سنة جديدة من عمر العراق – علي الشكري
مر يومان من عمر السنة الجديدة ، وقد ولدت وسط احتفالات العالم الحذر المتوجس من هجمات تنظيم كورونا الشرس ، الذي دّق بضراوة ولما يزل أبواب كل العالم ، المتقدم والمتخلف ، الغني والفقير ، المتدين والمتحرر ، الشرقي والغربي ، المتطور والمتأخر طبياً، بل نال من قادة ورؤساء ، كثيراً ما هزؤا منه وقللوا من خطره وكذبوا ما قيل عنه فأصابهم بعدواه ، ونقلهم من القصور الى المشافي . واللافت أن كل العالم كان ولما يزل يحذّر من هذا الوباء ، الا العراق الذي قال شعبه بنظرية المؤامرة ، وأكذوبة الوباء ، وخرافة الخطر، فسقط في شركه الرياضي والسياسي ، العليل والمعافى ، الطبيب والعالم ، الشيخ والشاب ، فحصد عدد لا يستهان به من الأرواح .
وفي رأس السنة الجديدة أغلقت مدن تنبض بالحياة ، وفرضت بلاد حظر للتجوال ، ومُنعت فنادق ومقاهي وصالات ومسارح من استقبال المحتفلين لا بقصد التقييد ، أو بهدف النيل من الساعين للاحتفال ، أو تصفية لحساب ديني ، ولكن بغاية التوقي والحذر وحفظ النفس ، الا في بلدي العراق ، امتلئت الشوارع بالمحتفلين ، وغصت الفنادق بالساهرين ، وراحت بغداد كما المحافظات تغص بالخارجين على الوباء، لا على التوجيه والأمر والنصيحة حسب ، وبدلاً من الاحتفاء بالقادم الجديد الذي تمنى عليه كل العالم أن يكون خير من سلفه ، وأفضل من سابقه ، قطف الاحتفال الطائش ارواح الأبرياء الذين تطلعوا لعام جديد ، وشارعة بديلة ، وبديل أفضل ، أما الجرحى فقد راحت المستشفيات تغص بهم ، ولا تعلم أتعيب المحتفي بالقادم ، وقد راح الفقر يتفشى ، والمرض ينتشر ، والجهل يتوسع وسوء الخدمات يسود ، وقلت المال يطفو ، والفساد يتصاعد ؟
أم تعيب من لم يتمكن من بسط نفوذ الدولة وهيبة القانون وسطوة السلطة ؟ لا بقصد الاستبداد ولكن بغاية حفظ الروح والمال والأمن والصحة ، عجيب أمرك العراقي ، تقول بالاعتدال ، وأنت في حبك متطرف ، وفي كرامك مسرف ، وفي شجاعتك متهور ، وفي نقدك لإذاع ، وفي دعمك تجود ، وفي ذودك عن الآخر تفتدي ، وفي طاعتك تنحني ، وفي انفجارك تدمر ، وفي حزنك تعتكف ، وفي فرحك تموت . ألم يأن الأوان ، لتعيش كما العالم ، حراً ، سعيداً ، أمناً ، متعايشاً ، منتشياً ، تنعم بالاستقرار ، فقد قضيت جل تاريخك ، حروب واحتلالات وانتكاسات ، ثم نضالات وتحرير وانتصارات ، ودم شعبك منذور ، ومالك مهدور ، وأمنك مضطرب ، ينام الآخر وشعبك يحرس ، ينعم القريب والغريب بخيراتك ، وشعبك يتضجور جوعاً ، تبتبني البلدان ، وحجرك يتقادم ، ومبانيك تتآكل ومالك يهدر ، بين منهوب ومنفوق على الغير وآلة الحرب ، حتى راح الحزن سمة شعبك ، والقهر طابع أجيالك ، والمآسي سمة تاريخك ، والخوف من الحاضر واقع يومك ، وظلمة القادم مستقبل اجيالك ، عجيب أمرك العراق تطّلع الى أرضك الباحث عن العلم والمال والدين والمدنية والحاضرة ، وشعبك تطلع للعالم بحثاً عن المستقبل والأمن والصحة والتعليم والهواء ……….، وكل يوم يمضي يتطلع شعبك للأفضل ، واذا بماضيه افضل من حاضره ، وأمسه أأمن من يومه ، ويومه خير من غده ، وكلنا يعيب على كلنا ، وجميعنا يشخّص ويحلل وينُظّر ويقترح ، وكلنا مغلوب على أمره ، ولا نعلم أنعيب الجغرافيا التي جعلتنا الأكثر تميزاً ، أم التاريخ والإرث والحضارة التي أرعبت العالم ، حتى راح يتوجس منا خيفة ؟ أم نعيب من وليناه أمرنا فراح يشبع غروره على حساب مجد الوطن ؟
أم نعيب شعبنا الذي يخضع ويهادن ويداهن وينحني فيصنع الطغاة ؟ ويقيناً أن العيب فينا ، فالشعب مصنع الطغاة ، بآلته يُصنع الحكام ، فما من حاكم ولد عادل وشعبه خاضع ، مثلما ما من حاكم ولد ظالم ، وشعبه أبي ينبض بالحياة ، فكيفما يكون الشعب ، يولى الحاكم ، وعسى أن يتعض الشعب لقادم الأيام ، ويتعض من خياراته الخاطئة وربما صوته المستبدل ، برصيد هاتف نقال ، أو ورقة خضراء أو حمراء ، أو وعد بتعيين أو تطوع ، أو تبليط ، فالمصير على المحك ، والقادم الفيصل ، أم تصحيح وتصويب ، أو لات حين مندم .