زنجبار دولة عربية نسيها العرب عماد علو لاشك أن ابناءنا اليوم لا يعلمون الكثير عن تاريخ الحكم العربي لأرخبيل زنجبار (الأرخبيل مجموعة جزر متقاربة )، التي تقع اليوم سياسيا” ضمن إطار دولة تنزانيا ، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كيلو متر مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة ، لأجل ذلك كله سنلقي الضوء في هذه المقالة على تاريخ دولة عربية نسيها العرب وتناسها المجتمع الدولي … وزنجبار في اللغة كلمة عربية محرّفة عن كلمة + بُرج الزنج ؛، وتُجمِع الكتابات التاريخية والآثار على وجود خطوط تجارية قديمة مع زنجبار تعود إلى أيام الأشوريين. فربما يكون التجار العرب (خصوصا اليمنيين وسكان الخليج من العراق وشيراز) وأيضا من الهند قد اتوا زنجبار ابتداء” من القرن الأول الميلادي . فقد استخدموا الرياح الموسمية للإبحار خلال المحيط الهندي والوصول إلى مرفأ ما يسمى اليوم بقرية زنجبار، كما اشارت المصادر التاريخية الى أن العرب كانوا قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، فقد امتدّ نشاط العرب التجاري إلى ساحل إفريقيا الشرقي حتّى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة. وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطّات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند. زنجبار تحت الحكم الاسلامي استوطن العرب بالمكان الذي يسمي حاليا مدينة زنجبار، وهو المقر التقليدي للتجارة مع مدن ساحل شرق أفريقيا. وأقاموا الحاميات حول الجزيرة وبنوا فيها أول مسجد بنصف الكرة الجنوبي .ومن أوائل الهجرات العربية : هجرة قبيلة الأزد في سنة 95 هجرية . وفي أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر ، بدأ التجار العرب بالاستقرار كمجموعات صغيرة في زنجبار وتزاوجوا مع سكانها الأفارقة. ثم حكموها حكما وراثيا سمى ب (مويني مكو) أو السلطان، والتي برزت في جزيرة هاديمو، وهناك الشاه وهو أقل سلطة في تومباتو. كانت كلا من زنجبار والجزيرة الخضراء (جزيرة بمبا) ومافيا وممباسا وكيلوا وجزر القمر في العهود السابقة للاستعمار الغربي رقعة جغرافية وسياسية واحدة، وعليه فان بداية الحكم الإسلامي في زنجبار خصوصا والشرق الإفريقي عموما بدأت مع بداية الهجرة الجماعية إليها، حيث اشترى السلطان حسن بن علي الشيرازي جزيرة كيلوا من حاكمها الوثني وامتلكها مع أولاده، وكان أول من ملك البلاد (يقصد شرق أفريقيا) منهم السلطان علي بن الحسين بن علي، وذلك في أواسط القرن الثالث الهجري وولى ولده محمد ابن علي على ممباسة . وقد نشأت بعد ذلك سلطنات عربية اسلامية عُرفت باسم (ممالك الطراز الإسلامي) في منطقة القرن الإفريقي، وقد عُرفت بـ(بلاد الزيلع)، وهي البلاد المقابلة لبر اليمن على أعالي بحر القلزم والمحيط الهندي، وقد عُرفت باسم +ممالك الطراز؛ لأنها على جانبي البحر كالطراز له، وهي مملكة ايفات أو أوفات و جبرت، ومملكة هدية، مملكة داراو، مملكة بالي، مملكة اربيني، مملكة شرخا، مملكة دارة . وقد ازدهرت في ممالك ومدن الساحل الافريقي الشرقي ، تجارة البحر، واعتمد أهل الساحل على الذهب والحديد في معاشهم، وكان سوقه الاساسي في مدينة سفالة ، وهي واحدة من أقدم الموانئ في جنوبي أفريقيا في القرون الوسطى. وقد كانت ميناء رئيس لمملكة مونوموتابا (موتابا) القديمة التي امتدت بين نهري الزامبيزي وليمبوبو بجنوبي أفريقيا على أرض ما يسمى اليوم دولة زيمبابوي وموزمبيق. وكانت سفالة مصدراً للذهب الذي يدخل الدولة الإسلامية، حتى عُرفت (بسفالة الذهب) ، ونقلت المعادن كالعاج والذهب والمحاصيل وريش النعام، العسل، الجلود، اللؤلؤ، اللبان، الموز والصمغ، فراجت هذه البضائع في بلاد الشام والعراق، وأضحت منسي وزنجبار وكلوة، كالمدن الفينيقية التي اشتهرت في البحر المتوسط كصيدا وصور. وعمّ الرخاء، وارتفعت مستويات الحياة، وانتشر الإسلام واللغة العربية. زنجبار تحت الحكم العماني خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، وكانت ممالك شرق أفريقيا كثيرة الثراء والازدهار. ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف الأول (1649 – 1680م) البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا وزنجبار سنة 1698 م ، بعد أن بنى قوة بحرية عظيمة ولقد نجح في ذلك هو من جاء بعده وأصبح الأسطول العماني في عهد اليعاربة سيد المحيط الهندي والخليج العربي طيلة نهاية القرن السابع عشر و أوائل القرن الثامن عشر, وأصبح على درجة من القوة تخشاه فيها الأساطيل الإنجليزية والهولندية. وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعَينِ سلطان عُمان لذي كان يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية. الا أن الحال تغيرت في عام 1828م ، عندما قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى جزيرة زنجبار، فاستهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان ، التي امتدت من أرض عمان والخليج العربي وبندر عباس من أقاليم فارس وحتى رأس دلفادو في أقصى شرق أفريقيا وداخلية البر الإفريقي مثل دودما, تانقا, وغيرها من المدن بل امتدت سلطنته لتصل إلى بعض أجزاء الهند ، وكان ذلك ابتداء من عام 1832 م عندما انتقلت العاصمة من مسقط إلى زنجبار. وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم، وإلى السلطان سعيد يعود الفضل لأنه أول من زرع شجر القُرنفُل في الجزيرة على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله. الاحتلال البريطاني كان للإنكليز تاريخ طويل من التفاعل مع زنجبار، وقد اعترفت دولتهم بسيادة الجزيرة وسلطنتها عام 1886م وذلك لمحاولتهم الإبقاء على علاقات صداقة مع تلك الدولة وسلطانها. وكذلك كان الألمان أيضاً مهتمين بشرق أفريقيا، لذا فقد تنافست تلك القوتان للسيطرة على حقوق التجارة ومناطقها في هذا الجزء من القارة أواخر القرن التاسع عشر. حيث أنه بعد وفاة السلطان سعيد عام 1856 م حصلت مناوشات بين أبنائه على وراثة العرش. فتدخل الإنجليز بتاريخ 6 أبريل 1861 فقسموا الدولة إلى سلطنتين، سلطنة عمان ومسقط ويحكمها السلطان ثويني بن سعيد وسلطنة زنجبار ويحكمها السلطان ماجد بن سعيد الذي تمكن من السيطرة على الجزء الواقع على ساحل أفريقيا الشرقي والمعروف باسم بلاد الزنج، وعلى طرقها التجارية الممتدة إلى داخل القارة الأفريقية والتي تصل حتى قرية كوندو المطلة على نهر الكونغو. ومع بداية سنة 1887 إلى 1892 بدأت زنجبار تخسر أملاكها أمام القوي الاستعمارية العظمى. فتصاعدت الهيمنة البريطانية على الجزيرة بشكل متدرج. حتى أصبحت زنجبار محمية بريطانية في تاريخ 1890. حتى قامت بريطانيا باحتلالها بشكل فعلي عام 1896 بعد معركة سميت بالحرب الانجليزية الزنجبارية ، وهي أقصر حرب مسجلة بالتاريخ . مملكة عربية حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا عام 1963 كحكم ملكي . ولكن بعد شهر وفي يناير سنة 1964 وبدفع وتحريض غربي اشتعلت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي وقضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين جامشيد ، الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان المسلمين من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.. فبعد أيام من اندلاع القتال تمكن الثوار من السيطرة على كل المباني الحكومية الرئيسية ، وأخذوا مهبط طائرات الوحيد في الجزيرة ، ففر السلطان جمشيد ومعه رئيس الوزراء محمد شامتي حمادي والوزراء على اليخت السلطاني . واستولى الثوار على قصر السلطان وباقي الممتلكات السلطانية، معلنين حكومة جديدة . وقد قتل جراء تلك المعارك أعداد غفيرة أغلبهم من العرب وقد قدر عدد القتلى المدنيين نتيجة تلك الثورة من عدة مئات إلى 20,000 شخصاً.. وقاد ذلك إلى اعلان عن جمهورية زنجبار وبمبا. التي اتحدت بـــــعدها بفترة قصيرة مع تنــــــجانيقا، والتي كونت بعد ذلك ما يسمى اليوم بـ(تنزانيا). نشاط البعثات وقد تصاعدت منذ ذلك الحين نشاط البعثات التبشيرية لتغيير الطابع الاسلامي لأرخبيل زنجبار فسادت اللغة السواحلية مقابل محو اللغة العربية. ورغم أن الأغلبية من السكان مسلمين فإن زنجبار تقع تحت حكم مسيحي شامل . ومن المحزن أنه تم في عام 2001م تعيين وزير نصراني لرئاسة الوزارة الخاصة بالشؤون الدستورية وهى المخولة بإدارة الإفتاء والأوقاف والمحاكم الإسلامية في زنجبار. وفي عام 2001 جرت مجازر اخرى ضد المسلمين اثر انتخابات شابها التزوير جرت في زنجبار .. ان ما حدث في زنجبار منذ عام 1964 يكشف نفاق الإعلام الغربي، الذي لا يلتفت إلا للمآسي والمذابح، التي تتعارض مع السياسات الغربية، أو تلك التي يتجاوز مداها حدود الصمت والتعتيم كما حدث في الشيشان. ذلك النفاق الذي يصف أية حركة تحرير إسلامية بالإرهاب أو الانفصال، بينما يضفي على غيرها مفردات الحرية والنضال وتقرير المصير، أو ذلك الذي يقدم نصف الصورة عن المجازر على أنها كامل المأساة، وهو ما تفعله بعض الصحف والمجلات الغربية عندما تغطي مأساة مسلمي الروهنجيا في ماينمار فلا يكاد يمر يوم إلا و خبر عن معاناة مسلمي الروهنجيا يزيد الجرح ألما ونزفا, فمنذ أكثر من عام ونصف والمذابح وأعمال القتل بحق مسلمي الروهنجيا مستمرة ، وقد وصل عدد القتلى خلال 18 شهرا فقط إلى أكثر من 10 آلاف مسلم , ناهيك عن آلاف الغرقى في البحر أثناء الهروب من جحيم البوذيين ، وآلاف المشردين والمعتقلين ، إضافة إلى هدم البيوت والمساجد والمدارس الروهنجية . الخلاصة ختاما” لا يسعنا الا القول أن زنجبار ستبقى انشاء الله جزء من ذلك الشريط العربي الممتد على الساحل الشرقي من القارة الافريقية، الذي يرتبط معظم سكانها بصلات قربى ونسب مع عرب الساحل الجنوبي من الجزيرة العربية، رغم تعمد التاريخ إغماض عينيه عنها ويشيح الضمير الدولي بوجهه عن مآسيها، حيث لم يكتف المجتمع الدولي بصمته إزاء مجازر عام 1964، ومجازر 2001 ، بل ما زال يصر على صمته إزاء المذابح التي يواجهها المسلمون وهي تتجدد بعد ربع قرن من الزمان ، والغريب أن لا جامعة الدول العربية ولا منظمة المؤتمر الاسلامي ولا الامم المتحدة ومنظماتها الانسانية حاولت بشكل جاد فتح ملف زنجبار رغم كل المآسي التي يعيــــــشها شعبها …