صراخ الشارع وصمت الأدباء

صراخ الشارع وصمت الأدباء
علي جمعة الكعــود
في زمن الثورات العربية أو ما يُطلق عليه جزافاً الربيع العربي نشاهد الشوارع في بعض الدول العربية وقد تحولت إلى ساحاتٍ لدويّ الحناجر التي تنادي بسقوط الأنظمة العربية كما أنّ الجدران تزخر هي الأخرى بشعاراتٍ كُـتبتْ عليها مثل ارحل والشعب يريد وغير ذلك ومن زاوية أخرى نلمح ردود الأفعال وما ينتج عنها من ظواهر مسلحة سواءً أكانت من جانب السلطات أو من جانب المعارضة وفي ظل هذا وذاك يهيمن الخريف العربي على كتابات الأدباء الذين ينتمون إلى الدول الثائرة وأياً كان الموقف الذي يمثله الأديب العربي شاعراً كان أو روائياً أو قاصاً أو مسرحياً مؤيداً أو معارضاً فإن هذا الموقف لا يجد صدىً له في منتجه الإبداعي المطروح خلال هذه الأزمات كما أن الصمت المريب يخيم بدوره على البعض الآخر منهم حتى نجد أن الحالة الأدبية العامة لا تتعايش مع تيمة المشهد الراهن بكل تداعياته فتمطرنا الصحف والمجلات الأدبية إضافة إلى الصفحات الثقافية في الصحف اليومية بكتاباتٍ إبداعيةٍ تتنافى موضوعاتها مع السائد حتى لكأنّ تلك الكتابات صادرة في دول أخرى لا صراخ فيها سوى زقزقة العصافير ولا انفجارات فيها سوى ديناميت احتفالات أعياد رأس السنة ومناسباتٍ أخرى فالأدباء كانوا ومنذ الأزل لسان حال شعوبهم بأفراحها وأتراحها والمطلوب من الأدباء العرب في هذه المرحلة الحض على الحوار في كتاباتهم والدعوة إلى تكريس السلم والأمان بين شعوبهم ونبذ العنف بكافة أشكاله وأخذ الدور الذي يتماشى مع الأخلاق العربية الممتدة منذ العصر الجاهلي وحتى أيامنا هذه وبما لا يجافي الكرامة والعزة والحرية التي وسمت الإنسان العربيومن جهة ثانية فإن الواجب الملقى على أدباءنا هو توعية الإنسان العربي ولفت انتباهه إلى مخاطر عملية التغيير ووضع تلك المخاطر نصب عينيه إزاء أي فعل يقوم به ولا تخفى على أحد المكانة التي حققها الأدب العربي في المحافل الثقافية الدولية من خلال عشرات الترجمات سنوياً إلى لغات متعددة وبكافة صنوفه وهذا يشكل عبئاً إضافياً على الأديب العربي لطرح قضايا شعبه بمفاهيم حقيقية تصحح الصورة الإعلامية المشوهة ولاسيما أن الإعلام المغرض ينصب شباكه في كل الاتجاهات وفي عودة إلى ما تشهده بعض الدول العربية من حالات حراك سياسي فإننا نفتقر إلى الحراك الأدبي الموازي له ويبقى الأديب العربي يغرد خارج السرب مفتقراً إلى أبسط طرق التعبير عن واقعٍ يعتبر هذا الأديب جزءاً لا يتجزأ منه وتعود بنا الذاكرة هنا إلى الأدب الملتزم بمجمل القضايا في مطلع القرن الفائت حيث كان لهذا الأدب دور هام في الحياة الاجتماعية وما زال يعيش في الذاكرة العربية حتى الآن فظلت القصائد والقصص المنجزة في تلك المرحلة تطرق أسماعنا ونستمتع بقراءتها وما زالت أسماء مبدعيها تشكل قاماتٍ باسقةٍ لم يستطع غبار الزمن محوها من سجل الخلود فالشعر مثلاً بإمكانه القيام بدورٍ محوري رغم التجنّي في الحديث عن مجافاة المتلقي له وهذا الدور تعجز عنه وسائل الإبداع الأخرى لأن الشعر يمتلك مفاتيح الولوج إلى الذائقة بكل ما تعنيه كلمة ذائقة من معانٍ وقد أثبتت القصيدة العربية عبر التاريخ أنها سيدة الفنون وأنها المحرض الأساس في القضايا المصيرية والعامل الحاسم في التوازن الاجتماعي فالشاعر الكبير نزار قباني مثلاً كان شاعر الحب والثورة بلا منازع فكتب عن الحب بطريقة ثورية وكتب عن التحرر والثورة بعين المحب العاشق فأثبت أن الشعر خندقٌ في معركة الحياة وأعطى القصيدة شرعية البقاء والمقاومة وأظهر الأديب العربي كممثلٍ عظيمٍ له بمظهر الأديب القادر على مواكبة العولمة والتغيير بما يخدم مصالح الشعوب العربية بعيداً عن التماهي في الحريات المستوردة وتقليد التجارب الأخرى ومجافاة الخصوصية التي تميز الإنسان العربي القادر على صنع مستقبله.
/5/2012 Issue 4202 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4202 التاريخ 17»5»2012
AZP09

مشاركة