شيخ للإيجار

قصة قصيرة

 

شيخ للإيجار

 

 

سعد العبيدي

 

 

نشأ سليم مشاكسا منذ نعومة أضفاره، ترك المدرسة قبل أن يفك الخط مثله مثل كثيرين هم أجيال الحصار. اتهمه الكبار من أبناء محلة الشعلة شقيٌ بالوراثة أو هاو مخالفة كما يقولون، وأشار اليه معلمون قبل أن يترك الخامس الابتدائي على انه ذو عقل بطيئ التفكر. عمل صبيا لحداد ماهر في شارع الشيخ عمر. ترك الصنعة قبل تشربها، لأن الصنعة هذه ومثلها باقي الصنعات كما هو معروف بحاجة الى الالتزام والطاعة التامة وتحمل المشاق… صفات جميعها غير موجودة عند سليم، الانفعالي المتهور سليط اللسان. العسكرية مدرسة تهذيب للإنسان يشير اليها الأب دائما في جلساته الخاصة وكذلك أمام افراد عائلته، خاصة وانه قد تخرج منها وغيره من أبناء الجيل والأجيال التي سبقت، ألزم سليم بالالتحاق الى خدمتها الإلزامية جنديا حال بلوغه الثامنة عشرة عاما بالتمام، قضاها غيابا اثر غياب، وتخفٍ عن أعين الانضباط العسكري والمفارز الحزبية، حتى تسريحه القسري مثل غيره الكثيرين  من منتسبي الجيش السابق يوم 2003/4/9 .

 

سرحَّ بتسريحه من الوحدة التي ألتحق اليها طوعا قبل أسبوعين، أو بالمعنى المتداول أخذ معه سيارة الواز التي كان قد استلمها سائقا لآمر الفوج، أبقاها في بيته أمانة، عند السؤال عن وجودها في البيت من أحد المعارف يقول أنه سيعيدها الى الجيش.

 

تبين له بعد أيام من التسريح القسري أن قوات الاحتلال مشغولة بأمور أخرى وقادة الاحتلال الكبار منهم والصغار لا يولون الأسلحة والمعدات والآليات التابعة للجيش أي اهتمام، بل وعلى العكس من هذا غضوّا النظر عن مزادات لبيع الأسلحة والمعدات علنا على أرصفة الشوارع البغدادية وفي باقي المحافظات، فتجرأ من جانبه على بيع الأمانة أو السيارة بيعا مباشرا سلعة رخيصة ومطلوبة في أوقات التحول والاضطراب، اشتراها اسطة لحيم من أقرباء العائلة بخمسمائة دولار، وضع لها رقما خاصا وأخرج لها سنويةً بمائة دولار، فأصبحت أوراقها رسمية وأصبح سيرها في الشارع البغدادي رسميٌ باقتدار.

 

تزوج السيد سليم من حبيبته الجميلة انتصار بنت الأسطة أيوب، رغم اعتراض الأب على سلوكها امرأة لعوب، تقلبت كثيرا بين أحضان الشباب، هو لا يرى في سلوكها أي عيب، وان مرت بحضنه الدافئ قبل الزواج، أعتبر مرورها ضريبة حب، لابد وأن يقبلها الشريك، ويتغاضى بسببها عن بعض العيوب، قائلا لأصحابه السائرين معه الى خطبتها:

 

– لا يوجد انسان كامل في هذا الزمان. المهم في الزواج هو الحب المتبادل وانتصار تحبني وأنا أعشقها حتى الموت.

 

يستمر سليم في مشاكسته، يلتحق بإحدى العصابات المتخصصة بالسطو على البيوت، وتستمر هي في سلوكها متقلبة بين الأحضان، تعشق دفء الأحضان، يمقته الأب تتبرأ منه العشيرة لا يأبه الى هذا فالانتماء الى عشيرة أخرى أمر سهل مثل شرب الماء، وإخراج تأكيد أنتساب الى عشيرة جديدة يتم بمئة ألف دينار أو عشاء لأحد الشيوخ يمتد الى منتصف الليل. قالت له الزوجة المصون لم العشاء ولم الفلوس، عشيرتي أولى بالانتماء وعلاقة أهلي بالشيخ وثيقة، متفادية حقيقة علاقتها الخاصة بالشيخ، ومع هذا فهو لا يعير اهتمام للموضوع، المهم شيخ وانتماء، فدنيا اليوم لا يمكنها الاستمرار دون شيخ وانتماء، ودون علاقات لها باتت تتشعب وتكثر مع كثر العصابات والفاسدين وأولاد الحرام. الكثرة أعطتها قوة ونفوذ استخدمته ضد سليم أولا حتى بات لعبة بيدها سيدة تقود البيت وتتحكم بمقاليد الأمور. لقد فاحت رائحة الاستهتار من جسمها المترهل، حاول الشقيق الأكبر للسيد سليم التدخل حفاضا على ماء الوجه، فوجد في ذات المساء الذي حاول فيه التدخل سيارة محملة بالشباب تقف عند الباب، ينزل منها عشرة أشخاص يلقنوه درسا لم يفق من غيبوبته الا في مستشفى مدينة الطب، مجبرا على الاعتراف بالخطأ ومجبرا أيضا على دفع عشرة ملايين دينار تعويض إهانة فرضها شيخ العشيرة ومعها الجلاء عن المنطقة التي يسكنها قرب بيت أخيه. هكذا أفتى شيخ العشيرة في جلسة فصل بين الأخوة. تمر السنين، يولد لسليم وانتصار أطفال، كبيرهم في السابعة من العمر، أخذ من الأب شراسته ومن الأم قدرا من الاستهتار، هوايته الشجار مع الآخرين من الأطفال، آخر شجار له مع أولاد جيرانه أبو محمد، المدرس الثانوي الوقور، الذي بادر اثر واقعة الشجار الى الاعتذار في محاولة منه الى تجنب السفاهة المعهودة للسيدة أنتصار، قائلا هكذا هم الأطفال عادة ما يتشاجرون ويتصالحون من عندهم دون تدخل من الكبار، لنتركهم يتصالحون. لكن انتصار لا ترى هذا، فلسفتها في الحياة لكل شيء ثمن، والثمن تحدده القوة في هذه الأيام، هجمت على السيد أبو محمد مسكته من قميصه أمام باب البيت عندما كان ذاهبا الى مدرسته، حاول التملص منها بحجج كثيرة لكنها أبت، رضح لها قائلا:

 

– ست أنتصار الذي تريدينه يصير، أنا حاضر البي طلبك في الحال.

 

– نريدك الى الفصل العشائري، ابنك قد دفع أبني أمام الناس.

 

– لكن ابنك هو من شتم أبني على مرأى من الناس.

 

عاودت مسكه من قميصه، فعاود الرضوخ، وقبل بتحكيم العشيرتين في اليوم الذي تريد.

 

نصبت أو نصب سليم سرادقا لاحكام الفصل العشائري، حضر شيخ عشيرته، وشيخ عشيرة أبو محمد وآخرين مناصرين لكلا الجانبين.

 

قدم الشيخ الآتي مع سليم نفسه ونسبه وعشيرته التي تمتد حتى ساحل الفاو على أطراف الخليج العربي، رد الشيخ المقابل.

 

– شيخنا الجليل، ان سليم في الأصل من عشيرتنا وقد فصلناه من العشيرة لكثر مشاكله، فعن أي عشيرة تتكلم، نحن الأعرف به وبأصوله. أجابه:

 

– لقد رمى قرشا مع عشيرتنا وهو الآن جزء من العشيرة ونحن مستعدين للدفاع عنه.

 

– لكني أعرف شيخ عشيرتكم في المدينة وكذلك شيخ العموم، فعن أي عشيرة تتكلم.

 

يتلفت الشيخ من حول السرادق المنصوبة يرى عشرين شابا مسلحا يحيطون به وبمن يجلس داخلها، فأحكم عقله وأكمل المشوار.

 

– نعم طلباتكم أيها الشيخ الجليل، وقبل أن ينطق الشيخ، انبرى شخص يدعى السيد قرأ آية من القرآن الكريم، تكلم قليلا عن الحق والوفاء وترك المجال للشيوخ والحاضرين يتناوبون الكلام، ويخفضون من المبلغ حسب السياقات المتبعة في قضايا الفصول العشائرية، لتنتهي عند حدود الخمسة ملايين.

 

– يحاول الشيخ تقليلها فالمسألة لا تستحق الفصل أصلا، يصر الشيخ المقابل على أن خمسة ملايين هو المبلغ المحدد لعملية الدفع الآتية من طفل قبل البلوغ.

 

– وهل هي تسعيرة؟.

 

– لا انها ليست تسعيرة، فهي عرف لعشيرتنا.

 

يتدخل المدرس صاغرا:

 

– سأدفعها حالا، لاجنبكم الحرج.

 

– سارحل عن جار قد أدفع فصلا لجيرته كل يوم.

 

سأغادر هذه المنطقة الى أخرى لا يتواجد فيها شيوخ يفصلون لأبسط الأمور. وسادة يجيء بهم ليتكلمون.

 

– همس في اذنه أحد الجالسين الى جانبه قائلا.

 

– ومن قال لك أن صاحب العمة الذي تكلم سيد؟.

 

انه ليس سيد، هو من الأفاقين لسانه سليط، يتكلم بثقة عالية بالنفس، وقد أستأجروه بمئة ألف دينار.

 

– وما قصة الشيخ.

 

– ان الشيخ كذلك مزور فهو من عشاق السيدة أنتصار.

 

أجابه بقد من اليأس:

 

– لا الله الا الله، هل يعقل أننا وصلنا الى هذه الحدود.

 

– نعم لقد وصلنا الى أكثر من هذا، أنا الآن قلق أتمنى أن يجلب أبو محمد المبلغ في الحال لنخرج من هنا سالمين.

 

مشاركة