زهرة زيراوي من القصيدة إلى المجادلة البصرية

على سبيل التقديم

 

زهرة زيراوي من القصيدة إلى المجادلة البصرية

 

 بنيونس عميروش

 

المغرب

 

بين الشعر و الفن تستوطن الكتابة الجمالية لدى زهرة زيراوي باعتبارها متتبعة و مهتمة بالشأن التشكيلي في شقيه الإبداعي و النقدي ، وقد ظلت مدفوعة بهذا الولع منذ تسعينيات القرن الماضي من خلال إصرارها على محاورة الفنانين التشكيليين و بإقحامهم في الحديث على قضايا راهنية مجالهم ، بل تجد كل المسوغات البيداغوجية و اللغوية لإخراج ما يعتورهم من مواقف و أفكار و تأملات ،قلما يفصح عنها الفنانون لطبيعتهم الانعزالية و تماهيهم شبه المطلق مع محترفاتهم و عوالم اللوحة .

 

 وقتذاك ــ التسعينات ــ اكتشفت أن الأمر لا يتعلق بحوارات صحفية مسكوكة تتغيي الاستجابة لطبيعة الصفحات الفنية بالجرائد و ملئها، بل الأمر يرمي عند شاعرة و فنانة باحثة تهدف أو ترمي أسئلتها إلى خلفية معرفية، و بمعيارية يقظة حيث تتعامل مع كل فنان على حدة بحسب طبيعته التكوينية و حمولته الفنية والثقافية عامة مع اختيار المداخل المناسبة، التي يمكن أنتكون مادة فنية و غنية و مفيدة للقارئ أيضا، أقصد بذلك سلسلة حواراتها المنتظمة بجريدة العلم يومها، التي احتضنت أصوات الفنانين التشكيليين بتوجيه راق من زهرة زيراوي، من ثمة عملت على إصدار كتابها ” التشكيل في الوطن العربي / مقامات أولى “.

 

اللغة الفنية

 

سنة 2006 باعتباره تدوينا تاريخيا و ثقافيا مع فنانين رواد ومشائين في حقولهم من المغرب حتى العراق، مرورا بدمشق و فلسطين (….) واعترافات الفنانين هنا تسوق إلى حقيقة هذا العالم الذي تتسع رؤاه يوما بعد يوم، إنها تتجاوز مفهوم اللوحة و تسافر عالم أكثر رحابة إذ تحاول تلمس قيم الجمال في المعمار و الصراع بين سلطة الإسمنت وفضاءات التشكيل بالمدينة إلى غير ذلك مما سمحت به الملتقيات.

 

 هي إذن تعي كل الوعي أن التشكيل أو الفنون التشكيلية ليس مجرد التصوير الصباغي، وحده بل هي في النحت والمعمار في آن، كما تعي أن الملتقيات الفنية و دور العرض هي من صميم المستلزمات الأساسية لاستيعاب العمل الفني و العمل على انتشاره لذلك لم تستثن استجواب أصحاب قاعات العرض و مدرائها كقاعة بصمات و قاعة الواسطي بالدار البيضاء . علاوة على الفنانين المغاربة مثل : حسن لكلاوي و محمد شبعة و محمد القاسمي و عبد اللطيف الزين و فؤاد بلامين و عبد الرحمان رحول و إكرام القباج وغيرهم من الأجيال المتلاحقة فقد ضمت محاورات الكتاب أسماء لفنانين من الجزائر كرشيد القيشي ومن تونس نجا المهداوي و من فلسطين كمال بلاطة و العراق ضياء العزاوي و غيرهم من الأقطار العربية و لفنانين عرب يعيشون بالغرب مؤكدة على أن هذا الكتاب مع الفنانين معهم، و ليس عنهم. فمع هؤلاء الفنانين لم تدخر زهرة زيراوي جهدا في تحويل لغتها من الأدبية إلى اللغة الفنية و ثقافتها الفنية التاريخية.

 

عشق زهرة للفن

 

والفكرية حتى تتجه باستجواباتها نحو المجادلة البصرية و شؤونها الراهنة، و ما تتصل بها من معني الحداثة و التجريد و التشخيص والمفاهيم المعاصرة المحايثة لها مع التأكيد على علاقة الفن بالأدب وعلاقة الخطاب الأدبي بالخطاب التشكيلي وكذا النقد الفني ومقارباته للوحة العربية ضمن المنجز الكوني فيما تظل نصوص تقديماتها المختزلة توطئات نقدية وتحميله و لإثارة المجادلة و القضايا المثارةبغير قليل من الحنكة والملائمة الفكرية .

 

في المغرب كما في عدد من الأقطار العربية يصعب الحديث عن كاتبات معنيات بالنقد الفني لضآلة اهتمامهن بالإبداع التشكيلي، عندنا أصبح الأمر ممكنا مع الكاتبة والفنانة زهرة زيراوي،رفقة أجنبيات كتبن بالفرنسية كالمؤرخة الفنية الإيطالية طوني مارايني و الصحفية زكية داوود ذات الأصول الفرنسية. يبقى عشق زهرة زيراوي للكتابة حول الفن و عن الفن نابعا ليس من كونها فنانة شاعرة و ممسوسة بعبقر القرض فحسب، بل أيضا من كونها فنانة تشكيلية، لذلك فهي تكتب و تحاور من داخل المطبخ التطبيقي، من الملامسة الفعلية لمادة اللون و أطيافه و ألق الشكل وظلاله، و في ممارستها التشكيلية تقر بأنها ليست سوى حالتها، و إذا كان بول كلي قد قال :أنا و اللون شيء واحد فإنها ترى أنه لا يوجد عندها تقاطع فهي و اللغة و اللون شيء واحد.

 

 

{  فنان وناقد تشكيلي