سأنام إكراماً للشهداء
سأنام علي استيقظ صباحاً على صوت أبي
وهو يهمس لي ها قد عدت ياأبنتي ستنتهي الحرب ولن أموت,
لن يكون هناك أيتام ولا أرامل ولن تسمعي عويل جدكِ الكهل قرب نافذة “الهول” وهو يئن كسيراً
” يابويه والله كسرت ظهري”
سأنام علي استيقظ صباحاً وأجد عمتي جالسة في باحة المنزل
تحدث أمي عن “شوربة الكبة” وعن كابوس كانت قد حلمت به:
“أعوذ بالله چن شاهود سبحتنه انگطع وكلنه تطشرنه”…
فتجيبها أمي هذا يعني بانه سيعيش طويلا “الأحلام مقلوبة”…
وأنا حيث أنا أنظر لهما من بعيد وأبتسم:
“حمدلله عمتي لم تمت,لم تمرض بالحزن ولم تبتر ساقيها!!!”…
سأنام علي استيقظ فأجد قدمي اقصر بكثييير من هذا الغطاء ,صغيرتين جداً للدرجة التي لايستطيعان معها القاءه بعيداً دون جهد ,,,علي أجد حقيبتي ذات اللون الوردي الذي لطالما فضلته بجانبي وكذلك قراءتي,مبراتي,مسطرتي وممحاتي جميعها بجانبي…
واردد على عجالة”دار دور,دار دور,يارب ما انسى الدرس وتبسطني ست جميلة”,ست جميلة التي أصبح كل ما بعدها قبيحاً فلا العلم ظل علماً ولا المعلم بقي رسولا!
سأرتدي “صدريتي” القصيرة ولا أبالي بنصيحة ست مديحة لأمي:”بنتج حلوة وسمينه لتلبسيها صداري قصيرة انتِ متخافين عليها!”…اه ياستي اتراكِ لازلتِ حية لأخبركِ بأن خوفك الكبير من التنورة القصيرة كان نبوءة عظمى لزمن قادم اكثر انحطاطاً!
سأطلب من امي ان تربط أشرطتي الحمر واسألها ذلك السؤال الذي أرهقني كثيراً”ماما هذا الحذاء البسه برجلي اليمنه لو اليسره؟!”…
أخرج من المنزل وانا أفكر كثيراً في ثناء معلماتي وهل ستقبلني ست ضمياء كما تفعل دائما هل ستقرص خداي وتجلسني على “الرحلة” الاولى كي يتسنى لها النظر الى وجهي جيداً فهي وكما كانت تقول تريد ان تنجب فتاة تشبهني وسيحصل ذلك كلما نظرت الي أكثر!
سأردد دون ان تقطع الكلمات صدى تنهيدتي:
“الهي جميعهم احياء!!!”
وهذه خالة ام جليل لازالت قوية ولم تمت كمداً على ولدها الذي اغتالته رصاصة طائشة,
هي تجلس بشموخ على “بسطيتها”وتبيع “النبق” على طلاب المدرسة المقابلة لمنزلها…
جميعهم احياء حتى هذه الشجرة التي لم اعرف اسمها يوما حية ايضاً!
أدخل الى مدرستي اقف في اصطفاف الصباح وفي الطابور الاول,اردد النشيد الوطني بصوت جهوري,,,نشيد لم افهم معناه لكنه كان يشعرني بأن المستقبل جميل ورائع كأغنية!
أصادفه في احدى الممرات:”هو لم يمت ايضاً!لم تتمكن منه مفخخة,,,مفخخة؟!ولكن ماتعني مفخخة اصلاً!!!”
هذه المرة لن اشكيه الى المديرة اذا ماردد امام اصدقائه بأنه يحبني ويريد الزواج بي حينما نكبر…
لن ابكي ولن اخبر أمي عنه فقد كان موته في ذلك الكابوس مفجعا,مفجعا جدا اكثر بكثير من كل احلامه البريئة تلك!
سأنام علي استيقظ صباحاً وأجد سعادتي في ثوب بسيط اقترن اسمه بقدوم العيد واشرطة ملونة وقطعة نقود حديدية اشتري بها”توتو أو كعبول” دون ان اشعر بالذنب اتجاه مئات المشردين في العراء…
سأنام طويلاً علي استيقظ فأجد بنات عماتي الكثيرات مستلقيات على جانبي,ننام جميعاً على الارض ونلتحف بأغطية مشتركة…نستيقظ فرحين ومستعدين لساعات طويلة من اللعب دون ملل او خوف من عبوة ناسفة تزرع لنا خلف شجرة ما او في سلة مهملات قد تحمل جثثنا بدلاً عن اكياس الشبسي التي قمنا بشرائها…سنخرج الى الشارع سنركض كثيرا ,سنلاحق مصابيح الطرقات وهذه المرة سأسمح لهبة ان تصفعني وان تمارس كل شغبها وجنونها علي,,, فكل ما ستفعله اقل فجيعة من موتها الذي رأيته في احدى كوابيسي!!!
سأنام طويلاً علي أحلم بأني كنت أحلم!
علي استيقظ فأجد كل من رحلوا حولي
وحينها سأقسم بكل المقدسات بأنني لن اتمنى ان أكبر مجددا!
سأنام علي استيقظ صباحا واجدني ذرة تراب صماء لاتشعر بالحزن اطلاقاً ان انهالت على جسد شهيد كوالدي الذي منح اغلى مايملك لوطن بخل على ذويه بأقل مايمكن او كشهداء اخرين تركوا في قلبي كل جراح الكون ولم تزل!
تنويه:كل الشخصيات التي ذكرت لقت حتفها اما بعبوبة ناسفة او حزام ناسف وسيارة مفخخة او جرح ملغوم!
شادان الأزبكي – بغداد