عبدالرزاق الربيعي
حين أخبرت شابا تونسيا يعمل في الفندق الذي أقمنا به، ونظمت به الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء فعاليات الأيام الثقافية العمانية التونسية، أن وزير الثقافة التونسية الدكتور مهدي مبروك سيرعى حفل الافتتاح وسيكون في الفندق غدا، أصغى الي ثم قال عادي جداً، بعد التغيير الذي أطاح بحكم الرئيس السابق بن علي زين العابدين صرنا نرى الوزراء والمسؤولين في الشوارع والمناسبات وأكمل قبل ذلك،لم نكن نرى أحدا منهم الا على صفحات الجرائد والفضائيات .
كانت هذه الجملة مفتاحا لكثير من التحولات التي شهدتها المنطقة بعد بزوغ فجر الربيع العربي ، فالأنظمة الاستبدادية تجعل أجهزتها تقيم في الأبراج العاجية، تاركة الناس لمصائرهم وتكون بعيدة عن نبض الحياة اليومية، فتكبر الهوّة بينها وبينهم، يوما بعد آخر، حتى تجد تلك الأنظمة نفسها معزولة عن الناس، هم في واد لا قرار له وهي في واد، وجاءت التغييرات لتصحح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الحكومات والشعوب ،بل إن الحكومات صارت تترك للشعوب مهمة بناء هذه العلاقة على أسس جديدة تراها مناسبة من خلال قيامها باختيار من تراه صالحا لادارة شؤونها بالرجوع الى صناديق الاقتراع .
هذا التوجه كان واضحا في شوارع تونس فاللافتتات المثبتة على الجدران كانت تنطق بما يتلجلج في خواطر كاتبيها، فتشيد بأشخاص، بينما رأينا لافتات أخرى تنتقدها أو تعلق على الكلام المكتوب بآخر يشكل نقيضا له، وكلا الرأيين موجودان ولا يمسهما أحد بسوء، وكأن الشوارع تقول أهلا بكل الآراء، مادامت تعتمد لغة الحوار الهادئ، الرصين، فالساحة مفتوحة لكل الآراء شرط عدم الخروج عن الذوق العام، وهذا ما أكده لي شاب تونسي حياني عندما كنت جالسا في المطعم وبعد أن سألني عن عملي والوجهة التي قدمت منها، وأجبته رحّب بي كثيرا، وبأدب جم قدم نفسه لي بأنه عضو في المجلس التأسيسي، وهو مجلس منتخب يدير شؤون البلاد ونادى زميلين له في عمره وقدمهما لي، فشاركوني الطاولة، حيث دارت أحاديث شتى نقلوا لي من خلالها حماسهم للنهوض بتونس وتجاوزها مشكلاتها التي تعاني منها وهي تحتاج الى وقت طويل، فالتغييرات لا تحصل بين ليلة وضحاها، وهي في علم الادارة تواجه الكثير من عدم الارتياح، ودار بيننا حوار طويل واستمعوا الى ملاحظاتي بكل اهتمام، كانوا عزلا من كل شيء سوى حماسهم، ولم أجد برفقتهم حماية، في بلد لا يزال يعاني من مشكلات أمنية، وهذا الشيء لاحظته أيضا حين التقيت وزير الثقافة د. مهدي مبروك، وكان من التواضع أن انفردت به جانبا وطرحت عليه أسئلتي المتعلقة بالواقع الثقافي التونسي وأصغى لأسئلتي وأجابني، وطال الحديث حتى أجهز على وقت استراحة حفل الافتتاح القصيرة، وكان وحده معي بلا حماية ولا عساكر هذا الموقف ذكّرني بآخر سابق حدث معي في البصرة خلال مشاركتي بمهرجان المربد 2010 فحين انتهيت من مشاركتي ونزلت من المنصة، اذا بصديق تعود معرفتي به الى أيام الجامعة أصبح مسؤولا وحين ترك مكانه الذي كان بالمقدمة وجاء لالقاء التحية عليّ سار خلفه عدة أشخاص وحين عانقني أحاطوا بنا نحن الاثنين وكأننا أسرى عندهم، وبقينا نتحدث بأمور شتى، وبهذه الأثناء اقترب مني صديق آخر للسلام علي منعوه، ولم يحرك صديقي المسؤول ساكنا فاضطررت لكسر الطوق البودي كاردي واحتضانه لنبكي معا على بلد صارت التحية به شبهة
أفقت من ذلك حين دعت اللجنة المنظمة وزير الثقافة التونسي لتكملة الحفل استأذن ومضى ليأخذ طريقه بين الجمهور.
/8/2012 Issue 4270 – Date 6 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4270 التاريخ 6»8»2012
AZP20
RZRB