سقطت ورقة التوت – كامل كريم الدليمي
تعبير يقال عند انكشاف ما هو مستور من أمر فاضح ، ويقال في أصل العبارة أن آدم عليه السلام وحواء سترا نفسيهما عندما بدت سوأتهما بورقة من شجر التوت أو هكذا رسخ عند البشر هذا الظن .
هل زيارة بومبيو وزير الخارجية الامريكي اسقطت ورقة التوت عن المعسكر السياسي العراقي المنقسم ، وهل تصريحات وزير الخارجية العراقي بتعميم مشهد الزيارة وتقليل اهميتها من خلال كلام عائم (اننا ناقشنا العلاقات الثنائية ما بين البلدين والملفات المهمة ومحاربة الارهاب بالعالم) ماشاء الله وزير خارجيتنا يناقش مجابهة الارهاب بالعالم !!
طبعاً البيان الدبلوماسي ممكن ان يُصاغ بهذه الطريقة لأي زيارة او لقاء وممكن ان يتضمن هذا الكلام ، لكن زيارة بومبيو اهميتها نابعة من عنصرين اساسيين اولاً ؛ توقيت الزيارة الغير معلن والمفاجيء ، وثانياً ؛ الاربع ساعات التي كانت كافية لوزير الخارجية الامريكي بتفريغ ما بجعبته من كلام او رسائل ، او تهيئة لاتفاقات تقع ضمن اطار التصعيد الامريكي الايراني والعمل على تحجيم دور ايران في العراق !!
كل التصريحات بعد الزيارة لم تحمل ولا معلومة حقيقية لفحوى الزيارة ، الجميع تحدث بدبلوماسية عالية وكأنهم يخفون خلف الدبلوماسية اسرار مخيفة ، امريكا وايران محور صراع مهم على ارض العراق ، سواءً أكان الصراع اقتصادياً من خلال الحصار المفروض على ايران ومدى ضرره على المنطقة ، او مواجهه سياسية من خلال الوجود الذي تمتلكهُ ايران وامريكا على ارض العراق وتأثيرهما داخل الساحة العراقية ، او صراع مجابهة مباشرة ومعركة حقيقية وامريكا لاتمتلك حدوداً جغرافية مع ايران لذا تطمح لاستخدام ارض العراق للمواجهة ، بكل الحالات العراق خاسر ، هل استطاع الاخ عبد المهدي والدكتور برهم من امتصاص الغضب الامريكي وابعاد شرور صراعاتهم عنا ، هل خيار اختصار اللقاءات بشخصين فقط لإيصال رسائل او التعبير عن الامتعاض من اشخاص السلطة الاخرين ، طلاسم الزيارة مزعجة وتوقيتها جاءت ضمن مهرجان القلق العراقي حيث دخلت العقوبات الامريكية على ايران حيز التنفيذ ومطلوب من العراق موقف حازم مع او ضد ، هل الزيارة تسببت في كشف المستور ، بما معناه هل الزيارة كانت سبباً لكشف من يسير مع المشروع الامريكي ومن يحاول ان يعطي صورة الاعتدال في زمن التمحور ؟
الزيارة اسقطت ورقة التوت واظهرت ضعف التسيق المشترك ما بين امريكا والعراق ، وعززت الانقسام السياسي في الموقف من العقوبات تجاه ايران ، وجعلت مواقع التواصل الاجتماعي وگروبات النخب تشتعل بالتحليلات التي اضفت شيئاً من التعقيد وضياع حقيقة الزيارة وهل حققت الزيارة اهدافها المرجوة ، جميعاً كنا ننتظر بيانات حكومية رصينة توضح للعالم اهداف الزيارة وما تمخضت عنها المباحثات ، تفاجئنا ببيانات وتغريدات دبلماسية اقرب لطمس معالم الزيارة واخفاء اثارها .
بومبيو لم يقطع المحيطات والاف الكيلومترات لكي يمنحنا تمديد الاستثناء بالتعامل مع ايران اقتصادياً رغم العقوبات ، لكنه جاء برسائل مفادها انتم معنا ام ضدنا واعتقد اخذ الاجوبة سلباً ام ايجاباً الله واعلم .
عموماً امريكا تعول على العراق كثيراً في المواجهه مع ايران وإيران تعول على العراق كثيراً في مواجهه امريكا. والعراق غير قادر على صياغة موقف موحد يتناسب وحجم الخطر القادم ويتناغم مع الحفاظ على مصالح العراق وشعبه تحت عنوان (العراق وشعبه اولا) ، في ظل هذا الارباك السياسي والتشتت وتعدد المواقف وفقدان القرار المركزي الوطني المحدد العراق سيصبح طرفاً بالصراع ان رضينا ام ابينا ، وان تجنب ايران وامريكا الصراع ايضاً ستتضرر علاقاتنا الخارجية بسبب عدم التمكن من صياغة الموقف الوطني وتَبنَّيه لتجنب التحديات المستقبلية .
العراق يعيش حالة من القلق والارباك السياسي لم يمر به سابقاً وحجم التحدي القادم قد يفاجئنا بنتائج قد لايحمد عقباها ، ان لم نتمكن من اتخاذ المواقف والقرارات الصعبة وصياغتها بما يتناسب وتحديات المرحلة لكي نستطيع حماية العراق وشعبه .
عموماً زيارة بومــــبيو بهذا التوقــيت مؤشر خطير في التوصل لحلول سلمية بين امريكا وايران .