شارع المتنبي

LOAY

زمان جديد

لؤي زهرة

‭(‬اعلمُ‭ ‬بأن‭ ‬الحقيقة‭ ‬موجعة‭ . ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يشفع‭ ‬لي‭ ‬عندكم‭ ‬انها‭ ‬الحقيقة‭)‬

اليوم‭ ‬هو‭ ‬الجمعة‭  ‬والساعة‭  ‬تشير‭ ‬الى‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحاً‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يكتظ‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭  ‬بالوافدين‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬،‭ ‬ينتشرُ‭ ‬باعة‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الطريق‭ ‬وهم‭ ‬يعرضون‭ ‬سلعهم‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬؛‭ ‬اضطرُ‭ ‬في‭ ‬احايين‭ ‬كثيرة‭ ‬أن‭ ‬اقف‭ ‬وأستمتع‭ ‬برؤية‭ ‬كتاب‭ ‬مطروح‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬طالما‭ ‬تمنيتُ‭ ‬شراءه‭ . ‬تذكرت‭  ‬شطر‭ ‬بيت‭ ‬المتنبي‭ ‬وهو‭ ‬يمتدح‭ ‬الكتاب‭ ‬بقوله‭ ( ‬وخير‭ ‬جليسٍ‭ ‬في‭ ‬الزمانِ‭ ‬كتابُ‭) ‬فهل‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬خير‭ ‬جليس‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬،‭ ‬فلو‭ ‬عقدنا‭ ‬مقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬بين‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الأحذية‭ ‬وبائعي‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬سنصطدم‭ ‬بتلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬فبائعي‭ ‬الأحذية‭ ‬يضعون‭ ‬سلعتهم‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬زجاجية‭ ‬تقيها‭ ‬حر‭ ‬الصيف‭ ‬وبرد‭ ‬الشتاء‭ ‬بينما‭ ‬بائعي‭ ‬الكتب‭ ‬يطرحون‭ ‬سلعتهم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بمستوى‭ ‬أقدام‭ ‬البشر‭ . ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يدعو‭ ‬للدهشة‭ ‬والإستغراب‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الكتب‭ ‬حين‭ ‬تتحول‭ ‬الى‭ ‬جثة‭ ‬هامدة‭ ‬او‭ ‬حجرٍ‭ ‬مرمي‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬وتباع‭ ‬كأية‭ ‬سلعة‭ ( ‬حاجة‭ ‬بربع‭ ) ‬او‭ ( ‬حاجة‭ ‬بألف‭ ) ‬أقف‭ ‬أمام‭ ‬تلك‭ ( ‬الكومة‭ ) ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬و‭ ‬أتساءل‭  : ‬كم‭ ‬عكف‭ ‬مؤلف‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬وهو‭  ‬يسطر‭ ‬فيه‭ ‬عصارة‭ ‬جهده‭ ‬وخلاصة‭ ‬فكره‭ ‬؟‭  ‬تُرى‭ ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬؟‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬كتابه‭ ‬يباع‭ ‬بطرقة‭  ‬‮«‬‭ ‬الروبابيكيا‭ ‬المصرية‭ ‬‮«‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬‭ ‬عتيق‭ ‬للبيع‭ ‬العراقية‭ ‬‮«‬‭  ! . ‬عرض‭ ‬خاص‭ ‬قدمه‭ ‬بائع‭ ‬الكتب‭ ‬لي‭ ‬حين‭ ‬همس‭ ‬بأذني‭  ‬‮«‬‭ ‬خمسة‭ ‬بألف‭  ‬‮«‬‭  ‬لذلك‭ ‬اتخذتُ‭ ‬وضع‭ ‬الضفدع‭ ‬و‭ ‬رحتُ‭ ‬أقلبها‭  ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬منها‭ ‬أملأ‭ ‬بها‭ ‬فراغ‭ ‬مكتبتي‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬العنوان‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬يهمني‭ ‬هو‭ ‬حجمه‭ ‬طالما‭ ‬قررتُ‭ ‬ان‭ ‬اتبع‭ ‬سياسة‭ ‬ملئ‭ ‬الفراغ‭ ‬الأمريكية‭ ‬؛‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الكتب‭ ‬بيدي‭ ‬و‭( ‬الألف‭ ‬دينار‭) ‬غادر‭ ‬جيبي‭ ‬ليستقر‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬بائع‭ ‬الكتب‭  ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬اغادر‭ ‬المكان‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬كتاباً‭ ‬لصديقي‭  ( ‬البحث‭ ‬المستنير‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬التنظير‭ ) ‬الله‭ ‬وحدهُ‭ ‬يعلم‭ ‬كم‭ ‬ضحكتُ‭ ‬في‭ ‬سري‭ ‬وانا‭ ‬أجد‭ ‬كتابه‭ ‬ملقى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ( ‬الكومة‭ )‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يقلبه‭ ‬،‭ ‬سألت‭ ‬صاحب‭ ‬الكتب‭ : ‬بكم‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬؟‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منهُ‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬رفعه‭ ‬وتفحصه‭ ‬وقلبه‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬بائعوا‭ ( ‬البطيخ‭ ‬والرقي‭ ) ‬وقال‭ ‬لي‭ : ‬‮«‬خذهُ‭ ‬هدية‭ ‬فوق‭ ‬البيعة‭ ‬‮«‬‭ ‬؛‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أهون‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الحصار‭ ‬حين‭ ‬تحوّلت‭ ‬أوراق‭ ‬كتب‭ ‬نفيسة‭ ‬الى‭ ‬أكياسٍ‭ ‬لبيع‭ ‬‮«‬‭ ‬حب‭ ‬الشمس‭ ‬‮«‬‭ ‬؟؟

مشاركة