شيراز عروس المدن 4-4
المحطة الأخيرة من رحلة إلى إيران الهندية
شيراز – حمدي العطار
التفاعلات الانسانية وحسن الضيافة
ليست التضاريس في ايران هي المتنوعة فقط بل الاهم من ذلك هو تنوع البشر وفقا للمدن والاقاليم! وهذا ما أوجد انواعا مختلفة من السياحة الطبيعية والاثرية والتراثية والدينية. ويعتقد البعض بأن السياحة الدينية هي الأكثر انتشارا نظرا لوجود المراقد المقدسة في مشهد وقم وطهران. ومواقع ومراقد أخرى. في جميع المدن الايرانية، ومن الخطأ الاعتقاد هذا لان ايران لا تهتم فقط بالاثار والمواقع الدينية الشيعية وتهمل اثار ومعابد الديانات والمذاهب الأخرى ! ان وزارة الثقافة والسياحة الايرانية تسجل هذه المواقع الدينية الخاصة بالاقليات ( الزرادشتية وكنائس الارمن ومعابد المجوس وحتى المواقع الاثرية ومعابد اليهود) في التوثيق التراثي العالمي لمنظمة اليونسكو ، وتجعل حمايتها دوليا وهذا ما يغري قدوم السياح من أوربا وجميع دول العالم إلى ايران. قد تركز ايران على معرفة السياحة بنهج جغرافي، في نفس الوقت لاحظنا برودة الطقس في كرمنشاه وهي مدينة للكرد، مع تعادل الطقس في بندر عباس وارتفاع درجات الحرارة في جزيرة قشم، فتكون مكونات النظام والنشاط السياحي متفاعلة مع هذا التنوع الجغرافي والبشري والهويات القومية والدينية.
تم التركيز في وجودنا بمدينة كرمنشاه على اثار الدولة الساسانية والدولة الاخمينية , وتم التفاعل الانساني مع العادات المحلية لسكان هذه المدينة.
جو بارد
وتحدث مواقف وامور بسيطة تجعل السائح يكون وجهة نظر ايجابية أو سلبية عن البلد.مثال على التفاعلات التي حدثت في كرمنشاه، كان الجو باردا جدا والوقت متأخر في الليل وانا و عائلتي كنا نحتاج تأجير تكسي للوصول الى الفندق وكنا نخشى استغلال هذا الظرف من قبل السائقين !وقفنا احدهم حاولنا أن تتعامل معه على مقدار الاجرة رفض وقال ما معناه اصعد لا نختلف! طول الطريق وانا افكر بما سوف يطلبه هذا السائق الذي رفض تحديد أجرة التكسي، عندما وصلنا إلى الفندق رفض أن يأخذ أي مبلغ مقابل مثلنا في هذا الليل البارد !قائلا أنتم ضيوفنا! جعلني اخجل من سوء الظن ومثل هكذا مواقف تجعلك تعاني من حسن الضيافة الايرانية.
بندر عباس وجزيرة قشم فيهما طابع أخر تشعر كأنك في إحدى دول الخليج! هل لان تلك الأماكن كانت تابعة تاريخيا إلى الإمارات أو سلطنة عمان! ام لان الجغرافيا هنا تتحكم بالسلوكيات,وبما أن الناس لا تنسجم وتتفاعل الا مع فنونها فقد لاحظنا في كرمنشاه طابع الغناء الكردي بينما كان الإيقاع الموسيقي في بندر عباس وجزيرة قشم هو الطابع الخليجي حتى لو كانت الأغاني باللغة الفارسية. حاولت السلطات الايرانية أن تجعل تلك الجزر مثل ( كيش وقشم) مناطق تجارية لا ضرائب ولا كمرك لتنشيط الوضع الاقتصادي وجعل السكان راضين على اوضاعهم المعيشية وتجاوز الاختلاف المذهبي كونهم من السنة العرب فلهم كل الحقوق .
في ممارسة طقوسهم الدينية والمذهبية، وبما أن التعليم والثقافة باللغة الفارسية وكذلك التجارة تستوجب أتقان اللغة الفارسية كما هي السياحة فامتلك سكان هذه المدن اكثر من لغة وهذا يساعدهم للحصول على عمل في مجال التجارة وكمرشد سياحي ومترجم في مجال السياحة، وجغرافية البحر توفر الكثير من العمل في مجال الصيد والسياحة.
لاحظنا التشابه والاختلاف بين الجزيرتين (كيش السياحة فيها اقوى من التجارة) و. ( جزيرة قشم التجارة فيها افضل من السياحة) فهي لا تستقطب فقط السياح الاجانب بل يزور هذه الجزيرة كل من يريد التسوق والمتاجرة ولقضاء وقت للترفيه والاستجمام.
قشم. الإقامة المتعبة في الفندق جعلت مكوثنا بها يومين! وهذا الحال مع الفنادق اما تكون قريبة أو في مركز المدينة وتفتقر إلى الكثير من المعايير التي توفر الراحة والنظافة وحسن الاستقبال أو تكون بعيدة عن مركز المدينة وتتوفر فيها سعة المكان وباقي الخدمات السياحية لكن الساىح سوف يعاني من مشكلة النقل!
بعد أن تركنا قشم للرجوع الى بندر عباس ولم نر طائر المالك الحزين وباقي الطيور الغريبة المهاجرة للجزيرة! استخدمنا وسيلة نقل الباخرة ( العبارة) وهي تسير في مياه الخليج تشعر بجبروت وجمال البحر. هنا يشددون على إرتداء الكمامة ويتابعون المسافرين الاجانب لأننا غير ملتزمين بينما نجد الايراني ملتزم بهذه الاجراءات الصحية.والتقطنا الصور مع القبطان الذي يسمح لنا بالجلوس في منصة قيادة العبارة!
وتبقى كلمة عربي أو عراقي تثير النقاش مع سائق التكسي أو صاحب المطعم وعامل الفندق وبائع الخضراوات. هو يجامل ويبتسم لكنه يكثر من الأسئلة المحرجة، هي جوانب من التسامح وفيها شيء من العتاب، تشبه حسن التعامل مع عرب ايران من دون تفرقة ووجود إلى جانب القوة الناعمة اشارات متمثلة بأستخدام القوة والعنف اذا اقتضى الأمر وترصده بوجود تماثيل توجه البنادق على دول الخليج(على ساحل بندر عباس) اذا فكرت أن تقف مع أمريكا ضد ايران.
مدينة ( شيراز) تاج الحضارة التاريخية في ايران ومدينة الشعراء (حافظ وسعدي الشيرازي) تعال معي إلى مدينة الثلوج لنعيش لحظات التأمل والتصوف مع أشهر شعراء ايران حافظ وسعدي الشيرازي عاشا وماتا في شيراز عاصمة السلالة الاخمينية ومدينة الحدائق والطيور .
حق الميز في شيراز
اذا اردت التعرف على حقيقة ايران الفارسية عليك بزيارة مدينة شيراز ليس لان الاغلبية العظمى من السكان في شيراز من اصول فارسية -ولا تخلو شيراز من اقليات كردية وعربية واذرية- وليس لانها تضم اكثرية يعتنقون الاسلام بالمذهب الشيعي- مع اقلية مسيحية وعاش فيها اليهود الذين هاجر اغلبهم الى امريكا واسرائيل ولا يزال فيها جالية يهودية تمارس التجارة- انما لان شيراز خير من يعبر عن الهوية الثقافية لايران الفارسية! وكان يطلق عليها (دار العلم) لوجود رجال الدين في عهد الدولة الصفوية حيث كانت شيراز العاصمة لكثير من المراحل التاريخية (الدولة الصفوية- الدولة البويهية – الدولة الزندية) ويرجع تاريخها الى 4000 عام قبل الميلاد , وهي مدينة الشعر ( حافظ وسعيد الشيرازي) ومدينة التقوى والاخلاق والفن الراقي الجميل).
وصلنا الى شيراز ليلا ، حيث يقع فندق (الوكيل) على اسم السلطان الوكيل في العهد الزندي قريبا من المنطقة التجارية والاسواق والمطاعم، والفندق جميل بأثاثه التراثي والمعمار الفني في لمسات فنية جميلة ومريحة.
سرعان ما خرجنا لتناول وجبة العشاء فكان اختيارنا ايضا تراثيا فمطعم ( katen mse)
يعد من المطاعم التراثية فهو يقدمون الاكلات الفارسية الشعبية مثل (ديزي) صورتها منشورة، كل ما موجود من اثاث وديكور في المطعم الذي يقع في سرداب قديم هو تراثي،ازياء عاملات المطعم هي الزي الشعبي للمرأة الشيرازية، لاحظنا وجود السياح الخلايجة من السعودية والبحرين في شيراز
تقام في هذا المطعم التراثي جلسات غنائية تراثية ايام الجمع سيكون لنا تغطية خاصة لها.
لا يمكن ان تكفي يومان لزيارة شيراز ومعالمها السياحية التي تشتهر بجمالها وعمقها التاريخي وفيها السياحة الطبيعية والتاريخية وحتى السياحة الدينية ( حدائق دلغشا – المسجد العتيق يرجع تاريخه الى 281 ه – مسجد السلطاني الوكيل- ويرجع الى العهد الزندي 1773 -مسجد نصير الملك—متحف بارس- المتحف العسكري- عتبة الامير احمد بن الامام الكاظم اكتشف قبره في العهد البويهي- بقعة علي بن همزه- قلعة كريم خان الزندي- مازار الوكيل اقدم واجمل الاسواق الشعببة في شيراز فضلا عن حديقة حافظ الشيرازي، ومرقد وحديقة سعدي الشيرازي)
(حق الميز في شيراز) عرفنا ان في ايران تنوع لمصادر الايرادات فهي ليس كالعراق تعتمد فقط على النفط فلديها الصناعة والزراعة والسياحة وكذلك الضرائب، فاذا كانت (ضريبة الهواء) لها مبررا لفرضها على اصحاب العمارات التي تزيد عدد الطوابق فيها عن 3 طوابق .-لانها تحجب الهواء عن الناس- فلا يوجد مبرر لفرض ضريبة في المطاعم وبنسبة 10 بالمئة من قيمة الفاتورة يقولون انها ضريبة ( حق الميز)
شيراز تخلد شعراءها
في شيراز كما في المدن الايرانية الاخرى ( كرمنشاه وبندر عباس وقشم) ليس من السهولة ان تجد مكتبا للصيرفة او صيدلية! فالمصارف لا تقدم خدمة التصريف وفي كل مدينة هناك مكتب صيرفة او اكثر لا يفتحون على الاغلب على الاخص في ايام العطل. واحيانا يفتحون ولكن ليس لديهم سيولة فيقولون يمكن ان نحول لك المبلغ لبطاقة الفيزا كارت وهذه الفيزا يجب ان تكون معك صادرة من بلدك ! شي معقد جدا اضف الى ذلك عدم استقرار سعر الصرف
فعند قدومنا كان 100 $ يعادل 3300000 بينما انخفض الان الى 2640000 ولا توجد سوق سوداء لبيع العملة فالقانون يحاسب على هذه التجارة واصحاب المحال لا يقبلون استلام الدولار مهما كان مبلغ البضاعة التي تشتريها! فما عليك الا القيام بالتصريف في بلدك وان يكون المعدل
لكل يوم ستقضيه في ايران 100$!
اما عدم وجود الكثير من الصيدليات فليس له الا تفسيرا واحدا هو ان الايرانيين لا يمرضون فلأ تنسى ادويتك وادعو الله ان لا تمرض وانت في أيران!
محطة اولى
برنامج رحلتنا في شيراز كان اليوم زيارة (الحدائق) والحدائق في شيراز ترتبط بالثقافة والشعر فكانت محطتنا الاولى زيارة حديقة ( حافظ الشيرازي) وهو شمس الدين محمد من الشعراء الغنائيين في ايران سمي حافظ لحفظه القرأن الكريم ولا يخلو بيت من ديوانه عاش فقط27 عاما اشعاره تستخدم كأمثال وحكم الناس هنا يتفائلون بها جمال الحديقة يضاهي جمال قصائده، وكان متنبئ بما يحدث بالمستقبل، لذا نجد في باب الحديقة رجلا يمسك بطير الحب ويسحب بمنقاره ورقة كتب عليها ما سيحدث لك مستقبلا مقابل مبلع يعادل الف دينار عراقي.
يرتبط حافظ الشيرازي بالشاعر سعدي الشيرازي
كلاهما شاعران صوفيان ،ومن شيراز ، عاش سعدي الشيرازي في شيراز ومات في هذا المكان الذي دفن فيه واصبح حديقة عامة ،كان يسكن هنا قبل سبعة قرون وقد تحول قبره الى مزار يؤمه الالاف يوميا وفيه حوض ماء صاف يجلب الحظ لمن يقصده وحدثني احدهم من شيراز بانه كان يملك سيارة اراد التخلص منها وبيعها بثمن رخيص ولم بوفق ادخل السيارة بالقرب من حوض سعدي الشيرازي وغسلها فورا اتصل به احدهم واشترى السيارة بسعر مناسب! كان الزوار يرمون النقود في حوض سعدي الشيرازي لتحقيق امنياتهم.
شيراز نجحت في ان تربط بين جمال الشعر والمعمار الفني وتصميم الحدائق لتكون موردا
للسياحة. كما زرنا حديقة (,ارم) وهي حديقة الزهور والورود وفيها جمال الاشجار لان الموسم ليس موسما للورود. وحديقة عامة اخرى كانت سابقا تعود لشاه ايران.
لقد استنشقنا الهواء النقي النظيف وحتى التربة كانت تفوح برائحة العشق والحب والجمال.
108 منطقة سياحية في شهرزار(عروس المدن)
هذا هو اسم شيراز القديم (شهر زار) ومن يزور شيراز عليه ان يتجول في المناطق والمراكز السياحية والتي يبلغ عددها 108 مناطق سياحية، ونحن مكثنا فقط يومان في شيراز فكان عدد المناطق السياحية التي تم زيارتها 7 مناطق سياحية فقط!
في اليوم الاخير لرحلتنا الى ايران يستوجب علينا ان نذكر بعض النصائح والصعوبات التي قد تواجه اي سائح وعلى الاخص العراقي، ذكرنا صعوبات التصريف وعلينا ان نوضح بإن المسافر عن طريق البر يمكنه التصريف عند الحدود (في الجانب الايرني) كما يجب عليه شراء شريحة اتصالات تستغرق اسبوعين تكلفتها بالعراقي 21 الف دينار يأخذون الدينار العراقي هناك لانه قد لا يباع له هذه الشريحة وخط النت داخل المدن الايرانية.
صادف وجودنا في ايران ذكرى وفاة فاطمة الزهراء(ع) هناك ثلاثة تواريخ افتراضية لوفاة فاطمة الزهراء(ع) وهذا يؤثر كثيرا على برنامج الرحلة فكان من المفروض ان نحضر حفلا في احد الاماكن السياحية بمناسبة راس السنة في مدينة بندر عباس وتم الغاءه ! كما كان من المفروض – كما اشرت في منشور سابق- ان نحضر جلسة غنائية في المعطم التراثي في شيراز وتم تأجيلها من الجمعة الى السبت لنفس السبب!
ما لفت نظري وانا اتجول في المدن الايرانية فلكل مدينة قومية تختلف عن الاخرى وبالتالي تختلف الفنون والرقص الشعبي، ففي كرمنشاه حيث الكرد يرقصون (بأقدامهم) الدبكات الكردية، يقول لي المرشد السياحي ان الاعراس كانت تجري بحفلتين واحدة للرجال وأخرى للنساء اما الان فتجري حفلة واحدة مشتركة ويكون بها الرقص المشترك (الدبكات) الكردية، اما في شيراز(حيث الفرس) فهم يرقصون (بالايدي) وفي بندر عباس وقشم عرب ايران فهم يرقصون (بالارداف) الهيوة الخليجية.
انطلقنا اليوم لزيارة مجموعة من المساجد الاثرية والقلعة الحصينة والقصور التي تحولت الى متاحف ومناطق سياحية، في البدء كانت زيارتنا الى مسجد نصر الملك (الزندي) وقد بني هذا المسجد “ميرزا محمد علي” في العصر القاجاري وبمعونة من الاشراف في مدينة شيراز اما المعمار والنقوش والاضاءة التي تتسرب من الشبابيك لتشكل لوحة قوس قزحية فكانت من اعمال محمد رضا كاشي الشيرازي ، وهذا المسجد موقوف لأدارة اوقاف المدينة، بعض السياح العراقيين يمتنعون عن التمتع بهذه المناطق السياحية والسبب هو الفارق باجور الدخول بين الايرانيين والاجانب (يقولون يرونا عراقيين ويستغلونا، نحن لا نفرق بالعراق بين الاجنبي والعراقي) ما نفعله نحن كرم منا ولا يعني ان نجبر الاخرين على فعل ذلك ، وهذا العرف موجود في تركيا واذربيجان وروسيا وبيلاوسيا وفي كل دول العالم وليس له علاقة بكوننا عراقيين، والاجور المستوفاة عن كل شخص هي بالعملة العراقية تعادل (5) الاف دينار فقط، الايستحق المسجد الزندي بالالوان التي تشكل لوحات فنية مذهلة مبلغ 5الاف دينار لرؤيته!؟
زرنا قصر حاكم شيراز الذي تحول الى قصر سياحي ومتحف بأسم (نارنجستان قوام) لكثرة اشجار النارنج في حدائق القصر، اما قلعة كريم خان فهي ايضا ترجع الى عهد الزندية ، تم بناءالقلعة عندما كانت شيراز عاصمة ايران وتعد الجناح الداخلي لقصر الاسرة الزندية وهي قلعة ذات جدران عالية في كل ضلع من اضلاعها الاربعة برج كبير ، وفي زمن الشاه اصبحت هذه القلعة معتقلا ، ومنذ سقوط الشاه اصبحت القلعة في ادارة الثقافة والسياحة واصبحت احدى اهم المناطق السياحية لأنها تقع في وسط مدينة شيراز وعلى امتداد الشارع التجاري (الزند).
نقل خارجي
انتهت رحلتنا ، وعلى الرغم من التعب والارهاق في الانتقال من مدينة الى اخرى (4 مدن لمدة 12 يوما! وتوج هذا التعب في العودة برا من شيراز الى مهران الحدودية واستغرق الوقت 20 ساعة ولولا الباصات المريحة التي تستخدم في ايران للنقل الخارجي لكان لنا كلام آخر لأننا عدنا من مهران الى بغداد استغرق الوقت 4 ساعات وبذلك يكون مدة السفر 24 ساعة. مع هذا تمتعنا برحلة غريبة ومثيرة وتعرفنا على شعوب وقوميات متنوعة تشكل اطياف النسيج الايراني.