نهر السين وصحون القيمر 2-2
طقوس التعويذة الثالثة – نصوص – نعيم عبد مهلهل
قالت دومنيكان : واصل جريك وهمسك ، ودع الازمنة كلها تشاركك الرقص على صدري.
أعود الى صدرها ، وتشاركني همستها فأعيد في بهجة الغرام القديم ــ الجديد صوت انشودتي الازلية : الكرز لا ينمو في الجنوب السومري ولكني كلما أراه في فيلم أو صورة أتذكر شفتي أمي ولا ادري لماذا ..؟
اليوم شاهدت في التلفاز أطفالا في سان باولو يترامون بحبات الكرز ليلة الميلاد ..
الغريب أني سمعت صوت أمي في أعماقي تنادي الأطفال : أعطوني واحدة فأنا جائعة ….
تسقط دمعة برجيت ، تسقط دموعي على رخام نهديها ، تقترب اكثر وتقول اشرب قطرات المطر فأنت ظامئ الآن .
أرد :انا عطشان منذ أزمنة أور ومنذ ان كسرت معاول المنقبين سهوا دمى الالهة وارائك الملوك والالواح التي تحمل مقاطع طويلة من نحيب امي ومراثيها يوم تشتعل جبهة بحيرة الاسماك ويمنعون منح الاجازات للجنود.
تهمس : أمك دائما ، لا تجعلني أغار منها ، فأين ابيك.
أرد : أبي يبيع القمح وهذا مرتبط بمقولة يسوع ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ) .
أبي لم يعرف هذه العبارة بحياته ، لكنه كان يجسدها وحين نطلب مزيدا من الخبز .
فيرد ليس كله لكم ..الباقي منه أوفره لأمراضكم ودفاتر المدرسة ودشاديش العيد ، فننام بنصف جوع ، ولكن حتى في هذا النصف ..نصنع من القمر امرأة وننام معها بمتعة حتى الصباح …برجيت العين التي تجمع يسوع بالدموع والشموع. هي ذات العين التي أرى فيها اجفان اصدقائي الشهداء في تلك الحروب حين يرتعبون من رؤية شظية تسير بمحاذاة الرصيف وهم نائمون في نعوشهم. تذرف دموعها ولاتسكت ، ثم تنتبه الى نفسها وتقول :انا هنا لطقس غرام وليس لطقس مأتم ، بحق يسوع ،انسى ولو لساعة كل ما كان وكن مثل هاملت مع ما يكون .هنا انا افترشه كله لك ، كن مثل خياط ماهر وفصل عليه اجمل الثياب ،فما كنت ارتديه مزقته من اجلك انت.
وهاهي ابرك تغرس حنينها وشهيتها وحاجتها لتعرف الفرق بين الخبز الشعير الاسمر في تلك التنانير البعيدة على ضفاف ذلك الغبش البارد في جنوب اهوارك وبين الخبز الفرنسي (الكرسون ) المدهون بشهد فطائر الجسد الفرنسي الابيض مثل صحن القيمر. تضحك وتتذكر حين شرحت لها كلمة قيمر ،همست لك :جسدي مثل القيمر لكن فيمرك هناك تنتجه الجواميس وقيمري انا تنتجه شفتي.تبتهج من شهية كلماتها التي تمتلك تأثير الفياغرا ، فتنهض فيك رجولتك ، فتهمس :نعم كن مارثون شوقي اليك وانت تجري في كل اوردة جسدي .انا قيمرك وبائعة اللبن الذين سيسقيك بشهيته .
أنا باردو ورامبو ونحيب انك ودموع شهدائك .انا صحن القيمر فتذوق منه كل ما تشتهي يا حبيبي.
ومع ذلك الطقس الراقص على بلاط من رخام وشحم شهي تأتيك مرة اخرى ازمنتك التي هناك ، وتعود في الرؤية تلك الصور التي تحمل بهجة زمن التمني الذي تنال منه الان شيئا مما كان يسكن غفوتك على الوسادة التي بللها دمع الافلام الهندية وتعود الى بائعات نظرات الصباح ، بائعات اللبن ولا تدري أي كتاب قراءة وفي أي مرحلة دراسية موجودة القصة التي عنوانها ( بائعة اللبن ) التي تحمل قدورها على رأسها وهي ذاهبة الى السوق لتبيع بضاعتها ، وفي الطريق بين ضرع الجاموسة والمكان الذي تجلس فيه بناصية بسوق المدينة تضرب ارباع في اخماس في حلمها يوم تبيع بضاعتها كلها وتشتري كذا وكذا ، وفي غمرة حلم مشيتها الحالمة ببيع كل بضاعتها وماذا تفعل بالفلوس تتعثر بحجر وتسقط على الارض وتنكبْ بضاعتها وتخسر كل شيء ولم يبق لديها سوى حلم لم يتحقق وما ستتلاقاه من الأب أو الزوج من تعنيف وربما صفعات و ( دونكيات).
هذه القصة هي من بعض فصول حكايات الزمن الجميل أيام كنت اراقب نساء قريتنا وهن يحملن قدور اللبن والقيمر وهن ذاهبات ليصعدن المشاحيف ويذهبن الى مدينة الجبايش ليبعن بضاعتهن ويعدن محملات بالشاي والبهارات ومعاضد اليد الملونة والسكر ، وطالما تمنيت أن اسألهن أن يكن يملكن احلام وامنيات تسكن رؤوسهن في المسافة بين البيت والشريعة التي يقف عليها القارب وهن يحملن فيها الاواني . لكن الوضع الاجتماعي لا يسمح لنا بالاقتراب الى النساء وسؤالهن ، ومرات عندما يصل التلاميذ الى هذه القصة في فترة المنهج يمتلئون بالضحك وهم يتخيلون امهاتهم واخواتهم وهن يمرن بمثل هذه الحالة ومرات يجيء أحدهم وأول الدرس يخبر احد التلاميذ مرشد الصف أن أمه أو أخته تعرضت لمثل ذلك الحادث الذي تعرضت له بائعة اللبن في كتاب القراءة.وفي العادة تعود هكذا نساء باكيات على الحظ العاثر الذي وضع الحجر في طريقهن واسقطهن ليتحولن الى قطعة بيضاء من اللبن والقيمر حد الذي تمنى فيه معلم الفنية أن يرسم واحدة من بنات المعدان وقد تعرضت الى مثل هذه العثرة ليبدو كما يقول جسدها الابيض مبلالا بأمطار اللبن والقيمر صورة حقيقية تعكس جمال المكان.
ذات يوم صيفي كنت ازور العاصمة الايطالية عندما دعاني احد الاصدقاء لزيارات احدى الكاليرات التي يملكها عراقي يسكن روما من ثلاثين عاما ، وحين كنت اتفرج على اللوحات تفاجأت بلوحة بائعة اللبن تلك التي كانت مرسومة في كتاب القراءة المدرسية ، ذاته ما تخيله معلم الرسم لقد كان جسدها وعباءتها مغطاة باللبن وهي تتحسس ألم قدميها مع لمعان حجولها الفضة فيما تناثرت القدور حولها .استعدت ذلك المنظر الجميل وهواجس لحظة حمل نساء قريتنا بضاعتهن وهن ذاهبات الى المدينة . تذكرت فرح الاطفال يوم يكتشفون أن واحدة تعثرت مع قدورها فقط لينالوا من المعلم ابتسامة واصغاء ليقصوا له الواقعة.احلام الامس جعلتني وبإحساس ما افتش عن توقيع الرسام اسفل اللوحة .
توقيع اسم
المفاجأة أن اللوحة حملت توقيع أسم اكاد اعرفه واتذكره ، وربما هو ذات المعلم الذي تمنى رسم لحظة عثرة الحجر والذي اختار المنفى قبل هجرتي.
اخذت رقم تلفونه من صاحب قاعة الرسم ، ومع اول نبرة صوته عرفته انه فعلا معلم الرسم في مدرستنا .
وقتها اكتشفت أنَ اللحظة الاكثر سعادة في البلاد البعيدة أن يجمعكَ مع من نتفقده ونشتاق لمعرفة أخباره ماعون قيمر وقدر لبن مسكوب على الأرض..!
تهمس : انتهيت مع بائعتك .
قلت نعم .
قالت :انظر الى صدري ،لوحتها معلقة عليه . شرط ان لا تتركني وتذهب في صفنة استذكارك الطويل ، فأنت الليلة لي وليس لبائعات اللبن والقيمر ، أنا صحنك اللذيذ ، صحنك الطائر الذي تتذوق منه تلك اللحظة التي كنت تتمناها مع ممثلة غلاف المجلة أو تلك المرأة التي خبتها في ملجأك لتمارس معها الشوق وتترك افواج الجنود تصول وتفقد من اصدقاؤك الكثير وانت تتوسدها بعريك وزلا تدري ما الذي يحدث خارج ملجئك. أنا صحن قيمرك فتذوق .
أرد :انت شهية ليل ، كيف لي مع امرأة اعرفها منذ نهارين واجعلها صحن قيمري الطائر ، لن اجاملك واقول لك :انت الصحن وقيمره .
اعرف اني لست هو ولكني اريد أن اكون هو.ومع اصرارها وحركتها المتموجة في فن اغواء الرجل مع المرأة المجربة ،تعيد الى ذاكرتك شهية التذكر تلك التي غرسها عطر الالهة في رؤوس ابناء أور واينما يكونوا فأنهم سرعان ما يعودون الى ذكرياتهم .
لتتذكر خبر نزول الصحون الطائرة من كواكب بعيدة يعتقد أنها تحمل بشرا يعيشون في كواكب غير كوكب الأرض ، وكان اغلب هذه الأخبار تنقل اخباراً عن نزولها في مناطق بأمريكا وروسيا ، وقتها كان الهاجس جديد علينا بالرغم أن معلم التأريخ قال : أن هذه الصحون ليست سوى فبركة في معادلة القط والفأر بين امريكا والاتحاد السوفيتي واعلام الحرب الباردة ، ولو كان حقا هناك صحون طائرة لنزلت أولاً هنا في الاهوار على اساس أن بعض النظريات تقول أن السومريين وهم من سكنت اهوار وضفافها والذين بنوا حضارتهم العظيمة بأنهم ربما اقوام أتت من كوكب في المنظومة الارضية وهو كوكب المريخ وسكنت هنا وبنت حضارة يعتقد علماء الاثار ان مستوى تفكيرها العقلي والذهني والعلمي ليس بمستوى التفكير الحضاري في ذلك الوقت ، فلو كانت هناك صحون وعليها بشر لجاءوا يزورون أجدادهم وليس ليذهبوا الى اناس لا يعرفونهم في امريكا وروسيا.
الصور المتخيلة والتي يزعم بعض البشر أنهم شاهدوها تقارب تماما في الشبه مواعين الفافون التي يضعون فيها القيمر أو الذي تأخذه النساء الى المدينة لتبيعه .
ظلت دورة ( الصحن الفضائي ) وصحن قيمر المعدان يلفان على أوراقي شيئا من حنين الذكريات وتلك الاماني التي تسكن معلم طيب في مدرستنا حين يجيء لنا شغاتي بصحن القيمر فيتأمله ويناجيه كمن يناجي حبيبته ويقول : يا صحن القيمر ليتكَ صحن آتٍ من المريخ ، لتحملي حتى ارى باريس.
نضحك ويقول احدنا من الذين يعشقون باريس ايضا ويقول : نصل ولكن عندما يزرعوا البطيخ على المريخ.!
وحتى اليوم لم يستطع الانسان أن يزرع وردة على سطح أي كوكب من كواكب مجموعتنا الشمسية ، لكن هذا المعلم بعد أن يأس من تحول صحون القيمر الى صحون طائرة وانها سوف لن تنقله الى العاصمة الفرنسية ، خدعنا بطيب نية وعمل سلفه وكان الاول في استلامها وسافر بثمنها الى باريس ولم يَعُد بعد ذلك.
ولكنه وبعد سنوات حرص على ارسال المبلغ كاملا ليعاد توزيعه على المساهمين في السلفة.
بين صحن القيمر والصحن الطائر دورة حنين لخيالنا يوم بدأنا نشعر بأن الكتابة هنا في عزلة الماء والقصب تمنحنا القدرة على صنع رواق طويل لممشى كلماتنا حد الذي جعلنا نشعر أن المتصوفة كانوا قبل روائي الخيال العلمي في تهيئة صورة الشيء الذي يركبوه ليصلوا الى الامكنة الابعد للقاء من يعتقدون انه يصنع دهشته في المكان البعيد من السماء، ولكنهم جعلوا جببهم صحونا طائرة تذهب الى تلك الأمكنة السماوية ليصيروا سفراء الأرض الى الكواكب الاخرى قبل أن تنتظر الأرض سفراء الكواكب الأخرى.
اليوم قلَ الحديث عن هذه الصحون الطائرة ، وربما اصبحت قناعة ذلك المعلم الذي حولَ دنانير السلفة الى صحن طائر وسافر بها الى باريس ، تكون راسخة إذ لا صحون طائرة اتية من عطارد أو زحل أو المريخ أو درب التبانة ، وأن احلام صحون القيمر وحدها من توصلنا الى ما نريد ولولاها لما كان هو الآن يعيد حفظ قصيدة غيوم ابولينير ( السين يمرُ من تحت جسر ميرابو ).!
قالت : لا تبحث عن صديقك عندما تجدني ، واتمنى ان لا تأخذ بنصيحة الهة أور وهي تقول :اجمل ايامنا الجديدة في ذكريات ايامها القديمة ، ولا تصدق بخرافة الصحون الطائرة وصحون القيمر ،غلن تنلها الآن مهما مددت لسانك حتى لو بالأف الاذرع ولكن ملمترا واحدا يكفيك الان للتذوق القيمر فوق صدري.أبولونير قال قصيدته الى موج يجري تحت جسر ميرابو ، أما انا فأجري تحت ظلال شفتيك ،اهرب الى كل اعضاءك ، اشمها كلها لأعرف ان التراب عطر ، والشظية عطر ، وغرام الالهة معك يجعل باريس كلها في مهب الريح.
اضحك وانا اجد امرأة مجنونة تضع مقارنة غير عادلة بين فخذي النحيفين وبين مدينة صنعت المجد من خلال اجمل هواجس الحلم على مر العصور.
قالت :هذا ما اعتقد الآن وانت لست ادرى مني بباريس.
قلت :وانت لست ادرى مني بصحون القيمر .
ضحكت وقالت وهي تطوي لسانها على لساني :وانت لست ادرى مني بالصحون الطائرة.
ليلة تشبه طقس زرادشتي في شهوة النار والحياة ، تستطيع فيه أن تمارس طقوس اليوغا على وسائد اللحم الطري للفاتنة دومنيكان وتستطيع معه استعادة كل ذكرياتك وكأنك تعيش تلك اللحظة السحرية في وصف صديقك الذي يجلس على ( كماميزه ) قرب ضفاف السين ،ينتظر من جسر ميرابو ان يومئ لأجفان البنات كي تلجأ الى عشه بعد ان لجأ هو الى باريس هروبا من لسع البعوض ورياح الشرجي زيارات مفوضي الامن المتكررة الى القرية لتجدد سجل معلومات المعلمين.
ليل وامرأة وذكريات تمنحك فيه دومنيكان ما لم تمنحه أي واحدة بدءاً من دمى الطين وانتهاء بموسيقى هذا السرير الدافئ الذي انساك ترديدك الببغاوي خلف سائق التاكسي مقاطع من قصيدة الشاعر الذي يريدها ان تتلى من فم أي زائر يجيء الى شارلفيل .
والآن تجيء هي بطقسه الحاص لتهمس لك .ردد ورائي عشر مرات ، قدري انت .دغ النافذة مشرعة لأدخل عطرا في اول خطوة وفي الخطوة الثانية ادخل جسدا.
ودخلت ، تقلبت معها ، شممتها ، ذهبت معها الى ابعد ما فيها وذهبت معك الى اقرب مافيك ، وفي النهاية آدم همس لحواء : اقتنعت الآن بأن الارض جنة ثانية .
ارائك الملوك
وها انت تقديرا لهذا البهاء تكتب على خاصرتها مديح يشبه تلك المدائح التي يكتبها الشعراء هلى ارائك الملوك ،ولكنك الآن تكتبها لمرأة عرفت ان تعلمك ان الغزو ليس حكرا على التتر والبرابرة ودبابات البانزر وبساطيل جنود المارينز ، بل ان النساء الساحرات لهم غزوا يكتسح كل عاطفة قديمة ويعيد بلحظة صدى الذكريات كلها من صحون بائعات القيمر الى لحظات الوداع التي ظلت امك تشم بصدرك لليلة كاملة قبل ان يبدا فجرك المهاجر الى المدن الغريبة.
فهاهو القلب يفترش نبضه سجادة لمن دمعته تحمل معنى غرام إنسانيتنا ونحن نفتش عن وردة الرعشة في عيون أمهاتنا ..!
القلب الذي يجلب رائية الشوق لعيون المجنونة برجيت دومنيكان ليفتش في عقله عن أنثى تلغي حركة السحب وتصنع للأنهار عطشا من حلم الموج برقص النخل على ضفتيه وغزل الأشرعة في ضلعيه وليشرب من هاجس الأغنية حكاية الصياد.!
ومثل التي تشتهي طقس المودة بعد كل استحمام تحت الدوش المعطر بالشانيل وماء الورد تهمسه أجعل مدائح شهيتك الي فصولا من ذكرياتك .لقد اغرمت بها لأنها انت ، واغرمت بك لانك هي .
فيتذكر بيته الطيني وأطفاله وأرغفة الاشتراكية ودفاتر تعليم الفقر وأمنيات أفلاطون بجمهورية ليس فيها نعاس اثنين .
بل الحضن يتوثب إلى حضنه ليعرف لذة المعرفة في حروب القبلة والصلاة والاجتهاد في خلق لحظة الفتنة بنرجسيتها التي تشبه الفلفل الأحمر ،فيكون لنسمتك جهاد وتوحيد وحروف مبتدأ في رسالة حب…
جنتكِ سلام العصافير بأعشاشها الوطنية .خيط الضوء في ثوب سماء رقتك المرحة ، شياء مشبعة بترف القبلة وهي تشرب من آنية الرحيق انتصارها..!
قيصر هناك وروما تبكي من أجله وعدته الملوكية لم تعد صالحة لصنع جغرافيا بدلته المرقطة
لقد قتله الحب وسكين صديقه العالم كله يعيش بخاصرة واحدة وأضلاع أمي من تجعلها شهية.
ترد دومنيكان : وأنا شهية أيضا ، أجعلني ضلعا في خاصرة امك فأكون وفية لك ولها .
فترد : عنقود العنب حين يسيل عصيره وهو في شجرته لا يتمنى سوى فم لعاشقة تنتظره.!
تقول : هذا يعني أنك تمتلك اخرى غيري هناك.
ارد :وهل تعتقدين ان الذي فعل كل طقوس اليوغا الشهية على ارائك جسدك ، اتى اليك دون ان تكون هناك امرأة في حياته .؟
ترد : طبعا ،من يفعل هذا اشعر ان له غراما ساحرا مع الف امرأة.!\
قلت : نعم الف ، ولكن كلهن دمى طين وواحدة فقط هي انثى ساحرة.
قالت :من بائعات صحون القيمر ؟
ــ جارتنا في الشارع الذي ولدت فيه.
ــ اتمنى ان اسيطر على كل جواسك واجعل غرام جارتك ذكرى.
اتذكر تلك الفتنة القديمة فأفسرها في خيال مدائحي اليها :
الجهة الروحية في قلب الإنسان ليس نبض قلبه .أنها دمعة عينيه ، أمي اكتشفت هذا فمنحها الإغريق هواية صيد الآلهة في أعماق البحر ..
عند عطرك المميز ، النهار واللؤلؤ وسحابة من نعاس طيفك السندس الروح ترتدي ما تود من السيمفونيات وسحورك بصحبة ملائكة الفجر. العالم كان ينتظر النهار من شمسك الرائقة أنت يا جغرافية الندى المنعش في فؤاد الدمعة ، أنت أيتها الأقحوانة المنضوية تحت راية عاطفة جنود حربك الشهية ، أنت يا أجنحة الضوء في الجسد المنعش. أبدا الروح في خيالك الخصب نعاسا لمملكة من الفراشات وينابيع حرفك الملائكي..!
قالت : يا الهي كل هذا الي .
قلت :نعم .
قالت :ولها ؟
قلت :مدائحي اليها بقيت هناك تحت وسائد ذكرياتها .
قالت : اذن هي تنتظرك ؟
قلت :كلا لقد تزوجت غيري وبنتها الان في الجامعة.
قالت :آه .مثل قيس وليلى .
ضحكت وقلت :نعم مثل روميو وجولييت .
قالت :سعيدة انا الآن .كلك اصبحت لي ، ولن اخشى من الذكريات ان تزاحمني.
أشتاق لأبحر ثانية في محيط العطر ، فأسمعها تهمس بحنين الموسيقى :ابحر ما شئت ، فالسندباد رحلة سابعة وثامنة وعاشرة والف ، والجزيرة التي يستقر فيها مركبه وخياله وسيفه ، هو جسدي ، شرط ان تمنحني شهية الكلمات لأكون اكثر فرحا واستعدادا لأكسر زجاج نافذة انت ولتمر انت الى غرفتي وسريري مثل عاصفة وحلم ورجل يعرف أن يذهب .أهمس له شيئا من بهجة الشعر التي تلازم اهل سومر يوم يتذكرون أنهم تلاميذ عشتار ورامبو في صناعة الحس .فاسمعها تقول :اهمس ومارس ، ذلك هو الغرام الذي يعشقه الفلاسفة والجنود والفقراء والقديسين ايضا.
أجعلني كتابك المفتوح وامسح عنه كل نصوص الأمس واكتب نصك الجديد : أنا.
فتهمس ، قرب عينيها المغمضتين :
بدني يتضور حلما ، يتألم مثل خواطر الجوع في بطون القبلات المفتولة العضلات. البحر في زرقته يتسع في أداء غرامه لعاطفة الإنسان النبيل. الإنسان المغرم بانفلاته إليك وهو يكتب حكمة سرياليته المجيدة : القلوب ينابيع الشعب لينبض من اجلي :أنا ملككم المتوج بحكمة الورائة .أنا حلمك الأزلي عند تخوم حقول السنابل ستجدون عرشي يوزع اشتراكيته عليكم بحنان البوذي لردائه البسيط. أنا أرث النبي في أداء محبته الفطرية .هو يقول هكذا .فليصدقه من يصدقه .لقد صنع الغرام لي امرأة ولا أريد أي تاج عداها..!
أنا وأنت نترك هكذا جدلا بابليا ونذهب إلى بحيرة الضوء في حافة السرير ، وعلى صدرك وصدري نتبادل النقاش البيزنطي وفي النهاية حتما سنجد الاكتشاف الحقيقي. لأن التاج لايصنع العطر والقمح إلا حين يلفه غلاف الأساطير ، فمايكروسوفت تقول :الأساطير ذهبت بعيدا وحتما بتهوفن لن يكون صديقا لمفاتيح الكيبورد……!
تهمس دومنيكان :يا ألهي أنك توقظ في غرائز اخرى ، الكلمات تنشط حواس المرأة ، تحدثها بالإنكليزية فأحسها حتى دون أن يكتمل معناها معي ،فكيف لو كنت تهمس بها بلغتك الأم ، عندما سأعرف كيف اخلع ملابسي دون ان تلامسها يدي ، فالبهجة يارجل أن يكون الورق الذي يكتب عليه الشاعر قصيدته هو نهد امرأة ولهيب شفتين .أكمل ، انا الآن مستعدة لكل شيء معك.
يعود همسك المشتهي قرب شحمة اذنيها ومن لهفة السماع وجرس الكلمات ينفرط قرطها من طرف الاذن فتهمس : آه حتى قرطي الذهبي يشتهيك ، وبصوت يشبه صوت كهنة المعابد في صباحات أور والوركاء تعيد همستك وصداها الذي تتخيله يزرع على جسدها خناجر العطر التي نصلها اسنانك وهي تطبع كل عبارات الغرام على خارطتها المستعدة لتفعل معك كل شيء:
سلال التمر
السفن وسلال التمر وراتب عامل البلدية النقي .فيما الأوساخ في خزائن بخلاء القرن العشرين. ولربما تكونين انت دومنيكان الصورة النقية لما سندرك بعد حين. فبين قبلة في غلاف مجلة .وبين بحار يتضور عشقا في جسد البحر. النخلة تعيد النداء إلى مريم :هزيني قليلا. فحاجتي إلى الرعشة بين شفتيه هي السلام كله.يا لبريق أمي وهي تفكر في مساء البستان هناك في الجنوب النبي، فلقد كان العالم أكثر براءة من حروفها المختصرة.فغاليلو يقول :الأرض تدور لان العاشق يبحث فيها عن لذته.
أمي تقول :الأرض تموء لأن قططها مصنوعة من أجمل خواطر الرعشة في سن البلوغ.أنت يا سماء الوجد وشريان الورد المنتشي في أغاني الكوكب الشرق في نيل عينيك تقولين: الأرض لا تدور هي واقفة الآن بين فم وفمي في انتظار صناعة القبلة لينجو العالم من مجاعته.!
تهمس دومنيكان : اشعر بالثمالة كلها تجتاحني ، توغل بخناجر العطر والضوء ونصل من حنين يستطيل ويميل ويشعرني اني راقصة والمسرح رجل.
ارد : مجنونة أنتِ..؟
ترد وهذا الجنون هو من يصر الآن لتكمل انشاد اساطيرك في حضرتي وإلا سأصرخ صراخا تسمع باريس كلها وسيضطر رئيس بلدية منطقتنا للاستيقاظ من النوم وسيتصل بالبوليس والبوليس سيتصل بالملائكة ، والملائكة ستتصل بآرثر رامبو وحتما رامبو يتصل بسائق التاكسي وسائق التاكسي يتخيل انك لك بقايا فرنكات من اجرة التوصيل الى تمثال الشاعر ، وفي النهاية انت عاريا فوق سريري وامام كل هذا الحشد الذي أحضره رئيس البلدية ستقول : ايتها المجنونة ما الذي يحدث بالضبط ؟!.
الذي يحدث أنكَ ستكمل اناشيدك بعد ان تكمل دورة امطارك الثانية على جسدي ، فيعود همسك في مسامعها ، وتعود النشوة تسكنها من رعشة شفتيها حتى اصابع قدميها :
لك الفردوس في اشتياق المودة كلها ، هناك النورس يحمل قاع البحر بأحلامه العميقة ويدفعنا لنكشف نعاس المرايا في موسيقى المشط. فأحسب ضفائرك، وشامة بين نهديك أضعها أنا بقلم أسناني ، ولهفة بريق نجم يسرق ضوئه من شغف حلم تدثريه بين سرير الخاصرة والموسيقى . فأنت لست فقط خاتما لجمال الأصبع في رسم تفاصيل عشقي إليك. بل أنت كل الحدائق وهي ترتديك قميصا بلون البحر وتخلعه متى همست لها الغيوم
ترد : ما الذي تفعله بي يا أحضان المطر انت تبلل حتى اجفاني بمطر ذكورتك .جميل ان تغسل الانثى وجهها بمطر ذكورة من تحب.
أرد : يا الهي هذا شبق أم عشق .
تقول :اكمل .هذا كل شيء.
فتكمل ، لترقص في اغماضتها الكلمات ومثل مشهد سينمائي قديم تكون فيه ممثلتك برجيت باردو ثملة ونعسانة فتتلو من ذكريات قلبك كل هذا الحنين الاخضر وكأنك تستعيد تلك الجملة التي عشقتها من فم لوركا قبل ان يطلق عليه الفاشيون رصاص بنادقهم :احبك هكذا خضراء .
تهمس دومنيكان :احببت جملة لوركا هذه منذ صباي .
فترد :وانا من صباي ايضا .
ــ آه ان صبانا مشتركان ولهذا جسدنا مشتبكان الان ايضا .
يفرح فيك الرجل ، وترقص فيها انوثتها ، ومابين الرقص والفرص تكمل اناشيد فيها ، مرة توغل بالسيف حد شهقتها ، ومرة لسانك يداعب فيها الشهيق ومرة مدائحك يقطع اقراط اذنيها :
ها أنت يا قلبي الأكثر شدوا لحقيقة أن يكون الغرام هاجسا حقيقيا لوجود البشر على كوكب العطر والجرح وسفينة نجاة تبحر في نهر شفتيك ولا ترسو..!
ها أنت يا بنفسج الوجدان والأمان ونظرة الجائع إلى محنة عيشه بدون واحدة لذتها الخبز واشتراكية وسادة النعناع والمتاع وأساطير حكماء الضوء بسهدك الممتدة ألف جغرافية في أنوثة طفولتنا ,أنت يا قلبي المورد الآن بين شفتيها كؤوس عصائر استوائية ، يا نافذة المصير الشهي ، دون واحدة لها كياسة اللحظة الغرامية المشعة لن نستطيع أن نمضي بوصة واحدة إلى الأمام ، لن نقدر أن نبني سقفا واحدا لقصيدة غرامية تتحدث عن فقه الشوق في نار الشفتين وصلاة الناسك. لن نقدر أن نجر عربات العتمة إلى ضوء النساء الفارعات. دون أن يكون هناك مزيج من لعاب أفواهنا في أفواه الملكات لنخلق وضعا استثنائيا لآدم وحواء في صنع البشرية الجديدة…وحتما هذا كله لا يصنعه احد غيرك يا ملاك أغلفة كتب فلاسفة كل كواكبنا الشمسية…….!
تستعر نار دومنيكان ، ونارك تصبح بركان . فتغمض كل شيء فيها ، ترخي جسدها كله وتهمس له : كم مرة؟
ترد :مرتان .
افعل الثالثة فالفجر اقترب .لابد ان نستقبل الشمس بطقس غرام يحمل ثلاثة نجوم من لمعانك معي.
اغمض عيني ، فأحمل جسدي اليها وانا اتوكل على الله ، لأستعيد كلمات ابي وهو ينصحني أن ازيد من اكل التمر وهو يقول :ان يجعلك تجري سريعا في كل الطرقات .وحتما لابد ان اجري في طرقات جسدها لأثبت صحة قول ابي ان التمر المفيد.
وما ان اكتملت طقوس التعويذة الثالثة ،حتى بان نعاس عمره الف عام تحت عينيها ، وقالت :اريد ان انام عميقا ، اهمس شيئا واغفو معي عاريا لألف يوم من النوم واللذة.
تحتضها ويسكنك اليها آخر المدائح :
في اللحـــظة المجنونة يعرف العقل حساب الأرقام بأتجاه الوضع الصحيح فيـــــــــكون الواحد زائد واحد مثل النقطة تحت حرف الباء في آخر مفردة الحُب…!


















