‭ ‬زنزانات‭ ‬الموت‭..‬ديكورات‭ ‬درامية‭ ‬ومواقع‭ ‬تصوير

صنّاع‭ ‬الدراما‭ ‬السورية‭ ‬يصوّرون‭ ‬لحظات‭ ‬فجر‭ ‬الحرية‭ ‬

دمشق‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬على‭ ‬مدرّج‭ ‬مطار‭ ‬المزة‭ ‬العسكري‭ ‬قرب‭ ‬دمشق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رمزا‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬حقبة‭ ‬الحكم‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬يقف‭ ‬طاقم‭ ‬عمل‭ ‬مسلسل‭ “‬عيلة‭ ‬الملك‭” ‬أمام‭ ‬مروحية‭ ‬تهبط‭ ‬ببطء‭ ‬لتصوير‭ ‬مشهد‭ ‬هروب‭ ‬شخصية‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لحكم‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭.‬

بينما‭ ‬يصدر‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬تعليماته‭ ‬عبر‭ ‬اللاسلكي‭ ‬لفريق‭ ‬العمل،‭ ‬يصف‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬قائلا‭ “‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تخيّل‭ ‬أننا‭ ‬نصوّر‭ ‬هنا،‭ ‬مطار‭ ‬المزة‭ ‬كان‭ ‬رمز‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭. ‬الآن‭ ‬نصنع‭ ‬فيه‭ ‬دراما‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭”.‬

مسلسل‭ “‬عيلة‭ ‬الملك‭” ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مسلسلات‭ ‬ستعرض‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬ويجري‭ ‬تصويرها‭ ‬داخل‭ ‬مراكز‭ ‬أمنية‭ ‬شكلت‭ ‬رمزا‭ ‬للقمع‭ ‬وكان‭ ‬دخولها‭ ‬محرّما‭ ‬على‭ ‬السوريين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭.‬

تدور‭ ‬أحداث‭ ‬المسلسل‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬قصة‭ ‬عائلة‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الأسد،‭ ‬وتُسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬سقوطه‭.‬

ويقول‭ ‬المخرج‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬إنه‭ ‬إحساس‭ ‬غريب،‭ ‬فالأماكن‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُحكم‭ ‬منها‭ ‬سوريا‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬استديوهات،‭ ‬من‭ ‬فرع‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬المزة‭ ‬العسكري،‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬كان‭ ‬يُحكم‭ ‬بالحديد‭ ‬والنار،‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬نجرب‭ ‬فيه‭ ‬أدوات‭ ‬إبداعية‭”.‬

كان‭ ‬مطار‭ ‬المزة‭ ‬العسكري‭ ‬قاعدة‭ ‬جوية‭ ‬ومركز‭ ‬اعتقال‭ ‬تديره‭ ‬شعبة‭ ‬المخابرات‭ ‬الجوية‭.‬

‭ ‬ويصوّر‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬مشاهد‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬فرع‭ ‬فلسطين،‭ ‬أحد‭ ‬فروع‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬السابقة‭ ‬المرهوبة‭ ‬في‭ ‬دمشق‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬ارتُكبت‭ ‬فيه‭ ‬عمليات‭ ‬تعذيب‭ ‬وانتهاكات،‭ ‬يمر‭ ‬فريق‭ ‬التصوير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭ ‬مصغّرة،‭ ‬تحترق‭ ‬مركبات‭ ‬وتدوي‭ ‬انفجارات،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬يجسّد،‭ ‬وفق‭ ‬عبد‭ ‬العزيز،‭ “‬تحرير‭ ‬معتقلين‭ ‬لحظة‭ ‬انهيار‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭”.‬

بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الحكم‭ ‬السابق،‭ ‬توجّه‭ ‬المئات‭ ‬إلى‭ ‬الفروع‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬عائلاتهم‭ ‬دخلوها‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوا‭ ‬منها‭ ‬قط،‭ ‬بينما‭ ‬خرج‭ ‬آلاف‭ ‬المساجين‭ ‬من‭ ‬زنزاناتهم‭.‬

‭ ‬ويضيف‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬أن‭ “‬فرع‭ ‬فلسطين‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أركان‭ ‬النظام‭ ‬الأمني،‭ ‬مجرد‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭ ‬كان‭ ‬يبث‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬النفوس‭. ‬واليوم‭ ‬نصوّر‭ ‬داخله‭ ‬مشاهد‭ ‬كاملة،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُؤرشف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نمسّ‭ ‬بها‭”.‬

في‭ ‬محيط‭ ‬منزل‭ ‬الرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المالكي‭ ‬الراقية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬والذي‭ ‬دخله‭ ‬السوريون‭ ‬ليلة‭ ‬هروب‭ ‬الأسد‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬ونهبوه،‭ ‬يؤدي‭ ‬ممثلون‭ ‬مشهد‭ ‬شجار‭. ‬

يقول‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ “‬القبضة‭ ‬الأمنية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬موجودة،‭ ‬صورنا‭ ‬مشاهد‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المالكي‭ ‬وشجارا‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬شخصا‭ ‬وإطلاق‭ ‬رصاص‭…‬كان‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬تنفيذه‭”.‬

ينجز‭ ‬الفريق‭ ‬عمليّة‭ ‬المونتاج‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬دمشقي‭ ‬تقليدي‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭. ‬هناك‭ ‬يجلس‭ ‬الكاتب‭ ‬معن‭ ‬سقباني‭ (‬35‭ ‬عاما‭) ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬صغيرة،‭ ‬يناقش‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬ترتيب‭ ‬المشاهد‭ ‬قبل‭ ‬إتمام‭ ‬النسخة‭ ‬النهائية‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬سطوة‭ ‬الرقابة،‭ ‬ينظر‭ ‬سقباني‭ ‬بحذر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭. ‬ويقول‭ “‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬سيبقى‭ ‬سقف‭ ‬الرقابة‭ ‬مرفوعا‭…‬نحن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ترقّب‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬ستُعرض‭ ‬في‭ ‬رمضان‭”.‬

منذ‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالحكم‭ ‬السابق‭ ‬قبل‭ ‬عام،‭ ‬شهد‭ ‬قطاع‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬تحوّلات‭ ‬لافتة،‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬عشرات‭ ‬الممثلين‭ ‬والفنيين‭ ‬والمخرجين‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬مغادرتها‭ ‬خصوصا‭ ‬لانتمائهم‭ ‬إلى‭ ‬المعارضة‭. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المنتجون‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬مواقع‭ ‬كانت‭ ‬محظورة‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يبدد‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬القيود‭  ‬سواء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬دينية‭ ‬محافظة‭.‬

ويشرح‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬القراءة‭ ‬التابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬موجودة،‭ ‬لكنها‭ ‬بدت‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬نص‭ “‬عيلة‭ ‬الملك‭… ‬قدّمنا‭ ‬النص،‭ ‬وكانت‭ ‬الملاحظات‭ ‬الرقابية‭ ‬بسيطة‭ ‬جدا‭”.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬كسر‭ ‬المحظورات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬وحده‭.‬

يُخرج‭ ‬الليث‭ ‬حجو‭ ‬مسلسل‭ “‬السوريون‭ ‬الأعداء‭” ‬المستوحى‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬للكاتب‭ ‬السوري‭ ‬فواز‭ ‬حداد‭.‬

ويشرح‭ ‬المدير‭ ‬الإعلامي‭ ‬للمسلسل‭ ‬أمين‭ ‬حمادة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬تتقاطع‭ “‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬مع‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬معقّدة‭ ‬من‭ ‬الشبهات‭ ‬والخوف،‭ ‬وتظهر‭ ‬السلطة‭ ‬فيها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬خصوم‭ ‬بمجرد‭ ‬الشكّ‭ ‬في‭ ‬ولائهم‭”.‬

‭ ‬ويستعيد‭ ‬بدوره‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬لطفي‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ “‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬البئر‭” ‬حدث‭ ‬عصيان‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬صيدنايا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2008،‭ ‬وانتهى‭ ‬بمقتل‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المساجين‭ ‬وحراس‭ ‬السجن،‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬سامر‭ ‬رضوان‭ ‬ويضمّ‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬السوريين‭ ‬مثل‭ ‬جمال‭ ‬سليمان‭.‬

‭ ‬ويقول‭ ‬المخرج‭ ‬إن‭ “‬العمل‭ ‬كُتب‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬وكنا‭ ‬ننوي‭ ‬تنفيذه‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭”‬،‭ ‬لكن‭ ‬تحديّات‭ ‬عدة‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ “‬خوف‭” ‬الممثلين‭ ‬حينذاك‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬السلطة،‭ ‬وعقبة‭ ‬اختيار‭ ‬موقع‭ ‬التصوير‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يتعذّر‭ ‬التصوير‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

لكن‭ ‬الآن،‭ ‬يعتزم‭ ‬الفريق‭ ‬التصوير‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬دخوله‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬المحرمات،‭ ‬ويُعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬انتهاكات‭ ‬وحالات‭ ‬إخفاء‭ ‬قسرية‭.‬

‭ ‬ويقول‭ ‬لطفي‭ “‬السلطة‭ ‬الجديدة‭ ‬رحّبت‭ ‬بالعمل‭ ‬وقدّمت‭ ‬دعما‭ ‬لوجستيا‭ ‬وتسهيلات‭ ‬واسعة‭ ‬للتصوير‭ ‬داخل‭ ‬سجن‭ ‬صيدنايا‭”.‬

‭ ‬

ويضيف‭ ‬أنه‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ “‬نقل‭ ‬معاناة‭ ‬السجناء‭ ‬وممارسات‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المكان‭ ‬الحقيقي‭” ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الخيال‭”.‬

‭ ‬

‭ ‬

مشاركة