سلطة الإعلام
إن إطلاق تسمية (السلطة الرابعة) على الإعلام ، هو إطلاق نسبي ، يدعونا إلى البحث الجدي عن تسمية أخرى تقربنا من دوره الريادي الفاعل الحساس ، هكذا جالت في خاطري هذه الفكرة ، وهي تبحث عن مدخل منطقي لنقل مفهوم متداول من معنى السلطة الرابعة إلى معنى أكثر دلالة وإيضاحا ، آخذا بنظر الاعتبار أن الصحافة اليوم والأمس وغداً ،هي مفصل فاعل ومؤثر في كل تفاصيل الحياة ، عُهد إليها مهمة صياغة الحياة بكل نواحيها وكتابتها بالشكل المرئي والمسموع والمكتوب.
الصحافة قلم جبار يكتب عن كل الملامح البارزة والخفية ، القريبة والبعيدة ، المفاجئة والاعتيادية بما استطاع من رؤية يراها ، وهي تبحث دوما عن الغرابة ، والحدث الأهم ، والإثارة الممتعة ، والصاعقة المفاجئة!، فتراها لذلك تضخم من أهمية العنوان المتفرد ، ولاتأبه لحدث عابر لايستوقفها كثيرا. الصحافة تنظيرا: هي من تهمه الحقيقة والبحث عنها ، فالأحداث تصنع الحقائق ، والصحافة تطلبها ، وتطلبها بأي ثمن كان ؛ كي تدونها في صحيفة المصداقية ، وأهم مايجب أن يميز عمل الصحافة ، هو الحيادية والمصداقية والإنسانية والمراعاتية في نقل الخبر ، وإذا ماأرادت الصحافة أن تكون محبوبة منتصرة تكتب في الوجدان في جميع الأحوال ، عليها أن تكون دوما مع الحق ، وان تبتعد قدر الإمكان عن المهاترة ، والتحريض، ومايثير الريبة والشكوك ، وأن لاتنقل عن ناقل ، وإنما تنقل عن الحدث مباشرة ، وان تخفي ملامح الخبر المخجل بمااستوجبته مراعاة مشاعر الآخرين ، وان تذهب بأضوائها لتسلطها على الفقراء والمحرومين والمتوجعين ، والمغيبين من العباقرة الذين لم تنصفهم عملة الزيف وو..الخ، فبذلك وجدتُ أن الصحافة هي السلطة رقم (1) مكرر ، لاالسلطة الرابعة كما أسموها ولكنها لاتصح بديلا عنها في أي حال من الأحوال ، فللسلطة وجوه : وجه تشريعي ، وآخر تنفيذي ، وآخر إعلامي ، الوجه الإعلامي بإمكانه أن يشير إلى مكامن الخطأ لدى الوجهين الآخرين ، ويقترح بإصلاحهما ، أو إبدالهما ، الوجه الإعلامي ينزل إلى الساحة ، فيتعرف على مدى النجاح الشعبي لما بدر من السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وبإمكان الصحافة أن ترافق بنود تطبيق القانون ذهابا وإيابا ، بينما ترافق السلطتان الأخريان القانون ذهابا أوإيابا ، ولا بد للصحافة أيضا من أن تتمتع بثقافة عالية تمكنها من الاستعانة بالحكمة والإنسانية ، فلا يتحدد دور الصحفي هنا بالناقل أو المخبر ، وإنما عليه أيضا أن يكون ذا دور إصلاحي خيري يسعى إلى الإصلاح ، وحقن الدماء ، ودرأ الفتن قدر الإمكان ، كي يتحول إلى قديس محبب لدى الجميع فالإعلام بإمكانه أن يكون حاضنة حقيقية للكفاءات من خلال النقل الصائب للحقيقة ، والفراسة المعرفية في تداول منقولاتها ومعقولاتها ، وكذلك من خلال تجاوز الخط الأحمر (وهو القدرة على التمييز بين الزيف والحقيقة)، وكثيرا ماتترادف ألفاظ ،الإعلام، والكتاب، والشعراء ، والثقافة ، والحضارة ، لتجتمع في (مؤتمر الكلمة) ، فاختص (الإعلاميون) بالدلالة الإعلامية للكلمة ، واختص (الشعراء) بالدلالة الشعرية للكلمة، واختص (الكتاب) بالدلالة الكتابية للكلمة، واختصت (الثقافة) بالدلالتين الروحية والسلوكية للكلمة ، وبهذا انفض المؤتمر وذهب كل واحد من هؤلاء إلى ممارسة اختصاصه ، ولكن الإعلام تمييز عن البقية كونه ممرا حساسا ، بإمكانه أن يصنع شيئا ما أو لايصنعه في موقف معين يكثر الطلب عليه!
السلطة مكرر (1)، يجب أن لاتكون واجهة خلفية (للسلاطين) ، وإنما يجب أن تستكمل مربعها في نقل الصورة كاملة المرئية والمسموعة ، والمستوحاة ، والمحجوبة ، وأن يكون لهذه السلطة حرمة خاصة لايمكن تجاوزها من أي كائن كان (لأنها تمثل رمزية الكيان المقدس لوجود الشعب فهي التمثيل البرلماني الدائم للشعب وللحقيقة، أم ترانا نسينا ذلك فاعتبرنا أن الشعب ممثل فقط بسلطة برلمان محددة ،هي هذه التي نعرفها اليوم!) ، لستُ هنا مشرعا صحفيا ، ولا أريد أن أكون كذلك ، ذلك أن مهمة التشريع تحتاج مني إلى أمانة ثقيلة لايحتملها كتفي الذي أنهكته الوجدانيات التي تحرض دوما على الإنجاب المتزايد ، لكني أردتُ من السلطة مكرر (1) ، أن تكون وجدانا يسعى له السلطان نزولا باتجاه (التواضع) والانسلاخ من مركزيته للاندماج بالمستضعفين ، ويسعى له المرء البسيط صعودا باتجاه (الإكبار) .. إنها مرآتنا جميعا ، نطوف بها من أجل الحقيقة الناصعة!
رحيم الشاهر
/9/2012 Issue 4303 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4303 التاريخ 13»9»2012
AZPPPL