
فاتح عبدالسلام
لغة المبادرات التي نسمع عنها رسمياً أو ما يتم تسريبه منها، للخروج من حالة الشلل في المشهد السياسي، هي لغة التراضي والتوافق في أبسط توصيف. ولأنَّ جميع الأطراف تعرف حدود المسافة التي يجب ألا تتجاوز عليها في أي مسار تمضي فيه، فإننا نرى الجميع ينطلقون من النقطة صفر الى النقطة في نهاية المسار، ويعودون منها جيئة وذهاباً مثل المكوك كأنّهم سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب ما صنعت ايديهم في تسع عشرة سنة ضاعت هباءً، هو أمر شديد الوطأة عليهم جميعاً.
التوافقية الاضطرارية حين قامت الحكومات الأولى تحت جناح الحاكم الأمريكي بول بريمر، انتهى مفعولها، وكانت هناك فرصة كبيرة للشروع بتجاوزها التدريجي بعد الانسحاب الأمريكي، لكن أحداً من القوى لم يتحرك، بل لم يفكر أصلاً في حقيقة انّ العملية السياسية هي نتاج أولي لمؤتمر المعارضة الهش في لندن قبل سقوط النظام السابق، وتعزّزت في كنف الاحتلال الأمريكي ودور دول الجوار، وانَّ تلك العملية السياسية السارية حتى اليوم ليست أبدية في مرتكزاتها الأساسية لاسيما التوافقية، وانّ الانتقال الى الإرادة العراقية في رسم الهوية الحقيقية للبلد هو استحقاق واجب الشروع به، وانَّ التأخر عنه هو الذي يقودنا الى هذا الوضع المستعصي اليوم.
الأقطاب السياسية اعتادت على مسارات التراضي خوفا من بعضها البعض الاخر، ولعدم نمو جو من الثقة السياسية المرتبطة بالتداولية الصحيحة للسلطة البعيدة عن المؤثرات المبالغ فيها.
لا يمكن لأي مراقب أن يفصل هذا الانسداد السياسي في عملية انتاج حكومة جديدة، عن انسداد ذاتي وداخلي أكبر تعاني منه جميع القوى السياسية في آلياتها ودهاليزها العميقة وطرق انتاج زعاماتها وهيمنة مراكز قوى غير مستحقة الاستمرارية عليها. فمن اين نحصل على سياسي منفتح الآفاق بسعة الوطن إذا كان هو بالكاد يتلمس طريقه بين جدران حزبه العالية المنغلقة بحثاً عن نافذة؟
حتى لو جرى تجاوز العقبات اليوم، والذهاب الى حكومة تحت اغطية مبادرات حفظ ماء الوجه، فإنّ المضي في هذا المسار لن يكون طويلاً، لأنه لايزال ملتوياً ومتعرجاً، ويخبيء مع كل منعطف مفاجأة، قد تكون أكبر من سعة المسار ذاته، وهنا تكون احتمالية التصدع غير مستبعدة أبدا.
رئيس التحرير- الطبعة الدولية



















