ظواهر إجتماعية

ظواهر إجتماعية

التعصّب

بعد ان ساد التعصب واتسعت مديات اعتناقة لدى العامة لينسحب الى اصحاب التحصيل العلمي واغلب  المثقفين  فنجده يحمل سمات التعصب كخلايا نائمة تستوطن كيانه الذهني في اغلب الاحيان بحيث لا تجد صعوبة كبيرة في ايقاظها او استثارتها

وعند الاطلاع على مجريات التعصب كسلوك ودراسته ضمن المنهج النفسي-الاجتماعي نجد هناك عوامل واسباب تدفع بهذا الاتجاه المغاير للسلوك المثالي والانساني القويم فغالبا ما تكون هناك انزياحات نفسية-اجتماعية-ثقافية يتبناها الفرد لاشعوريا او شعوريا ضمن منظومة مناخية بيئية تحمل صفات التعصب وتدين بة.

وظاهرة التعصب ظاهرة ضاربة في القدم وممتدة الى هذة اللحظة وقد ارتبطت بها مفاهيم عديدة عبر مسارها التاريخي كالتمييز العنصري والديني والطائفي والجنسي ومامحارق الحروب والصراعات الدامية الا وكانت تلك الاسباب احداهما او مجتمعة سببا مباشرا في ايقادها ولم تزل هذة الظاهرة تتشعب وتتناسل باستمرار في عصرنا الحالي وتشكل افة انسانية مدمرة للشعوب وللتواصل الاجتماعي .

وضع علماء النفس والاجتماع تعاريفا عدة للتعصب استنتجت من خلال الصراعات التعصبية ولانعدوا الصواب حينما نجد ان كلا هذة التعريفات لا تذهب بعيدا عن كون ان التعصب هو اتجاه نفسي مشحون انفعاليا وليس بالضرورة ان يكون مبدئيا او لقضية جادة بل هو وسيلة(دفاعية) للشعور بالنقص والتداعي في اغلب الاحيان.

فالاحباط يؤدي دورا كبيرا ووظيفة نفسية في التعصب تتلخص بالتنفيس عما يتفاعل في النفس من توتر وكراهية واحباط مكبوت تجاه المجتمع والمحيطين به عن طريق وسيلة دفاعية-كما اسلفنا- هي الازاحة او الابدال.

وهناك تفاسير اخرى لظاهرة التعصب مردها الى النظرية البيئية والتي افرزت التمييز العنصري وخلقت ظروفا اجتماعية وخصائص فردية تدعم اتجاهات التعصب وتعززها ,فالبيئة الفقيرة تعزز مشاعر التعصب المتبادل والامتياز الطبقي والمناطقي يعزز الظاهرة ضمن اطاره (التغالبي) بوضوح تام حيث تظهر الفئات المتصارعة ببذل قصارى جهدها لزيادة فرص تحقيق مكاسب على حساب الاخرى واستغلال الظروف المؤاتية .

وقد تكون اتجاهات وانزياحات التعصب من الامور الاكتسابية او التلقينية التي يتم تعلمها من محيط التنشئة الاولى وتوجه من قبله ,ولكون ان الاستعداد للتعصب كامن في كل نفس سواء اكان دينيا ام طبقيا ام عشائريا ام عرقيا وذلك يمكن استثارتة في ايه لحظة او غرسه في اي تربة تتوفر فيها ظروف الانبات الملائمة.

وكدراسة للظاهرة من المنظار الفردي -الذي يقود لا محاله الى المجموع- نجد ان اسباب التعصب ملخصة ومنحصرة ضمن معالم سايكولوجيه اهمها تضخم الذات وتفرعنها فبعض المجتمعات المتمثلة بالافراد او الاشخاص او ذات الدولة كما قال فرعون (ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد) فهذة الذوات تقطع السبيل الى التحاور والفهم ووضع الحلول الوسطية خالقة بذلك تعصبا مواجها على الجادة الاخرى سرعان مايرفض ويتبلور ويتأدلج ومن ثم يتحول الى عقيدة لا يمكن زوالها او اختزالها .

وكذلك هناك عاملا اخر هو الجهل بمبادئ الاشياء وعدم معرفة حقيقتها فهو جهل معرفي مفادة الانغلاق وضيق الافق يمر عبر منظومات للتخلف ومحدودية الاستيعاب والفهم ليصبح اداة لالتقاط الاشارات لا تفسيرها ليعبأ فكريا بهذا الاتجاة او ذاك.

ويأتي التعصب -في اغلب الاحيان- في صورة التعبير عن العدوان ,فالفرد الذي يعيش تحت ظروف الفقر والحاجة الاقتصادية الماسة يتيح مبررا بأن له حقا عند الاغنياء او الدولة فيحلل الانخراط في النهب والتعدي على الاخرين بدعوى التحرر من الفقر واشباع رغباتة وهذا ما حدث بعد السقوط وما يحدث الان من سرقة المال العام والرشوة والعقود الفاسدة .

ومايشيع عن التعصب من صفات يتناقلها افراد المجتمع هي النظرة العنصرية والتمييز الدوني بين فئات المجتمع بان يشيع عن منطقة او محافظة او جهة معينة بصفات يتناقلها افراد المجتمع منها مايثير النفور والاشمئزاز والغضب والازدراء لهذة المدن وهذا ما نراه شائعا في مجتمعنا العراقي حيث يقسم المجتمع طبوغرافيا للتتوزع عليه بعض الصفات والسلوكيات والعادات و(المثالب) في اغلب الاحيان من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه حتى ليصل في بعض الاحيان الى الناحية او القضاء او العشيرة لتمتد الى الفروع والبيوتات.

وهذة ليست مقتصرة على المجتمع العربي او العراقي وحسب بل حتى نجدة في الولايات المتحدة الامريكية عندما يشيع عن الزنوج اتصافهم بالبلادة والانحلال الخلقي ..الخ مما يدفع بالرجل الابيض مواصلة استغلالة واستمرارة باستبعاد الزنجي او استخدامة .

وكذلك اولئك اصحاب النفوذ والسلطة لم يجدوا حرجا من استغلال الفقراء والمعدمين واستخدامهم في العمل والخدمة في مرافق  الاعمال المتدنية والمختلفة .

كل هذة الاسباب مجتمعة وهناك – ربما الكثير غيرها – ولدت تخندقا وتوجسا من الاخر المتسلط وذوي النفوذ والجاه فخلقت هذة الاسباب مواطنا منقادا مستخذيا يرى اعمال اؤلئك المتنفذين خوارق لا يمكن الاتيان بمثلها او مجاراتها بأي شكل من الاشكال تاركه في نفسه لواعج التحاسد والانصياع ومولدة تعصبا اجتماعيا طبقيا عرقيا يحمل مبـــــــــــــــررات وجـــــــــــوده على الارض .

نجم عبد خليفة   – بغداد

مشاركة