سنوات تعد أرقاماً
اعتاد رجل طويل القامة نحيف الجسد يحضر كل يوم فيه دوام . يرتدي بدلة صيفية . تليق بالسنين التي تحدد عمره اربع سنوات تضاف فوق العقد الخامس.
منذ بدء الساعات الاولى انشغلت افكاره بالسنين التي مضت جالسة على مقاعد ديلاب الهوى تعد وتدور ولايحس بها.كانت معظم احاديثه تتركز حول ارقام الايام التي قضاها جالسا على مقاعد الدراسة وتعد ثمانية عشر عاما.وبعدها اكمل كلية الهندسة وتخرج من ضمن العشرة الاوائل .
تأمل في النهاية فرحة التعيين عندما دخل لأول مرة للدائرة . تقع مقابل شاطئ يمتلك ذراعين طولين يكسوان هاذين الضفتين . اشجار باسقة كأنها زخارف اسلامية جميلة هندسية منتظمة كالمربع والمستطيل والمثلث والدائرة . تجذب انتباه السائح الجلوس تحتها ويتفرج على اثمارها المتعددة الاسماء. وهذه الاثمار لها ميزة تختلف عن بقية اثمار دول العالم لطعمها وذوقها. وهاتان الذراعان يمتدان بأتجاه الجنوب الى مسافات تقدر بمئات الكيلو مترات.
يتفرع هذا الشاطئ من جهة اليمين لمدينة تكثر فيها الاسماك المشهورة بجودة لحمها وذوقها تعرف ((سمك سدة الهندية)) استمرت جلسته على الكرسي احس بضيق صدره اثناء هبوب ذرات التراب الى داخل قاعته.
ويضيف الرجل:
هم جاءت ايام شهري نيسان ومايس في هذا العام.تحدث له مضايقات اعطته السنين السابقة تجربة كبيرة وواسعة.كأنها احلام ترافق الصغار حديثي الولادة يتصورها تدغدغ شفاههم المغيزيل ويقول لهم :
لقد مات ابوك فيحزن ويبكي وتخرج الدموع من مآقي العيون.
ومرة اخرى يقول لهم :
لقد جاء ابوك يحمل هدية لكم تضحك الاطفال ويفرحون .أخذ جسده النحيف يتأثر ويتألم كلما تقدمت عقارب الساعة.غادرها الى قاعة اخرى لم تصلها ذرات التراب حتى اكمل دوامه اثناء مغادرته الى البيت الواقع ضمن الاحياء الشعبية الحديثة على جانبي (شارع 60) عند دخوله مباشرة للبيت توجه بسرعة الى غرفته في الطابق الثاني.
رمى بجسده المثقل بالتعب على سريره رقد عليه.
دخلت زوجته الحامل وبصوت متحمس وحنين قالت له:
أاجلب لك الطعام وتباطئ بصوته وقال :
ليس لي نفس بالطعام.علق الرجل بنظراته حول بطنها المنتفخة..
وبحماس قالت له :
لقد رزقت بجنين عندما ذهبت الى احدى المزارات الدينية . طلبت نذرا منه تحقق ذلك شفتاه تكشف عن ابتسامة ضعيفة ويهتف بصوت بطيء:
حافظي عليه ليدوم اسمي خلال السنين التي ستأتي .يازوجتي لم تحصلي على طفل في تلك الايام التي مضت سيكون هذا الطفل مرزوقا ومباركا ان شاءالله .عيناه أخذت تدور حول جدران الغرفة حتى وصلت سقفها باحثة عن الخلود ففارق الحياة اسرعت الزوجة وفتحت الباب ونادت على جارها القريب واخبرته بعد دقائق تعد.
جاءت سيارة الاسعاف وانطلقت به بأتجاه المستشفى العام ودموعها لم تنقطع طوال الدرب.
كشف تقرير الطبيب الذي فحصه حيث كان في ريحانة العز في شبابه.
فهز رأسه الفحمي وقال بصوت حزين :
(البقاء في حياتك) لقد فارق الحياة قبل ساعتين. اذهبي لأحضار شهادة الوفاء له لتسرعي لدفنه.
كاظم عبدان النجفي
AZPPPL