لعبة تغيير المواقع ستحدث في الشرق حتماً
سوريا مصدر الإستقرار والقلق
جاسم مراد
محورية سوريا تجعلها مصدر الاستقرار والقلق في المنطقة والعالم ، فلا أحد من الدول الناشئة أو تلك التي تتلاعب بالخرائط الجوسياسية يمكنها أن تغير من تأثيرات الشام في السلم والحرب على المنطقة والعالم . فما يجري حالياً في كرواتيا له علاقة بسوريا وما جرى في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي لايخرج عن تأثيرات الساحة السورية وفي مصر ولبنان والعراق سوريا حاضرة فيهما من حيث الاستقرار والقلق ، أما فلسطين واسرائيل تحديداً فسوريا لاتخرج عن مفاعيلهما . إذن سوريا كتاريخ وجغرافية وموقع جيولبتيكي حاضرة في كل الاحداث ، شاء من شاء وابى من أبى ، كما يقول المرحوم ياسر عرفات ، فهي الشام على مر العصور والاديان والخلافات واللغات ، وهي وحدها التي بقي من مدنها مثل معلولا تحكي لغة النبي عيسى ، فمن يجاريها، ومن يتصور إنه غالبها.
انتباه الروس
الاحداث التي وقعت في كييف لاتخرج عن كونها جزء من السياسة الغربية الامريكية لتغيير وجهة الصراع وجعل روسيا الاتحادية مجبرة على التعاطي مع خارطة التغيير التي يراد لها أن تحدث في سوريا ، سيما بعد فشل ثلاث سنوات من الحرب الكونية ضد سوريا ، ولكن القيادة الروسية كانت منتبهة لاحداث كرواتيا ، فغيرت مسارها من قلق لخاصرة روسيا الاتحادية إلى قوة فاعلة لها عبر القرم الذي يشكل جوهر كرواتيا وروسيا على حد سواء المطل على البحر الاسود ومن ثم البحر الابيض المتوسط ، وبعد هذه التطورات السريعة مضافاً اليها تأثيرات روسيا الفعلية على الاقتصاد الاوروبي جعلت من تقديرات واشنطن في كرواتيا على سوريا ليست ذات تأثير في الحسابات الروسية .
شكل الخلاف
لقد كانت الخلافات بين اعضاء مجلس التعاون الخليجي ، والاقدام على قطع العلاقات الدبلوماسية بين ثلاث دول مع قطر ، شكل أعلى مراحل الاختلاف والصراع بين دول هذه المنظومة ، وليس هناك جديد إذا قلنا إن رهانات بعض دول الخليج العربي ومعهم تركيا على سقوط سوريا وتوزيعها إلى كيانات عرقية ومذهبية وانتفال هذه السياسة لباقي دول المنطقة وخاصة العراق ، قد فشلت تماما ، وتحولت التحالفات بين أطراف التدخل في سوريا إلى صراعات بينهما ، إذ كان ذلك عبر المنظمات المسلحة الموزعة الولاءات بين الدول الداعمة لها ، أو عبر الخلافات الســــــــياسية بين الدول ذاتها ، ولاندري قد تتحول إلى صدامات على الحدود والموارد ، إذا تطورت بينهما ولم تحّل .
إن البحث عن حلول لوقف تداعيات الاحداث المستمرة في اكثر من مكان ، لم يعد جنيف ( 2) قادر لاستيعابها ولملمتها والخروج بنتائج مرضية لجميع الاطراف ، حيث مايحدث على الارض قد غير الكثير من موازين القوى وجعل سوريا الدولة اكثر قوة على الارض وفي الحوارات السياسية من الاطراف الاخرى ، ولو اطلعنا على جزء من خارطة الميدان لتوصلنا إلى نتيجة مفادها إن أطراف التدخل والدعم للمنظمات المسلحة لم تعد تمتلك الكثير من الاوراق ، اللهم سوى المزيد من القتل واسالة دماء الشعب السوري وتدمير البنى التحتية ومثل هذا السلوك بإمكان أبع مجانين أن يقوموا به وليس منظمات مدعومة من دول المال .فالجيش السوري قد تمكن من السيطرة وتحرير مناطق بابا عمر ، وحمص والكثير من ريفها والسفيرة وخناصر والسلمية في جبهة حلب إضافة لسيطرته على الجبهة الجنوبية من حلب وكذلك القصير وحمص القديمة ويبرود وهي المنطقة المهمة لدعم المسلحين من مناطق عرسال اللبنانية حيث تم اقفالها وريف دمشق من الحجيرة وبليبلة حتى مخيم اليرموك حيث توقف الجيش من اقتحامة وترك معالجته للمنظمات الفلسطينية ، والعديد من المناطق الاخرى تم السيطرة عليها ، ومن المتوقع بعد معركة يبرود سيتوجه الجيش العربي السوري لحسم المعركة في بعض مناطق حلب وبذلك يطوق التدخل التركي من جهة حلب ، فيما تمكن ثوار الحزب الديمقراطي الكردي السوري من تحرير الكثير من مناطق دير الزور بالتعاون مع الجيش السوري .
المعركة اصبحت واضحة وسوريا الدولة هي الفاعلة في الميدان ، فيما تتحرك سياسيا لوضع ترتيبات جديدة تكفل مشاركة القوى الوطنية والديمقراطية السورية بصناعة القرار .
ايران لاعب اساس
ايران الدولة الحليفة لسوريا ، باتت تتحرك بوضوح في ساحة الدول الغربية وتوصل رسائلها، التي تتركز على إن الحل السياسي في سوريا هو الدرب الوحيد للوصول لمعالجات الازمة ، وان بشار الاسد هو الافضل لمسك زمام الأمور ووقف تشظي الازمة ووصولها للدول الغربية ، هذا الطرح بات يؤثر على صناع السياسة الاوروبية وهو الاكثر مقبولية في حركة الصراع الدائرة الان ، وكانت زيارة ممثلة الاتحاد الاوروبي كاثرين لطهران وسبقها وزير الخارجية البلجيكي قد اعطت تصورات مقبولة عن الوضع السوري لدى الاوروبيين ، على غير الطرح الذي يقدمه اطراف التدخل في سوريا ، والذي لايرقى لأكثر من دعم المنظمات المسلحة الارهابية واسقاط النظام السوري مهما كان الثمن ، ومثل هذه الافكار الساخنة قد تجاوزتها
تطورات الوضع الميداني السوري ، وخاصة مايتعلق بالمصالحات الوطنية داخل المدن السورية التي سحبت البساط من المسلحين وكذلك من دول التدخل .
الدول مصالح
ايران نجحت ليس فقط في ايصال رسائلها للاوربيين وسياستها الدبلوماسية الهادئة والمثيرة للجدل في الاوساط الغربية ، وإنما نجحت كطرف اساسي في الازمة السورية لايمكن تخطيها مثلما أرادت امريكا وبعض دول الخليج ، وهذا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون يعترف بأن ايران عنصر اساسي في معالجة الازمة السورية ، فيما ذهب الاخضر الابراهيمي لطهران يتلمس منها المساعدة في الحل . ونعتقد حسب المؤشرات السياسية الغربية بأن ايران ستكون الطرف الاول اللاعب في منطقة الشرق الاوسط برغبة اوروبية امريكية ، وتفاصيل مثل هذا المشروع الذي تتبعه الكثير من المتغيرات ستحدث لاحقاً ، ومن لايرى بالمنخل حركة التبدلات بين الخياله هو اصلاً لايريد رؤية الشمس ، فالدول مصالح وعلاقات عامة للحفاظ على هذه المصالح ، وهذا مايجري بالمنطقة الان ولاحقاً ، وإيران تعرف ذلك وتتعامل معه بحنكة دبلوماسية واقتصادية ، ولعل مشروع الغاز العماني الايراني واحداً من ابرز تلك التبدلات .
اردوغان ونفط الشمال
المهم مانريد التأكيد عليه ، إن مختلف الضغوطات الغربية لم تغير الموقف الروسي ولا رؤيتها لتأسيس تحالــــــفات دولية إقليمية مؤثرة في صياغة اقطاب بدلاً من القطب الواحد ، وهذا مايحصل فعلياً ولايسعنا كمواطنين عرب إلا الترحيب بروسيا القادمة .
ولكن تبقى تركيا اردوغان فالكثير من المحللين الغربين والاتراك يجمعون بأن مســــــــألة الرشى داخل محطة اردوغان وبين اطراف حزب العدالة والتنمية الاسلامي هي جزء من الضغوط الامريكية على تركيا لوقف اندفــــــــــاعاتها الزائدة ، وقد تكون هذه الضغوط بوابة التبدلات القادمة في تركيا ، ولاننسى إن رهان اردوغان على تغيير النظام السوري وصعود الاطراف السياسية المتشددة بما فيهما الاخوان المسلمين قد فشل هو الأخر ، وبات اردوغان يركز على تعميق الخلاف بين بغداد واربيل وفتح اكثر من منفذ للتجارة وتهــــــــريب النفط وشراءه باسعار بخسة بالضد من بغداد فالطــــــــرفان يسعيان لاضعاف بغداد وهذا مايحصل ، ولكن يبقى السؤال المطروح هل تستطيع حكــــــــــومة بغداد الصمود والدفاع عن مصـــــالح شعب العراق ، هذا ايضـــــــــاً مرتبط بتطـورات الاوضاع بالمنطقة .