ظبية البان بالكاظمية

ظبية البان بالكاظمية
عوّاد ناصر
أخبار الكاظمية، اليوم، لا تسر محبي المدينة التاريخية، المقدسة، الجميلة، ولنا فيها ذكريات وأيام بطعم خاص، وأهلوها أهل أدب وعلم وحضارة ومواقف، منذ القدم، وحتى اليوم.
لست في موضع من يؤرخ للمدينة فتاريخها معلوم لمن علم ومعلوم لمن جهل في البحث والتقصي.
الشريفان الرضي والمرتضى يطوفان في أزقة المدينة روحين من رقة وعلم وسماحة، فالرضي، وهو الأشهر، أشعر الهاشميين، وله ديوان رقيق لغة وشعوراً وبناء بقياس الكلاسيك الجيد، وقيل عنه ثمة شاعر مكثر رديء وآخر مقل جيد والرضي مكثر وجيد.
سياسيو بغداد وحراسها الأمنيون أشاعوا مضطرباً في كاظمية اليوم بمنع السافرات من دخول المدينة، فاشتكى التجار وأرباب السوق من تأثر أعمالهم وأموالهم بهذا القرار، بل أن بعض الأهالي قاوموا.. إنهم يريدون حجاب طالبان يمتد إلى إلى شوارع المدينة كلها، بل خارجها حتى النجف وكربلاء وبقية مدن العراق.
الشريف الرضي ذو الحسبين حفيد علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب.
وله شعر غزل، جزل، رقيق منه
وآخر مال كالنشوان مالت» بهامته شآبيب الطلا والطلا هي الخمر.
وقال في تفضيل النساء على الرجال
ولا قضبُ الرجال الصيد فضلاً» عن الأصوات في حلي النساءِ .
أخوه المرتضى كان مشغوفا بالعلم منصرفا إليه بين دراسة وتدريس، محبا لتلامذته وملازميه وقد اتخذ من داره الواسعة مدرسة عظيمة تضم طلاب الفقه والكلام والتفسير واللغة والشعر والعلوم كالفلك والحساب وغيره، حتى سميت دار العلم، وكان له فيها مجلس للمناظرات.
الملفت للنظر حسب ما روى المحققون أن مدرسته كانت جامعة إنسانية، اجتمع فيها كثير من طلاب العلم من مختلف المذاهب والملل دون تفريق بين ملة وملة ومذهب ومذهب. وهذا يدل على رحابة صدره وسعة أفقه وعمق نظرته الإنسانية وترفعه عن العصبية والطائفية والمذهبية التي كان يعتبرها نابعة من الجهل وضيق الأفق. كما أنه شغف بجمع الكتب وولع باقتنائها، ويكفي ما ذكر أن خزانته ضمت ثمانين ألف مجلد من مصنفاته ومحفوظاته ومقروءاته على ما حصره وأحصاه صديقه وتلميذه أبو القاسم التنوخي.
يطوف الأخوان، الرضي والمرتضى، في مدينة جديهما موسى بن جعفر ومحمد الباقر، فيصيخان السمع إلى عذراوات الكاظمية وثكالاها وعوانسها ويستغفران ربهما على مصير ظبية البيان التي لم تجد مرعى ولا خمائل، و الظبية اليوم ممنوعة من دخول المدينة إلا بزي يسلبها حريتها وخيارها الشخصي، بأمر من حكامها الظلاميين.
قال الرضي في الظبية التي غناها حسين نعمة
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ» لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ» وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ» بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ» عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم» مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ» يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ» يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا » بما طوى عنك من أسماء قتلاك
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ» فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها »لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
سقى منى وليالي الخيف ما شربت »مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ.
سلاماً مدينة الثقافة والشعر والموقف.
سلاماً أيها الشريفان المبدعان.
/9/2012 Issue 4295 – Date 4 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4295 التاريخ 4»9»2012
AZP09

مشاركة