لا يخفى على احد، ان العلاقات الطيبة التي تربط تركيا بإقليم كردستان العراق، لا شك أن لهذا الاخير فيه الباع الاكبر، فقد افلح الاقليم خلال بضعة اعوام، من تحويل العلاقة مع الجارة تركيا، من علاقة قائمة على الكثير من الخصومة والعداء الى علاقة صداقة واحترام متبادل، دون ان يفرط او يتنازل في الوقت نفسه، عن ثوابته القومية بخصوص الحقوق المشروعة لكرد تركيا، في المقابل لا يمكن التقليل من اهمية دور اردوغان وحكومته في تطوير هذه العلاقة، ومساعيه الحثيثة في حل القضية الكردية في بلاده.
الزيارة المرتقبة لرئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني لتركيا، ولقائه رجب طيب اردوغان في مدينة دياربكر (امد)، هي زيارة تاريخية بكل معنى الكلمة، ولا يمكن وضع هذه الزيارة في خانة الزيارات البروتوكولية العادية، لا من حيث التوقيت والزمان ولا من حيث المكان، فالعلاقة بين العمال الكردستاني (ب ك ك) واقليم كردستان في اسوء حالاتها، ووصل الامر بالعمال الكردستاني في المدة الاخيرة للتطاول على رئاسة الاقليم بتصريحات غير لائقة، والاقليم من طرفه منع دخول صالح مسلم احد قواد العمال الكردستاني بجناحه السوري من دخول اراضي الاقليم، والحالة نفسها تنطبق على العلاقة بين الحكومة التركية والقيادة الجديدة للعمال الكردستاني في قنديل، التي تسعى الى اجهاض عملية السلام من اساسه، اما استقبال السيد مسعود البارزاني من قبل السيد رجب طيب اردوغان في مدينة ديار بكر، التي لها مكانة خاصة جدا في الضمير الكردي النضالي، بوصفها العاصمة التاريخية (للدولة الحلم)، فهو اعتراف صريح من قبل تركيا بالدور القادم لرئيس اقليم كردستان، في عملية السلام بينها وبين كردها. هذه الزيارة لايمكن فصلها كذلك، عن المجريات في المنطقة بشكل عام والمناطق الكردية في سورية بشكل خاص، فالعمال الكردستاني عاد مجددا وبقوة الى احضان النظام السوري، ودخل على خط الهلال الشيعي من بغداد الى طهران بكل ثقله، حتى ان زعيمه السوري صالح مسلم خرج الى اوربا عن طريق مطار بغداد الدولي مؤخرا، والقوات السورية والعراقية حاربت الى جانب قواته في “تحرير” المعبر الحدودي تل كوجر”اليعربية” من قوات المعارضة السورية والداعش بالتحديد، اما تسلم جميل بايق لقيادة قنديل، وهو رجل سورية الاول حسب تصريحات اوصمان اوجلان الاخ الشقيق للسيد عبد الله اوجلان، بالاضافة الى التعديلات التي اقدم عليها جميل بايق في قيادة الحزب مؤخراً، كل ذلك جعلت من محاولات رئيس الاقليم في احتضان حزب العمال الكردستاني، او التأثير على توجهاته خلال الاعوام القليلة الماضية تذهب ادراج الرياح.
تركيا بدورها تخشى من التطورات الاخيرة داخل العمال الكردستاني، وربما اصبحت متيقنة ان الامور خرجت او قد تخرج من يد الزعيم عبد الله اوجلان القابع في سجونها، وبدأت تبحث عن شريك اخر، بالتاكيد لن يكون السيد مسعود البارزاني ذلك الشريك، لكن من غير المستبعد ان تبحث عن شريك اخر، ككمال بورقاي على سبيل المثال، او شخص اخر يتفق مع توجهات السيد البارزاني في حل القضية الكردية بالطرق السلمية، ومع توجهات السيد اردوغان وطموحه في تحويل بلاده لدولة قوية لا يستهان بها اقليميا ودوليا.
العلاقة بين العمال الكردستاني وتركيا، من المتوقع ان تشهد تدهورا في الفترة المقبلة، والتهديدات التي يطلقها جميل بايق من جبال قنديل بين الفينة والاخرى، اعتقد انها رسائل في غاية الجدية، وعملية السلام التي بدأت في شهر مارس اذار الماضي في خطر حقيقي، كذلك الحال بالنسبة لاقليم كردستان العراق، فالتجربة المريرة مع هذا الحزب مازالت ماثلة للعيان ولم تنس بعد، اعتقد ان كلا الطرفين، سواء اقليم كردستان ام تركيا، ينظر كل منهما بقلق شديد للتطورات الاخيرة، فالعمال الكردستاني دوره بدء يتعاظم اقليميا، وكل محاولات حكومة الاقليم في السيطرة عليه يبدو انها لم تجد نفعا، في المقابل المخاوف التركية ايضا حقيقية، فكل الدلائل تشير ان القيادة الجديدة في قنديل تميل الى التطرف والاعتباطية في قراراتها، ولا تملك ستراتيجية محددة كسابقتها، ويبدو انها تتوجه الى الوقوع في أحضان كل من طهران وبغداد أكثر فأكثر.
بالنظر الى كل ما تقدم، فان كردستان العراق وتركيا، لم يعد يربطهما العلاقات التجارية الواسعة فحسب، بل مصالح سياسية في غاية الاهمية، وربما دعوة رئيس اقليم كردستان لزيارة تركيا، ولقائه بالسيد اردوغان في مدينة دياربكر، هي رسالة قوية الى كل من يهمه الامر، بامكانية اللجوء الى حلول بديلة، ومهما كانت نتائج هذه الزيارة، وسواء اخطئنا التقدير ام اصبناه في الوقوف على اسبابها ونتائجها، فان وجود السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان في دياربكر (امد)، سيعيد الى هذه المدينة بعضا من القها ورونقها الكردستاني.
درويش محمى – سوريا