شاعر يمارس الإعتدال الوطني – نصوص – عبد الحميد الرشودي

الجواهري ينتصر للرصافي

شاعر يمارس الإعتدال الوطني  – نصوص – عبد الحميد الرشودي

كانت الدعوة الى انتخابات المجلس التأسيسي قد جوبهت بمعارضة شديدة فاصدر المجتهدون في النجف وكربلاء والكاظمية فتاوى شرعية بحرمة المشاركة فيها وقد كانت حجة هؤلاء الأئمة المجتهدين مشروطة بوجوب الغاء الإدارة العرفية، واطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات وسحب المستشارين من الالوية الى بغداد وإعادة المنفيين السياسيين من هنجام والهند (بلا قيد او شرط وإلغاء القرارات المتعلقة بابعادهم والسماح بتأليف الجمعيات. ولاشك ان بعض هذه الشروط لا تخلو من تعجيز واحراج للحكومة وان مباشرة الانتخابات كما يرى المعتدلون فرصة جديدة تتيح للامة ممارسة حقا من حقوقها الدستورية وهي خطوة أولى على طريق الديمقراطية التي لم يكن للعراقيين بها عهد في السابق وكان من هؤلاء المعتدلين الذين يرون هذا الرأي ويدعون اليه معروف الرصافي فكتب في العدد الأول من جريدته (الامل) الصادر يوم الاثنين 1 / تشرين الأول سنة 1923 مقالا بعنوان (الأكثرية الشيعية في العراق) وقد اثار هذا المقال غضب بعض المتطرفين فاوسعوا الرصافي لوما وتثريبا وقد انتصر لموقف الرصافي هذا الشاب محمد مهدي الجواهري ولتمام الفائدة رأينا نشر المـــقال المذكور والقصيدة التي انتصر فيها الجواهري للرصافي.

الأكثرية الشيعية في العراق

العنصر الإسلامي في العراق هو الذي تتألف منه الأكثرية الساحقة، واخواننا الشيعيون هم الأكثرية فيه فانهم يؤلفون 60 في المئة من مجموع المسلمين العراقيين، ولذلك فلا عجب ولا غرو اذا خصصنا هذا المقال بهذا الفريق الكبير العدد الذي كان له ماض مجيد في تاريخ هذا القطر وسيكون له فيه مستقبل متناسب في زهوه وبهائه مع ما يبرزه من المقدرة والكفاءة. نحن لسنا طائفيين، واسوأ شيء لدينا هو البحث في المسائل الطائفية لأننا نطلب لهذه الامة وهذا الوطن وحدة وطنية تعلو فوق النعرات الطائفية والمذهبية ولكن الموقف الحالي الذي وقفه إخواننا الشيعيون الذين شيدوا هذا الملك العزيز فوق جماجمهم وعظام ابطالهم وكرامهم يسوقنا الى بسط هذا المقال. للشيعيين في هذا القطر ميزتان الأولى ميزة الأكثرية، والثاني ميزة المفاداة والتضحية في سبيل المبدأ الوطني وقد تجلى ذلك في كثير من المواقف سواء ذلك في عهد الترك ام عهد الاحتلال ولقد كتبوا امجد صفحة في تاريخ القطر بعظام شهدائهم مغموسة بالدماء الطاهرة والنجيع الزكي ولو أصاب الشيعيون بسهم وافر من التعليم والارتقاء لكان لهم في هذه المملكة شأن غير شأنهم اليوم. ان هذه المزايا والمفاخر التي تتوج مفرق هذه الأكثرية المحترمة لا تمنعنا من سوق الملام والعتاب اليها بسبب التردد والاحجام عن مشارفة كثير من المسائل الوطنية التي يتوقف نقضها وابرامها على وحدة الامة وتكاتف قادتها وطوائفها وجماعاتها في دفع الضير وجلب الخير، والشيعيون الذين كانوا في طليعة صفوف هذه الامة المتراصة أيام الاحن والفتن والثورات والاضطرابات جدير بهم ان يخرجوا من عزلتهم الحاضرة ويشارفوا شؤون هذه المملكة الواقفة على أبواب مستقبل رهيب لا نعرف ماذا يحمل بين طياته من سعادة او شقاء. ليس اليوم اجدر واحق من إخواننا الشيعيين بالنظر في مصالح هذه البلاد والسيطرة على سياستها وادارتها كأكثرية يجب ان تنال نصيبها من الحكم والإدارة ولكن هل يتفق هذا مع العزلة الحاضرة والانزواء الحالي والتباعد الملموس المحسوس؟ هل يجوز لامة اشترت هذا الاستقلال بدمائها وشادت هذا السلطان على اكتافها ان تقف موقف المتفرج الذي لا يهمه شيء مما يجري حوله؟ والبلاد اليوم تلبس حلة سياسية جديدة فهل يجدر بأهم عضو في جسمها الا يكتسي بقسطه من هذه الحلة؟ اننا قانعون بان هذه الاقتراحات تصادف صدورا رحبة، وعقولا ناضجة مستعدة لقبولها والعمل بها، لان موقفنا الحاضر يتطلب مرونة وحركة وتجددا لا تعصبا وتصلبا. ومن الجهل الفاضح ان نخدع في اصعب مواقفنا واحرج مآزقنا بأقاويل المغرضين وان ننصاع لاضاليل المضلين فنترك حبل الأمور على غاربها ونتقاعد عن العمل والتكاتف للخروج بالامة ظافرة خافقة اللواء من ميدان جهادها السياسي وها نحن الان واقفون على أبواب المجلس التأسيسي والمعاهدة والدستور. فالتبعة عظيمة، والمسؤولية خطيرة ولكن الباب مفتوح على مصراعيه لمن أراد ان يشترك في هذه المعمعة السياسية الحاضرة ولا يلام الا المتقاعد المتكاسل الذي ينتحل لكسله وتقاعده المعاذير. ان الأساليب التي جرينا عليها خلال العامين الماضيين قد اثبتت التجارب عقمها وسقمها فانها لم تنتج الا الاضرار الفادحة والمساوئ الجمة وقد ضرزنا البلاد بها اكثر مما نفعناها، وهذه الحقيقة المرة التي ينبغي ان نقابلها وجها لوجه اذا كنا شجعانا يجب ان تكون دافعا لنا الى تغيير الشكل السياسي الذي سرنا عليه حتى اليوم وان نجري على طراز جديد لتحقيق آمالنا وامانينا الوطنية السامية، فالعبرة بالجواهر لا بالاعراض وبالحقائق لا بالاشكال، فننتقل من السلب الى الايجاب، ومن الامتناع الى الاشتراك ونكسب بالتودد والمجاملة مالم نقدر على اكتسابه بالطرق المعروفة التي اتبعناها حتى اليوم، ولا نظن إخواننا الشيعيين البسلاء الا متبعين هذه الخطة الجديدة التي اظهر الزمان فائدتها بل ضرورة التحول عن غيرها والانتقال اليها، فالبلاد بلادهم، والمستقبل مستقبلهم وفيهم والحمد لله الكثير من ذوي الآراء السديدة والعقول الناضجة. اما قصيدة الجواهري التي انتصر فيها للرصافي فقد نشرتها جريدة (الامل) في العدد 22 الصادر في 27 تشرين الأول سنة 1923 تحت عنوان (صوت من النجف الاشرف) او صدى مقالة الأكثرية الشيعية في العراق) وقدمت بين يدها هذه التوطئة: (احدث بعض تجار الوطنية في هذه العاصمة ضجة كبيرة في الصحف حول مقال نشرته هذه الجريدة بعنوان (الأكثرية الشيعية في العراق) فاساء ذلك الضجيج عقلاء الامة في جميع انحاء القطر ولاسيما في النجف فقد جاءتنا كتب عدة يستحسن فيها مرسلوها وهم من علية القوم خطتنا وبالخاصة مقالتنا تلك ويستهجنون دعوى المتاجرين المنافقين كما وردت الينا قصائد شائقة من افاضل ذلك المركز الديني الخطير توجت هامنا بتاج من الشرف والمجد وها نحن ننشر الان احداها وهي لفاضل نجفي معروف طالما تحلت صحفنا العراقية بقصائده الرائقة وازدانت بادبه الجم:

انابغة الدين الذي دون عرضه

تدافع يسراه وتحمي يمينه

مقالك هز المشرقين وقد بكى

لما هاجه وكن الصفا وحجونه

شحذت له الذهن الذكي توقدا

كما شحذت عضب الغرار قيونه

فجاء كما راقت شمول اجادها

بنا جودها دهر اسفت سننه

وما كنت شيعيا ولكن مذهبا

دعاك لكف الظن عنه يقينه

صدقت فأما ذنبه فسكوته

لدنيا واما عاره فسكونه

كثير محبوه الكرام وانما

لما قد عراه اخرستهم شجونه

**********

هو الدين اما حاكمته خصومه

فقرآنه يقضي عليهم مبينه

وما هو الا واحد في جميعه

وان رجم الغاوي وساءت ظنونه

اخلاي ما احلى التآلف في الهوى

اذا كثرت عذاله وعيونه

هلموا فهذا الروض زاه اريضه

لنرتاده والماء صاف معينه

نسير معا لا العرق مني بنابض

سواكم ولا عهد الاخاء اخونه

فلو ريم كشف الستر عن قبر احمد

اذا لشجانا ندبه وحنينه

تجمعنا من امره لو نطيعه

ووحدتنا من عهده لو نصونه

**********

اعد نصرة الإسلام تقضي ديونه

سيجزيك عنه الله فالدين دينه

اثرها على اسم الله نفثة واجد

تهيج الذي يطوى عليه حزينه

الست الذي ان قال اصغت لشعره

ورود الحمى واستنشدته غصونه

يبين له السحر الخفي اذا خفى

على غيره ما لا يكاد يبينه

ترقص أوتار الحشا نغماته

يخال بها مس الصبا او جنونه

فلا تبتئس ان طاولتك قصائر

وناطحك الكبش الخفاء قرونه

فذلك دأب الدهر جرع من مضى

بمثل الذي جرعته نجنونه

مضى عالم الآداب عنا فهذه

حقائقه تفنى ويحيا مجونه

وللعلم مثل الشعب عمر مقدر

وكلاً واواه خان للموت حينه

افي العدل يعلو من ذباب طــــنينه

ويصغر بالليث الهزبر عرينه

ويسكن عن حق ويغرى بباطل

وتغضى على هضم الابي جفونه

ويظلم من كانت تهش لقوله

سهول الفلا شوقا وتبكي حزونه

يردد في صدح الهزاز صداحه

وتستقطر الصخر الاصم لحونه

وما كان بالمستضعف العزم من سطا

بغز المعاني والمعاني تعينه

وراءك أقلام يهون وقعها

شبا السيف ان ساوى القرين قرينه

تمد بها ايد طوال يطيعها الـ

بيان جنيبا ان تعاصت فنونه

يرقرقها الفكر الغــــزير كأنه

مصب غدير طافحات منونه