سرقات – هدى جاسم

سرقات – هدى جاسم

الوقت يتسرب من بين ايدينا واحيانا يجبرنا على المضي مسرعين نحو اهداف لاتمت الينا باي صلة فقط لانها قد تدعم وجودنا في هذا العالم الذي اصبح في الكثير من مرافقه اصطناعيا مخادعا ومروجا لاحلام ليست احلامنا ولطموحات ليست طموحاتنا. نتلفت ونحن نقلب اجهزتنا الاكترونية فلربما كان احدهم بالقرب يتلصص على عقولنا ومخيلتنا وهي ترسم احلام كان لها وقع في كل ازماننا التي مضت والقادم منها ، نخشى من سرقة صور وذكريات مطبوعة في عقولنا وهي ليست في اجهزتنا بشكل مطلق ، نتلفت خوفا فثمة من يحاول ان يختبئ خلف انسانيته المزيفة ليسرق كلمة وطموح وحلم ، بتنا نرتجف من حركة وتقاطيع هي لاناس رحلوا عنا منذ وقت طويل ويحاول العالم الافتراضي ان يصلهم بنا ،نقترب منهم وهم بنفس اعمارهم عندما رحلوا ونحن قد شخنا وهرمت وجوهنا فبتنا لانمت اليهم بصلة سوى بحنين نخاف افوله بين زحمة تلك الصور الافتراضية . احينا تاخذنا الصور ومقاطع الوجود الافتراضي الى عالم ليس عالمنا تحت تاثير موسيقى جميلة تجعلنا نكمل الرحلة مرغمين لنعرف نهاية الحكاية فيما اذا كانت واقعية بما يعتقده ذلك العالم الجديد ، لنجد اننا قد اصبحنا متقوقعين تحت تأثير مخدر تكنلوجي لا نقوى على مقاومته لانه يستغل عاطفتنا واشتياقنا لمن نحب ولمن قضينا معهم جل اعمارنا وقد رحلوا عنا بشكل مفاجئ ، يستغل هذا العالم حاجتنا وعاطفتنا ويدخل في عمقها لنمنحه صورنا وصور اهلنا واحبابنا ليقربنا ومنهم وصنع لنا صوره تجمعنا بهم دون ان نكلف انفسنا عناء الفراق والدموع ، نبتسم امام تلك الصور التي صنعت لنا صورة اقتراب جديد واحيانا نضعها في بيوتنا وكانهم مازالوا هنا قربنا . لا ادري ان ان كان الوقت القادم سيصنع لنا العابا لاجساد تتحرك بروح وصفات من رحلوا عنا بعد ان نمنح الاجهزة الالكترونية كل تفاصيل ذكرياتنا معهم وكيف كانوا يتحدثون ويتصرفون في المواقف مهما اختلفت بعناوينها ، بت اخشى تماما على ذكرياتي وحتى احزاني ووجعي على احبتي لئلا تسرق مني بضغوط الاشتياق لامنح الاجهزة ماتريد وهي تقوم بصنع عالم جديد تنسلخ منه الاحاسيس وتخاطب العقل بلا روح .

نعم الوقت يتسرب منا دون ان ندرك ان هناك من يخطط لسرقتنا وسرقة ذكرياتنا واحلامنا بكبسة زر خطط لها منذوقت طويل ، هناك من يحاول باسم العلم والتطور ان يحول حدائق بيوتنا الى اماكن وقبور لتلك الذكريات التي صنعناها بتعب ايام وسنين طوال ، هناك من يحاول ان يبعث لنا رسائل مشفرة تتفكك رموزها بان نجعل ذاكرتنا تحت سيطرتهم ليعبثوا بها كيفما قررت ماكنتهم العلمية المتطورة ، هناك من يحاول ان يصنع ذاكرة بلا روح نضعها في مخيلتنا ونسير بها في طرقات هم من وضعوا فيها اشارات المرور وعملوا على ان نتوقف في اللحظة التي يعلمون بها اننا لم نعد ضمن اهدافهم المتوقعة ، لنحذر جميعا من عالم جديد لا يشبهنا .

مشاركة