سوريا: الأصدقاء والأعداء

سوريا: الأصدقاء والأعداء

روبرت فيسك
ترجمة: بشار عبدالله
يزداد العنف سوءا. والجامعة العربية تنفض يديها في يأس. وقد تتكلم السيدة كلينتون بغضب وغرور في الأمم المتحدة. لكن النظام السوري وأنصار حزب البعث القديم لا يتزحزحان. العرب وحدهم لا يشعرون بدهشة. ذلك أن سوريا ــ “الأم العربية الواحدة”، أم الشعب العربي، كما يقول البعثيون ــ مخلوق صعب، وحكامها هم من بين الأعند في الشرق الأوسط، معتادون علي رفع الأصدقاء وكبس الأعداء. و”رفض” سوريا أي شيء غير الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان في مقابل السلام يشبه إلي حد كبير “رفض” ديغول الشهير دخول بريطانيا في الاتحاد الأوربي.
صحيح، أن النظام السوري لم يواجه من قبل معارضة بهذا الحجم. وإذا كان القتلي لا لم يصل عددهم حتي الآن إلي ما يقرب من 10 آلاف أو 20 ألفا قتيل جراء انتفاضة مدينة حماة في العام 1982، التي عالجها الرئيس حافظ الأسد، فإن طبيعة حجم التمرد اليوم، وحالات الفرار من الجيش السوري، وفقدان الحلفاء الرب باستثناء لبنان، البلد الصغير، وطبعا ? التنامي البطيء لبوادر حرب أهلية كل هذه تجعل سوريا أمام أخطر لحظة في تاريخها ما بعد الاستقلال. تري كيف يمكن للرئيس بشار الاسد الصمود؟
حسنا، هناك روسيا، طبعا، وعزم بوتين وميدفيديف علي عدم الوقوع في مأزق الغرب في الأمم المتحدة، كما سبق أن فشلا في الاعتراض علي فرض مناطق حظر لجوي علي ليبيا والتي أدت مباشرة إلي انهيار القذافي. وهناك إيران، التي ما تزال سوريا بالنسبة لها المنطلق العربي. وربما يكون صحيحا إلي حد كبير الشك الايراني في احتمال تعرض سوريا لهجوم دولي أساسا بسبب هذا التحالف بينهما. وبالتالي فإن ضرب سوريا البعثية ورئيسها الشيعي العلوي، سيصيب عمق إيران نفسها في مقتل. وهناك أيضا إسرائيل، التي يندر أن تنطق بكلمة عن سوريا لأنها تخشي من احتمال أن يحل محل نظامها نظام أكثر تعنتا.
ولكن سوريا هي أيضا رمز. فهي عيون العرب، البلد العربي الوحيد الذي تحدي الغرب في رفضه اتفاق سلام غير عادل في منطقة الشرق الأوسط. وحده، رفض اتفاقية سلام أنور السادات مع إسرائيل. وحده، الذي أدار ظهره لياسر عرفات بعد اتفاقه اليائس علي “السلام” مع اسرائيل. وتاريخيا، تحدت سوريا وحدها المحتل الفرنسي في العام 1920 ثم مرة أخري في العام 1946 حتي احترق برلمان دمشق فوق رؤوس المدافعين عن حقوق سوريا. وفي الوقت الذي يختار العديد من اللبنانيين نسيان تاريخهم، فإن الحقيقة الراسخة التي لم تزل قائمة هي أن معظم اللبنانيين بعد الحرب العالمية الأولي، كانوا يفضلون أن تبقي أراضيهم جزءا من سوريا ــ أنظر نتائج لجنة كينغ كرين ــ علي العيش في دولة مستقلة تحت رعاية فرنسية.
وبعيدا عما تحب أمريكا أن تدعيه من أن سوريا دولة قائمة علي التوسع، فإن الحقيقة هي أن سوريا لديها أراض ما تزال مقتطعة منها. فقد فقدت لبنان بسبب المكائد الفرنسية. وفقدت الاسكندرون في العام 1939 عندما سلمته فرنسا إلي تركيا بعد استفتاء احتيالي علي أمل أن أن ينظم لقاءه الأتراك الي تحالف الحلفاء ضد هتلر. كما فقدت الجولان التي ذهبت لاسرائيل في العام 1967. إن لسوريا كدولة ــ قبل نظامها ــ تعاطف واحترام كبيران في العالم العربي. والرئيس بشار الأسد ــ الذي لا يتملق مثل حسني مبارك في مصر ولا يتصف بالجنون مثل القذافي في ليبيا ــ يعرف كل هذه الحقائق.
لكن البعث ليس “العروبة”، ومع ذلك فإن الكثير من مؤيديه قد يعلنون العكس. إن عقودا من الاستقرار لم تخلص سوريا من الفساد. وعززت بالتالي نظاما يتصف بالاستبداد، وهو شأن الأنظمة التي تحملها العرب لسنوات طويلة: الاستبداد أفضل من الفوضي، والسلام أفضل من الحرية، وإن كانت الأقلية الشيعية هي المهيمنة، فإن العلمانية أفضل من الطائفية. والسبب، هو أن كل من يريد من السوريين رؤية نتائج دولة طائفية، فما عليه إلا أن ينظر إلي الحرب الأهلية في لبنان.
إنني بكثير من الحرج، أعود بذاكرتي الآن إلي ذلك الصراع الرهيب والكلمات القاسية التي كتبتها منذ سنوات عدة: أن اليوم سيأتي، بعد سنوات من وجود “قوات حفظ السلام” العسكرية السورية في لبنان، عندما يمكن أن يُطلب من الجيش اللبناني القيام بدور “حفظ السلام “في سوريا. في ذلك الوقت، كان كلامي أشبه بنكتة شريرة. ولكن ربما ليس الآن. فواقع الأمر، أن أي قوة سلام لبنانية في سوريا ــ فيها تمثيل الجميع الطوائف في لبنان «من سنة، وشيعة، ومسيحية مارونية، وأرثوذكسية ودروز وأرمن» ــ قد تكون سبيلا نحو إخماد حرب أهلية هناك. من سخريات القدر، ربما، أننا وجدنا حضورا للجيش السوري في لبنان خلال السنوات 1976 ــ 2005. وهو أمر مستحيل بالطبع. لكنه يظهر طبيعة التغيير السياسي في الشرق الأوسط.
في واقع الأمر، قد تلجأ الحكومة السورية إلي القتال وحدها. وهذا ما تفعله دائما. فعقيدة الأب الأسد والابن واحدة دائما تقوم علي الصبر. تمسك بقوة، مهما كانت ادانة بقية دول العالم، ومهما تفاقمت تهديدات إسرائيل أو أمريكا ــ في نهاية المطاف، ستتحول دورة عجلة الحظ من جديد في صالحك.
قد توحي المذبحة الفظيعة في حمص ومناطق أخري من سوريا، وقطع الرؤوس والتعذيب، بأن عمر بقاء الرئيس الأسد في الحكم يتناقص. فالناس يموتون في سوريا مثلما لقي الناس في مصر وليبيا واليمن حتوفهم. غير أن معركتهم تتسبب بالفعل بانقسامات طائفية في شمال لبنان، وتجد مكانها داخل البرلمان اللبناني، علي الرغم من أن هذا الأمر لن يكون أولوية في سلّم اهتمام الحكومة السورية.
إن معركة البقاء أمر فظيع وعلي ما يبدو فإن الرئيس بشار الأسد ما يزال يعتقد أن بإمكانه أن يصمد من خلال حزمة الاصلاحات المقترحة قبل تفكك سوريا. ويبدو أن لا أحد خارج سوريا يعتقد بأنه سينجح في ذلك. ولكن ثمة سؤال واحد يفرض نفسه الآن: لنفترض أن النظام صمد وبقي قائما، تري أي نوع من سوريا سيحكم؟
المصدر: ذي اندبندنت

/2/2012 Issue 4116 – Date 7- Azzaman International Newspape

جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4116 – التاريخ 7/2/2012

AZP07