سوريا تواجه سيناريو التقسيم والمعارضة تستبعد نجاحه
روما ــ الزمان
يتردد كلام متعدد المصادر والمستويات عن احتمال تقسيم سوريا فيما لو وجد النظام نفسه على حافة الانهيار والسقوط، ويستند الكلام إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي تعيشها سوريا منذ عقود، ويجزم البعض بأن أحد أهم سيناريوهات النظام هو التقسيم ، فيما تؤكد المعارضة على استحالة ذلك.
التقسيم الذي يتم الحديث عنه في سوريا لا يقتصر على احتمال اقتطاع جزء من البلاد في المنطقة الساحلية الغربية التي ينحدر منه الرئيس السوري وأركان نظامه والتي يقيم فيها مؤيدوه والعلويون من طائفته، بل ينسحب الكلام على احتمال تقسيم سوريا إلى كيانات متعددة ومتنوعة، وأن تتحول إلى كيانات أحدها قومي وآخر ديني وثالث طائفي وربما كيان رابع إقليمي، بحيث تنهار وتُقسم إلى أربع أو خمس كيانات مختلفة التوجهات والسياسات ومتناقضة إلى درجة العداء.
الكلام عن تقسيم سوريا ليس جديداً، فمنذ عقود تُطرح مجموعة من الأفكار السياسية حول مستقبل سوريا والمنطقة، ويتحدث المتشائمون الأكثر تطرفاً عن التقسيم كمخرج للنظام فيما لو حُشر في زاوية ، لكن ضغط العوامل الداخلية والخارجية كانت تمنع تكريس هذه الفكرة وخاصة مع إصرار السوريين على بقاء بلدهم كياناً موحّداً، ولأن أي فكرة للتقسيم لن تفيد إلا مصالح أعداء سوريا من جهة ولن تُلبي مصالح إلا فئات محلية محدودة.
مع انسداد أفق الحل السياسي للأزمة السورية، واتساع المواجهات المسلحة وارتفاع مستوى دمويتها، وازدياد التحشيد القومي والديني والطائفي، وصعود دعوات التطرف الديني والقومي والفئوي، عادت الفكرة إلى الواجهة، وبدأ يتحدث عديدون عن دولة لها طابع قومي تجمع الأكراد في شمال سوريا، ودولة لها طابع طائفي ديني في غرب سورية على الساحل للنظام وأتباعه من العلويين، وأخرى تضم مكونات دينية وطائفية من الأقليات كالدروز والمسيحيين، وأخرى رئيسية تكون للغالبية السنية التي تسكن سورية والتي تشكّل نحو 75 من السكان.
ويقول معارضون إن النظام السوري يخشى الهزيمة والانتقام الطائفي ، ولذلك بدأ بإنشاء منطقة خاصة به في معقله التقليدي على طول الجبال الساحلية السورية، تضم حمص وغرب حماة وغرب إدلب وحتى شمال غرب سوريا، أي شريط يقتطع الجزء الغربي من البلاد، وتذهب بعض قوى المعارضة السورية الأكثر تشدداً لاتهام النظام بأنه شرع بـ التطهير العرقي للقرى السنّية التي قد تدخل ضمن المخطط التقسيمي لإخافة أهلها وإفراغها من سكانها، ويستندون إلى هذه الحجة للدعوة إلى الإسراع للتوصل إلى حل للأزمة يضمن إسقاط النظام قبل تنفيذ مخططه.
وتتهم أطراف بالمعارضة النظام السوري بأنه حاول منذ انطلاق الثورة تجييش العلويين طائفياً، ووجدت دعوته أرضاً خصبة ، خاصة وأن المجتمع الدولي أعرب عن نيّته عدم التدخل عسكرياً في سوريا كما أنه لن يُسلّح الثوار، وبعد أن بدأت الكفة العسكرية تميل لصالح الثوار، وسيطرتهم على مناطق شاسعة من سوريا، بدأ النظام بتدمير هذه المناطق وفق سياسة الأرض المحروقة ، وبدأ العلويون يرحلون إلى مناطقهم ومدنهم غرب سوريا والآمنة بالنسبة لهم، وبحث النظام وأنصاره وحلفائه عن سيناريو احتياطي بديل وهو الدويلة العلوية في إطار شكل جديد للدولة في سورية يقسم البلاد إلى كانتونات طائفية وعرقية ويفصل ويضعف المركز السنّي ومناطقه اقتصادياً وسياسياً تحت مسميات عديدة فيدرالية، كونفيدرالية، حكم ذاتي، لامركزية سياسية إدارية… إلخ.
المعارض السوري فايز سارة قال ما جرى من مجازر في ريف حمص وحماة وإدلب وسط سوريا على طول شريط يحاذي مناطق تواجد العلويين المؤيدين للرئيس الأسد ليس صدفة، بل هو سياسة مرسومة هدفها ترهيب السكان لتفريغ هذه المناطق من أهلها السنّة تمهيداً لتشكيل دويلة علوية على طول الشريط الساحلي في سوريا .
وأضاف مخطط يهدف أيضاً إلى فصل شمال سوريا حلب وحماة عن جنوبها دمشق تمهيداً لتوافق أمريكي ــ روسي ــ إيراني بتقسيم البلاد إلى كانتونات في إطار دولة كونفيدرالية ذات سلطة مركزية ضعيفة جداً في حال أسقطت الثورة عسكرياً أو كادت النظام الحالي .
لكن النظام في سوريا وفق العديد من المعارضين السياسيين المعتدلين ليس علوياً أو مسيحياً أو سنياً أو درزياً، بل هو نظام استبدادي قمعي فاسد معاد لشعبه، وهو لا يدافع عن طائفته بل عن ما نهبه من الشعب وامتيازات المرتبطين به . ويرون أنه من الخطأ الفادح سياسياً محاربته باعتباره نظاماً علوياً، لأن ذلك سيُجبر العلويين على الدفاع عنه دفاعاً عن أنفسهم، وسيجعل انفكاكهم عنه أمراً صعباً، وسيدفع بسوريا إلى الحرب الأهلية .
وحول رفض الداخل والخارج لتقسيم سوريا، قال سارة في الداخل السوري ثمة فئات واسعة تمانع التقسيم، ليس بفعل ثقافتها وإرثها السياسي، إنما أيضاً بفعل وعيها للمصالح المشتركة للسوريين، إضافة إلى أن ثورة السوريين في انطلاقتها سعت من خلال شعاراتها إلى إعادة تأكيد وحدة وتضامن السوريين، والتي جرى التحريض ضدها من جانب النظام وقوى وقفت إلى جانبه أو بالقرب منه، وبالتالي يمكن القول إن الميزان الداخلي يميل إلى مقاومة فكرة التقسيم، وهو الأقرب إلى الحفاظ على كيان سوري موحد، ويوفر لسكانه الحرية والكرامة، وتتعايش في إطاره كل المكونات السورية من دون تمييز .
أما الناشط السياسي وائل السواح قال لا يضمن النظام الطائفة التي أعلن نفسه ناطقاً باسمها وحامياً لها، فلئن كان هناك شق من الطائفة يدعمه، فإن مئات ألوف السوريين الوطنيين من طائفته لا يمكنهم القبول بفكرة تقسيم وطنهم وانعزالهم في دويلة مذهبية وسيحاربون هذه الفكرة ويصطفون مع الوطن الأم، ولن يقبل بحكم الأسد في دويلته آلاف العلويين الذين شاركوا في الثورة منذ اليوم الأول، وإلى جانب هؤلاء ستصطف أسرهم وأصدقاؤهم ومحيطهم الاجتماعي الذي لن يضحي بأبنائه من أجل عائلة ترغب بتقسيم سوريا في إشارة إلى عائلة الرئيس الأسد.
يؤكد المراقبون على استحالة قيام مثل هذه الدولة المفترضة، لأن الواقع السكاني والديمغرافي الطائفي في هذه المناطق معقّد ومتداخل لدرجة يصعب فصلها، فهناك أكثرية سنّية من الصعب تهجيرها، ونسبة غير قليلة من المسيحيين لن تقبل التقسيم، وعدد غير قليل من العلويين المعارضين للنظام والرافضين لمبدأ التقسيم، ومن بينهم رجال دين وعسكريين ومثقفين، فضلاً عن رفض المجتمع الدولي المتوقع لمثل هذا الاحتمال.
ولكن لا يكمن نفي أن بعض البيئات المعارضة السنّية المتشددة تقيم حالة من التماهي بين النظام والطائفة العلوية في سوريا، لا نلاحظها في نظرتها إلى المكونات الأخرى حتى لو ارتفعت فيها نسبة الموالاة للنظام، وكلما طال أمد الصراع متعدد المستويات على الساحة السورية، ازدادت مخاطر طرح التقسيم أو المحاصصة الطائفية في تحديد مصائر الكيان السوري، فمن لبنان تطل المخاوف المسيحية إضافة إلى تورّط حزب الله عسكرياً في الصراع السوري، ومن الشمال ترتفع المطالبات الكردية بالنظام الفيدرالي، في حين أن الروس والإيرانيين لا يخفون أن أحد خياراتهم الأخيرة قد يكون تقسيم سوريا وإقامة دولة للعلويين في قسمها الغربي مع احتمال إقامة دولة للدروز في جنوب سورير.
يقول المعارض فواز تللو ليس أمام الشعب السوري والثوار لتحقيق كل ذلك إلا خيار إسقاط واستئصال النظام عسكرياً مرة واحدة وإلى الأبد، فالنظام وأنصاره لم يتركوا أمامهم إلا هذا الخيار .. ورأى أن الأمر يتحقق فقط بدخول كل المناطق العلوية ونزع السلاح الذي دجج النظام به هذه المناطق تمهيداً للعدالة التي ستطال كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري بغض النظر عن طائفته، فالعدالة وفق القانون وعن طريق المحاكم هي الضمانات والتطمينات الوحيدة والممر الإلزامي الوحيد لدخول العلويين من جديد في النسيج السوري الذي دمرته أغلبيتهم الساحقة بعد أن جرتهم حفنة من اللصوص القتلة خلفها في مغامرتها الطائفية .
AZP02