عاشقة الليل

قصة قصيرة             (1)

 

عاشقة الليل

 

 

كان سامي يقود سيارته الأجرة الحديثة في شارع فلسطين عند الظهر ينوي العودة الى دارهم عندما وجد شابة في العشرين من العمر او اكثر قليلا وهي ترتدي عباءة سوداء وشال اسود وهي تبكي بغزارة.. واشارت له بالوقوف فوقف.. وطلبت منه ايصالها الى مقبرة الشيخ عمر.. فطلب منها الصعود.. فصعدت وانطلق بها صوب المقبرة.. وكان يشاهدها في المرأة التي امامه انها ما زالت تبكي فلم يسألها شيئا واحترم حزنها وبكاءها.. الا انه لاحظ مدى ما تمتع به من جمال رباني.. شقراء وحاجبها مقوس مما ترك مساحة كبيرة للعين لتكون واسعة جدا.. وكان بياض عينيها ابيضا ناصعا مما جعل العين حادة في سوادها.. اما الوجنتين فكانتا متوردتين اما الشفاه منها كأنها متشققة غليظة مما زادها ذلك اثارة لا نظير لها.. ولاسيما لها وجه مدور كأنه القمر..

 

وما ان تم الوصول الى المقبرة حتى طلبت منه انتظارها.. نزلت.. ودخلت المقبرة فما كان فيه الا ان يطفئ المحرك ويدخل وراءها الى المقبرة خوفا عليها ولاسيما وان الوقت كان عند الظهيرة فشاهدها تجلس عند قبر من القبور وهي تبكي بحرارة وتلطم الخدين.. فشفق عليها لما تفعله في روحها وتركها وعاد الى سيارته وبقي واقفا بانتظارها حتى عادت وهي اكثر هدوءا مما كانت عليه وكأنها قد افرغت كل ما عندها من احزان ودموع وما ان جلست في المقعد الخلفي للسيارة حتى سألها عن وجهتها فقالت بصوت عذب: لا ادري لا اريد ان اعود الى البيت الساعة وراحت تمسح وجهها بيدها وعادت تقول: بامكانك ان تلف بي ريثما استقر على رأي.. ولم يجبها بشيء واتجه صوب الاعظمية وما ان وصل كورنيش الاعظمية حتى قال لها: انا كنت ذاهبا الى البيت للغداء ما رأيك ان ننزل في مطعم صفوان للغداء وبعدها نرى اين نذهب.. فاجابته: على راحتك.. واوقف سيارته امام لمطعم ونزلت هي ايضا ودخلا الى المطعم.. وكان المطعم يغص بالرواد من الشباب العشاق المحبين.. وجلسا في مكان منزوي قليلا ولم يسألها شيئا او يحادثها بشيء وكان السائق في السادسة والعشرين من العمر شابا مهذبا مقبولا ومن ذلك النوع الجدي الذي لا يعرف ان يكون غير ذلك..

 

وطلبت الغداء وتناولا طعامها بصمت وكان هو ينظرها بين فترة واخرى ويرى ان السكينة قد دخلت قلبها وان جمالها قد ازداد جمالا والشيء الوحيد الغير قادر عليه ان تضع عينك في عيناها لشدة حدتها وحلاوتها.. ولما فرغوا من الطعام وهما يشربان العصائر سألها: قبر من قد زرتيه؟ فقالت: الوالد.. فقال: رحمة الله.. هل توفى حديثا؟ فقالت: لا من سنتين..

 

وسكت مفكرا في امرها.. وقال: لابد وانك مهمومة وهناك من اجار عليك فجئت الى الوالد تستمدي منه العزيمة.. او تشتكي حالك.. فقالت: وانما اشتكي حالي مما انا به من ظلم فقال: اعذريني.. ان دفعني الفضول فقالت: لا عليك انا بحاجة الى من اتحدث اليه لاخفض من آلامي..

 

فقال: حدثيني بقصتك علني اتمكن من مساعدتك وانارة الطريق امامك.

 

فقالت: توفيت والدتي ونحن ثلاثة اطفال ابنتين وولد واحد انا اكبرهما ومن بعدي الولد والصغيرة البنت الاخرى وكان والدي يضطر للغياب عن المنزل بحكم عمله (كسائق قطار) فاضطر للزواج بانسانة اخرى وايام امي الاربعين لم تنته بعد.. من اجل رعايتنا الا اننا معها لم نعرف طعما للراحة والامان وكانت تجور علينا وتجعلنا نقوم بكل اعمال البيت وكل ذلك لم يجعلها ترضى علينا فتقوم بضربنا واهانتها وكانت تعطينا من الطعام القليل.. وعندما يكون والدي موجودا تتغير في معاملتها لنا فتصبح تلك الام الحنونة المحبة وما ان يذهب والدي للعمل حتى تشد شعر رأسي اذا نسيت شيئا او ابطأت بعمل.. وبعد حين اخذت تعتني بي على غير عادتها واصبحت تثني على جمالي وتقول لي باني اصبحت امرأة وزهرة متفتحة وكانت بنفسها تقوم بتعديل شعري وتقليم اظافري وتمسح بيدها على جسدي وتقول بانني استحقيت الزواج وذات يوم زارنا شابا قالت انه ابن اختها وطلبت مني ان اقدم له الشاي ففعلت وطلبت مني الجلوس وفهمت انها تريد تزويجي من ذلك الشاب وكان يعمل ميكانيكيا للسيارات ولم يكن شكله او مظهره مقبولا وعند خروجه قلت لها انني لا اريد الزواج من احد فما كان منها الا ان تضربني بالقدح الذي كان بيدها.. وبعد ايام اخذتني معها الى السوق واشترت لي الكثير من ملابس النوم وبعض الملابس الاخرى كما اشترت هي ملابس للنوم والكثير من العطور والمكياج.. واثناء الطريق كانت تحدثني بان اخوها سيزورنا ويبات ليلته معنا، حيث انها قد دعوته على العشاء.. ولا اخفيك سرا خفت على نفسي منها وكنت اتصور ان اخاها سيأتي من اجلي ولكن اتضح لي انه جاء من اجلها ولما شاهدته وجدت انه لا يشبهها في شيء ومن خلال احاديثه معها اصبح عندي يقينا انه ليس كما تدعي.. وطلبت مني ان اذهب للنوم مع اخوتي.. وكنت قد لاحظت انها ترتدي ملابس النوم التي اشترتها وقد لبست روبا حتى تغطي ما ترتديه ولم انم ليلتي.. وبقيت اسمع ضحكاتهم وهمساتهم.. التي امتدت حتى الصباح.. وعند الفجر سمعت ان الباب الخارجي للبيت قد فتح واغلق وعرفت انه غادرنا.. وعندما اعددت الفطور ودخلت عليها لايقاضها وجدت بطلا من الشراب وقدحين.. وعرفت انها كانت تشرب معه.. وما ان استيقظت حتى بدأت متصدعة وتشكو الما في رأسها.. وطلبت مني ان اجلس الى جوارها ففعلت وطلبت مني ان لا اخبر والدي بزيارة شقيقها المزعوم لنا لأن والدي على خلاف معه..

 

ولقد بكيت كثيرا من اجل والدي الذي يشقى واخيرا هذه المرأة تسيء الى سمعته واسمه.. وعاد والدي من العمل مريضا وكنت اريد ان اطلعه على الأمر.. الا اني رثيت لحاله وسرعان ما تدهورت صحته.. وقد وافاه الاجل في تلك الايام.. واصبحنا تحت رحمتها وليس هناك من يوقفها عند حدها.. ثم اصبحت تستقبل في بيتها ذلك الذي ادعت انه شقيقها واصبح يلازمنا ايام وليالي وبات واضحا كل شيء وانكشف الأمر ولم تحاول ان تقول شيئا وكانت تغيب عن البيت كثيرا.. بعد ان تطلب منا التنظيف وغسل الملابس.. ثم اخذت تحاول اغرائي بشتى الوسائل حتى استقبل معها ممن يزورها.. وذات ليلة اجبرتني على ارتداء ملابس النوم وتركتني في غرفتها وسرعان ما دخل علي شخص حاول الاعتداء علي الا اني قاومته مقاومة شديدة وخلصت نفسي منه وكان عقابي على ذلك ان حبستني يومين في الحمام من دون طعام..

 

ولما وجدت لا فائدة مني استعملت اسلوب الاقناع معي.. وكانت المغريات كثيرة الا ان هناك شيئا بداخلي كان يمنعني من ذلك وكنت ادعو الله ان يحفظني اكراما لابي المسكين..

 

 

محمد عباس اللامي – بغداد

 

مشاركة