صناعة الدكتاتور – عدنان عودة الطائي
الكثير درس عملية وفن صناعة الدكتاتور او الطاغية. وللعراقيين تجربة فريدة وليست بالجديدة في هذا المجال،تجربة لا تزال اثارها باقية في صميم النظام الحالي وتنتقل من جيل لاخر ماشاء الله.
ومن دروس هذه الصناعة او الحرفة اولا تخويف الناس وزيادة هلعهم من الطاغية الذي سيكون مستبدا وكذلك نفس الخوف يرافق اتباعة وحاشيته .
ركوب الاباطيل
بل الذهاب بالجمهور الى ربط مستقبلهم بل ابعد من ذلك التحكم بعيشهم وثانيا مايقوم به الجمهور وهو الاهم في هذه الصناعة الوطنية غير المسوردة من نفاق واضح وتملق مذل وتزلف معيب وركوب الاباطيل والتمادي على القانون وزيادة في ذلك من اجل إثبات الولاء المطلق للطاغية وحاشيته يرافقه صمت مطبق للطبقة الواعيك وهي يقينا في تقلص مادامت تنال من حاشية صاحب السيادة الاقصاء والتهميش والابعاد وحتى القتل اذا شائت وان عبرت المحظور ولا ننسى الدور الكبير الذي تلعبه اجهزة الدكتاتور من امن ومخابرات واستخبارات وتحريات و. و. و. من ملاحقة كل من يشك بولائه لصاحب العظمة بعد ان يتثبت اركان حكمه.. وللاسف شمل هذا عامة الناس كما الطبقة المثقفة والفنانين والادباء ، اي الطبقة المؤثرة بالذات.
قصة الشاعر السوفياتي ماندلستام كنموذج: في الثلاثينات بعد تطبيق نظام الكولاك الزاعي عشية ثورة اكتوبر البلشفية 1917 الذي قام به ستالين خصوصا بعد موت لينين 1924 والتي اساسها تفتيت ملكية الارض الزراعية والقضاء على طبقة الملاكين بشكلٍ عشوائي سلطوي، والتي تسببت في احداث مجاعات في الأتحاد السوفيتي من اقصاه إلى اقصاه
ادت الى هلاك ملايين من الضحايا قاربت 33 مليون خصوصاً سكان الريف وفي 7 مواسم زراعية
لم يطق ماندلستام تحمل هذا فكتب قصيدة من 16 سطر وتلاها على عدد محدود من الاصدقاء. لم تسم القصيدة الطاغية ستالين بالاسم، ولكنها تهكمت على “كبير الكرملين” ذو الماضي البشع المليئ اجراما وقتلا . في نيسان 1934 صادف ماندلستام صديقه الاديب بوريس باسترناك (كاتب الدكتور جيفاكو فيما بعد) في الشارع واخذه جانبًا ليتلي عليه القصيدة العتيدة. اعتبر باسترناك القصيدة كنوع من الانتحار وقال له “لم اسمع هذا؛ لم تذكر لي تلك الابيات”.
بعد شهر اي في من تلك السنة جاءت الشرطة السرية الى شقة ماندلستام واعتقلته وصادرت محتويات الشقة من وثائق ومخطوطات.
سمع باسترناك باعتقال صديقه من الشاعرة انا اخماتوفا وحاولوا، باسترناك واخماتوفا وزوجة ماندلستام، التوسط لدى اتحاد الادباء وعند القيادي الشيوعي بوخارين بدون جدوى.
وحسب المرأة التي اصبحت عشيقة باسترناك فيما بعد، انه كان “يركض هنا وهناك مؤكدًا لكل من يصادفه انه ليس مسؤولًا عما جرى، كما انه ينكر مسؤوليته عن إختفاء ماندلستام “.
اللطيف ان ماندلستام ،تحت التحقيق، لم يسم الذين سمعوا القصيدة كما نفى انه قرأها لباسترناك. وكان من حسن حظ ماندلستام انه – على غير العادة في تلك الأيام- لم يعدم بل نفي مع زوجته الى جنوب الاورال.وهناك حاول ماندلستام الانتحار وعندها تدخل بوخارين لدى ستالين في محاولة ناجحة لتخفيف الحكم الى نفي .
وللقصة خاتمة لها خصوصية الدولة الاعتباطية عند الدكتاتور: في حزيران من ذلك العام قيل لباسترناك وهو في شقته الجماعية ان ستالين يود مخاطبته تليفونيا. لم يصدق الرجل ذلك بالطبع وظنها مزحة سمجة. الا ان التليفون رن من جديد وقيل له ان مكتب ستالين على الخط واعطوه رقم خاص.
اتصل الرجل بالرقم فسمع “ستالين معك على الخط”.قال له ستالين ان قضية ماندلستام قد درست من جديد وان النتيجة جيدة. ثم سأل ستالين ان كان ماندلستام صديق باسترناك- سؤال مفخوخ بدون شك ، فان اجاب باسترناك بنعم قد يتهم بالتواطؤ ، وان أنكر فيكون قد خان صديقه. اجاب “للشعراء قلة من الأصدقاء لإنهم يغارون من بعضهم”. وهنا قال ستالين انه شخصيًا يدافع عن اصدقائه حتى النهاية.
محاولة اتصال
ثم سأل ستالين ان كان ماندلستام من كبار الشعراء. شعر باسترناك بالفخ من جديد وخاف ان يدخل في موضوع قصيدة كبير الكرملين، ويقال انه اقترح شرح اراءه في الموضوع في مقابلة خاصة وليس بالتليفون. الا ان ستالين اغلق الخط ولم تفلح محاولة الاتصال من جديد.
لم ينتهي فصل صناعة ذلك الطاغية بل يتجدد كل وقت وزمان من فرعون وهامان الى ماو وبول بوت ومريام مرورا بنابليون وريفيرا ونيرون و… وكما جاد علينا الزمان بهذه العطايا منحتنا الدول والوحدات السياسية شخوصا نالوا وصف الدكتاتور والمتجبر بكل جدارة كما رومانيا وطاغيتها شاوشيسكو وافريقيا الوسطى ونموذجها بوكاسا وكوريا وطاغياتها كيم ايل سونغ والكونغو ودكتاتورها سيسيكو…لكن يبقى السؤال…
هل تستمر صناعة الدكتاتور
نعم مادامت هناك شعوب مغلوبة على امرها بدرايتها ام لم تدري .