ساركوزي والمسلمون
نصيف الجبوري
سيقول الشعب الفرنسي كلمته الفصل يوم الاحد السادس من مايس. وفي مساء ذلك اليوم عندما تفرز اصوات الناخبين سنتعرف على الفائز بالاغلبية البسيطة ليقود فرنسا ويكون رئيسها الجديد لمدة خمسة اعوام قادمة. لقد كانت برامج المرشحين للرئاسة مثيرة للجدل وتطرق فيها كل مرشح عن برنامجه من جميع الوجوه لا سيما الجانب الاقتصادي والمالي في ظل الازمة العالمية اضافة الى الجوانب الاجتماعية والامنية وسياسته الاوربية والعالمية. تلك البرامج باتت تمس حياة المواطنين اكثر مما مضى واضحت السياسة تتدخل حتى في الحياة الشخصية لافراد الشعب الفرنسي في كل الميادين كالشغل والمدرسة والدوائر الحكومية والأموال الشخصية والعامة بل حتى الاحوال الشخصية.
هناك قرارات مهمة وقوانين كثيرة سيصار الى صياغتها وتنفيذها في حالة فوز هذا المرشح او ذاك، بعضها تتعلق بعموم الفرنسيين وبعضها تخص الجالية الاسلامية والمقيمين الاجانب بهذا البلد، كتطبيق وعود مشاركة الاجانب في الانتخابات البلدية وتراخيص المدارس الخاصة وبناء المساجد وتقنين اللباس الاسلامي في الاماكن العامة والمتاجرة باللحم الحلال وصورة العرب والاسلام عموما لدى وسائل الاعلام الرسمية.
أليس من الغريب حقا ان تغفل الجالية اهمية اصوات افرادها المقدرة ببضعة ملايين صوت؟ ولم تتمكن حتى هذه اللحظة من خلق ثقافة لمسلمي فرنسا، تشرح لهم اهمية الاستفادة من اصوات الجالية خدمة للمصالح الاسلامية العليا في هذا البلد، وضرورة التمييز بين العدو والصديق في البلدان غير المسلمة. فليس من المعقول ان يبقى أقراد تلك الجالية في عزلة عن المجتمع الفرنسي بحجة كونه مجتمع غير مسلم، وليس من المعقول ايضا ان تفكر الجالية لتحقيق مطالبها دفعة واحدة او ترفض كل شيء. ان سنة الحياة تحتم علينا التدرج في استرداد الحقوق، فقد تعاهد رسول الله مع مشركي قريش في صلح الحديبية وقبل بشروط صعبة وعسيرة في ظاهرها حتى انه محى كلمة رسول الله من المعاهذة لصالح الاسلام والمسلمين.
ان قضية الانتخابات تخص كل القاطنين في فرنسا لان برنامج كل مرشح يطبق على الجميع علمانيين ومسيحيين ويهود ومسلمين، وليس لنا بديل سوى القبول بالموافقة النسبية، اي منح الاصوات للمرشح الاقرب لتحقيق مصالح المسلمين. ولعل اهم المعايير التي ينبغي اتباعها هو ان يكون ذلك المرشح اقرب الى العدالة من غيره في سياسته مع الفرنسيين دون تمييز وان يكون ضد العنصرية بكل اشكالها، وان يضمن المساعدات الاجتماعية للضعفاء والفقراء وان يحارب البطالة ويدعو الى التكامل الطوعي وان يمنح الاقامات للأجانب الذين اضطرتهم الظروف الصعبة في بلدانهم المجيء الى فرنسا. بالمقابل فإن معايير المرشح الاكثر بعدا عن الجالية الاسلامية ولا ينبغي انتخابه بأي حال من الاحوال، هو ذلك المرشح الذي يحمل افكارا عنصرية ويؤلب طبقة على اخرى او قومية على قومية او دين على دين، ويشيع مظاهر الظلم والفساد في شعبه، ويقوم بحرمان الطبقات الفقيرة من حقوقها ويساند الشركات الكبرى ويمنحها الحرية في فرض الضرائب ويفسح لها المجال بان تزداد ثراءا على ثراءها دون وجه حق. والمرشح الذي يعمق الهوة بين افراد الشعب الفرنسي طبقيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا.
نحن امام حقائق جديدة ظهرت بصورة علنية بعد المناظرة التلفزيونية التي استمرت حوالي ثلاثة ساعات التي جمعت الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي والمرشح الاشتراكي فرانسوا هولند. لقد افرزت هذه المناظرة رسائل خطيرة باتجاه مصير الجالية المسلمة ومسلمي فرنسا من قبل ساركوزي فقد افصح بصورة لا تقبل اي تأويل عن خطه الاستراتيجي حول مخططاته للتضيق على الجالية المسلمة ليس فقط حول الحجاب والنقاب واللحم الحلال ولا باتجاه الاندماج الطوعي بل البرمجة لطردهم من البلاد انها ليست زلة لسان انما تعبير واضح عن حقده وكرهه للاسلام والمسلمين. لقد اختار طروحات الجبهة الوطنية المتعصبة دون مراوغة والتي تحمل المسلمين زيادة البطالة وتزايد العنف والارهاب وعدم اندماجهم بالمجتمع ومحاولاتهم اسلمة فرنسا.
ان الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته قالها بصراحة منقطعة النظير بأن المهاجرين المسلمين هم المشكلة وليس المهاجرين الاوربيين من البولونيين او الرمانيين او الهنكار او التشيك او البلغار. انما المسلمون سواء كانوا اتراكا او جزائريين او مغاربة او تونسيين او افارقة من مالي او السنغال باختصار كل مسلم حتى لو كان فرنسيا اصيلا او مهاجرا. انه يريد اسلاما على طريقته الخاصة. أنه بات من المؤكد الان ان ساركوزي لن يستطيع ربح اصوات الجبهة الوطنية ولن يتمكن ايضا الفوز بالانتخابات يوم الاحد القادم، ولن يستطيع ابدا من تقزيم مسلمي فرنسا وتحجيمهم وبالتالي طردهم من وطنهم الذي ضحوا من اجله ولدوا فيه وشربوا ماءه واكلوا طعامه وبنوه ووقفوا مع بقية الطوائف جنبا الى جنب، لبناءه والدفاع عنه في السراء والضراء.
لقد أصبح الرئيس الفرنسي وأراد ذلك مع سبق الاصرار ان يكون عدوا شرسا وبصورة علنية ضد الاسلام والمسلمين ولم يترك لمسلمي فرنسا اي خيار سوى انتخاب منافسه فرانسو هولند الذي جاهر بالدفاع عن المسلمين ولو بصورة عابرة. اذن ينبغي من الجالية ان لا يتركوا حتى ورقة انتخابية واحدة تمر دون الادلاء بها لاسقاط ساركوزي. فالعدو واضح وجاهر بعدائه ولا يمكن ان تقف الجالية الاسلامية مكتوفة الايدي حيال الدفاع عن مصالحها الحيوية التي سوف تتضرر كثيرا في حالة فوز مرشح اليمين مرة اخرى لذا فأن اسقاطه بات واجبا اسلاميا لكل مسلم ومسلمة.
أمام هذه المعتركات والمنزلقات والمجازفات والمراوغات يتساءل الكثيرون أين مصلحة الجالية في كل هذا وذاك؟ وماذا ينبغي ان يفعله رؤساء التكتلات الكبيرة والاتحادات والجمعيات لمعالجة معاناة الجالية هنا في مجالات يتعين الاسراع لايجاد الحلول الناجعة لها وقيادة الجالية الى بر الامان. الم يحن الوقت لوضع خطط استراتيجية بعيدة المدى تهدف الى جعل الاسلام ركيزة اساسية الى جانب المسيحية واليهودية في فرنسا. ومن المعلوم بان السير بالجالية لتحقيق هذا الهدف بحاجة الى اتخاذ قرارات شجاعة بالاتفاق مع عامة المسلمين في معالجة مشاكلهم الحياتية اليومية وتثقيفهم بفقه المعاملات الذي يتغير بتغير الأحوال. هناك اذن حاجة ملحة لترتيب اوضاع البيت العربي الاسلامي في فرنسا من خلال طرح برنامج اجتماعي اقتصادي متفق عليه يضع اولويات الجالية الاسلامية ليطرح على المرشحين ويقترب ويقرب مناصري قضايا الامة العربية والاسلامية يتوافق مع الزمان والمكان والحال.
كاتب وباحث مقيم بفرنسا
/5/2012 Issue 4191 – Date 5 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4191 التاريخ 5»5»2012
AZP07