شجرة الكستناء
رياض الدليمي
ما أن أسند رأسه على يديه المتشابكتين خلفه وهو راقد تحت شجرة الكستناء التي لم تكن ملامحها متجلية في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة ، راح الرجل سارحا وغارقا بصمته وصورة ليلى هي العلامة المشرقة في ليله ، خيم على فكره وقلبه متوجسا من حدس ألمَّ بأفكاره المتلاطمة بطيات أخيلته ودقائق غضبه وخوفه .
رجل بقلب معطوب وروح تشهق حزنا وقلقا ، نبضاته تتصارع تجدها كإعصار تسونامي تارة وبركان هجيع ، تذكر كلمات ليلى وهي ترمي عليه يمين الغياب حمل ثقيل كجبل أودعت على عاتقه الروح والوجود والخلق ليتدبره ، فلم يملك فرصة الرفض سوى الاذعان بقبوله مجبرا ، ينتابه الضعف والوهن وصورة ليلى التي فرّت منه الى اللامكان والى لحظة صفرية ، لحظة تتساوى فيها الأمكنة والأزمنة وعقارب الوقت وتلاشي الأحلام.
هذا الرجل لم يكن الحب شفيعا له أمام ليلى ابنة الكستناء وحفيدة الحناء .
ليلى لا ذنب لها سوى كانت تحلق على أزاهير صباحاته وترطب شفاهه بندى الجوري وتطرب سمعه بزقزقات الشوق ، رجل تمرد على ذاته في حروب فينازعه الموت عند غياب ليلى تارة وحرب مستعرة في أخرى ، شوقه المجنون يأكل أحشائه لينل بسمة مرسومة على محياها .
ليلى هلال عيد مختلف عليه في أناه ، احتفال وأهازيج لمقدمه ، أو عدة مكملة لصوم غرّة أيام ماضية وآتية ، يختلف هو وأناه ، فكيف سيكون محل اعرابها في أناته ؟ ، رجل حالم ، وطنه جنح مكسور وحياته ثمة أشجار كستناء وهدير حمام ، كم هو رفيف هذا الرجل الذي بات نفحة حب في فم ناي عتيق ؟
نايًّ في مخاض عسير مرتبك في أبجديات العزف لا يحسد على حال ، عيد مختلف عليه وأمة صائمة منذ حين !
خاو هو منك يا ليلي ، عارٍ من الحلم ، حتى أوراق الكستناء بعيدة عنه ، جسده بلا ستر ، ولم تكن حلكة الليل محرما جائزا لصلاته ، أية قبلة سيولّي لصلاة غيابك ؟ .
كم يحزنه هذا الرجل مزاج ليلى عندما رآى الاشياء كلها فيها ، وعندما تراه كأي قمر سابح في سماوتها !!
باتت روحه وردة بنفسج تغار من رفيقاتها حين تتغنج الفراشات فوق بتلاتها تاركة اياه للحزن ولعطرها الدفين .