث كان أحد المدعوين الي وليمة في بيت رئيس أركان الجيش في معسكر الرشيد، والمقامة لقادة الفرق العسكرية في 25 حزيران/يونيو 1961، والتي حضرها الزعيم ــ قاسم ــ الذي طلب بعد مجيئه، الانصات الي ماسيذاع بعد قليل من اذاعة بغداد. وقد: ” ناداني لأكون بالقرب منه.. وبعد فترة مناسبة، بدأ المذيع يتلو البيان.. وفيه أعلن عبد الكريم قاسم، تبعية الكويت للعراق وكونه قضاءً من محافظة البصرة، واستند فيه الي الوثائق التاريخية التي تؤكد ذلك، وأشار الي أن باستطاعتنا ان نحصل علي حقوقنا سلمياً، الاّ أن الاستعمار لايفيد معه السلم. ففوجئ الضباط الحاضرون بالبيان.. وبعد انتهاء الحفل عُدت معه الي وزارة الدفاع بسيارته، فسألني رأيي في البيان، فقلت له: كان ينبغي أن يسبق البيان أمران، أولهما: إجراء مباحثات مع أمراء الكويت واكتشاف ما وراء اعلان استقلال الكويت، وثانيهما: إنذار الجيش وإعداده لمجابهة عسكرية مع البريطانيين إذا اقتضي تنفيذه بالقوة. فأجاب قائلا: أنيّ اردت أولاً أن أثبت حق العراق تأريخياً، وأراد الانكليز بأساليبهم الملتوية، إحباط غايتنا في جمع الأخوان الذين فرّقهم الاستعمار في بيت الأسرة الواحدة. وسوف نحقق ذلك بالطرائق السلمية، أما اذا تعذّر التوصل الي الحل السلمي، فلدي خطط بديلة، واعلاننا هذا أول خطوة في سبيل الوحدة”. كما: أن العقيد “محسن الرفيعي” مدير الاستخبارات العسكرية، في حينه، أكد ذهول الجميع ومفاجأتهم بالأحداث حيث قال ” ان الزعيم عبد الكريم قاسم، أخفي الموضوع عن الجميع، مجلس الوزراء ومجلس السيادة. كما ان أجهزة الأمن والاستخبارات وجميع أجهزة الدولة، فوجئت وبوغتت بالموضوع، خاصة حينما طلب فتح المذياع والانصات اليه، لأمر مهم ــ وحينها كنت في دار اللواء ” أحمد صالح العبدي ” رئيس أركان الجيش، مع قادة الفرق ــ ويبدو لي، أنه لم يكن جاداً في تنفيذ طلبه في ضم الكويت الي العراق، لذلك لم يصدر لنا أمر العمل أو التهيؤ لتنفيذ أي عمل بهذا الخصوص، حتي بعد اعلانه ذلك الامر. ولا صحة لما روج بأن الزعيم قاسـم قد أصدر أمراً للعميد ــ حميد الحصونة ــ قائد الفرقة الأولي، باحتلال الكويت، لكن الأخير تلكأ في ذلك”. اضافة الي ذلك، ان هذه التصريحات، فاجأت وزير الخارجية ــ هاشم جواد ــ ودفعته للتفكير بتقديم استقالته، لكنه آثر البقاء علي مضض، والذي أظنه ان هذا ” المضض ” هو الوعد الذي استخلصه من الزعيم قاسم، بالابتعاد عن اللجوء الي القوة في حلّ هذه الأزمة. ازاء ذلك، يصبح الأمر المؤكد، في ضوء شهادة القريبين والمشاركين في الاحداث، أن لاصحة لما قيل أن هناك أمراً عسكرياً، قد صدر من الزعيم ــ قاسم ــ لاحتلال الكويت، وهو الأمر الذي طبّلت له كثيراً وسائل إعلام الجمهورية العربية المتحدة والأوساط المحبة والداعمة للزعيم عبد الكريم قاسم. ولذلك لم يتفق الاثنان علي قضية واحدة، لخلافاتهما المتشعبة، الا في هذه القضية، وهو أمر يثير الاستغراب. كل ما صدر، اعلان رسمي من قبل رئيس الوزراء بعائدية الكويت للعراق. وما يدعم هذا القول، ماذكره الدكتور “هادي سعيد السبّاك” الذي كان مسموحاً له بزيارة الزعيم قاسم في أي وقت، خصوصاً بعد اشرافه علي علاجه جراء اصابته في حادثة رأس القرية في شارع الرشيد في 7 تشرين الأول 1959، حيث يؤكد أن الزعيم، قد أراه في غرفته في وزارة الدفاع، اضبارة خاصة مكتوباً عليها، “الكويت” وطلب منه قراءتها وما تحتوي عليه، وهذا مافعله، حيث اطلع عليها. وأن الزعيم قاسم أخبره بالقول “اننا لم نقل شيئاً أكثر مما هو مكتوب ومذكور في هذه الوثائق”. وهذا مايؤكد لنا، أن أية أوامر عسكرية، لم تصدر ولأية وحدة عسكرية عراقية بتنفيذ احتلال الكويت. ماصدر هو مرافعة سياسية ودبلوماسية واعلامية وقانونية من قبل رئيس الوزراء العراقي في حينه، وهو ما دعا أحد سياسي العراق المعروفين، وقتذاك وهو الاستاذ ” حسين جميل ” أن يعلّق علي الاحداث بالقول ” قضية الكويت قضية عادلة تولاها محام فاشل وقد يكون التعليق رجع صدي للثقافة القانونية التي يملكها الاستاذ ــ حسين جميل .
/2/2012 Issue 4125 – Date 18- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4125 – التاريخ 18/2/2012
AZP07