زمان جديد ـ أعياد بلا معايدات ـ عبدالرزاق الربيعي

زمان جديد ـ أعياد بلا معايدات ـ عبدالرزاق الربيعي
كلما تتقدم وسائل التواصل ويستجد بها الجديد وتعصف بها رياح التغيير يظهر أثرها على الحياة الاجتماعية بشكل سريع وتتضح هذه التغييرات في المناسبات، والعيد واحدة من هذه المناسبات التي انعكست عليها التغيرات فقبل سنوات قليلة كانت مكاتب البريد قبل حلول الأعياد والمناسبات ومنها أعياد الميلاد، تمتلئ بالزبائن الذين يقتنون بطاقات التهنئة من الباعة ويلصقون على ظهورها الطوابع ويودعونها صناديق البريد،كانت تلك المعايدات عادة تحمل صورا سياحية أو ورودا أو زخارف أو مناظر طبيعية وعبارات كتبت بخطوط عربية جميلة تحمل في ظاهرها عبارات فيها من الرومانسية والعاطفة الكثير وكنا ندوّن على ظهورها عبارات المجاملات والتهاني والتبريكات تجيش منها العاطفة والتقدير تحمل في طياتها سمات التبجيل للمرسل اليهم بما يجعلها ذكرى عطرة عادة ما يحتفظ بها الناس فتجد الكثيرين أمست هواية لديه جمع المعايدات والبعض يصنفها، وخلال زياراتي لأحد البيوت لاحظت أشكالا جميلة على الحائط بهيئات مختلفة مؤلفة من هذه المعايدات وحين استفسرت عن ذلك علمت أن صاحب البيت تجمعت لديه كمية كبيرة من تلك المعايدات فقامت زوجته التي تمتلك حسا فنيا ولها محاولات في الفن التشكيلي بجمعها وصنع تلك الأشكال الجميلة، وهو ما يطلق عليه في الفن التشكيلي الكولاج الذي يعني فن اللصق، والبطاقات البريدية قديمة قدم البريد الورقي حيث ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1861 وعمدت باسم جون تشارلتون الذي حصل على براءة اختراع بها ثم باعها تباعا لآخرين وظهرت بعده بتسع سنوات في أوربا، وكانت دوائر البريد الوحيدة المخولة بطباعة واصدار البطاقات واستمر الحال حتى العام 1898 بعدما أصدر الكونغرس الأمريكي قرارا بهذا الصدد سمح به بإصدار وطباعة البطاقات البريدية، كما ورد في الموسوعة الحرة.
ولم ينأ البحث العلمي والفني عن سياقات تلك الظاهرة الحضارية حتى أن صديقنا الشاعر د.شاكر لعيبي جعلها مبحثا لنيل درجة الماجستير من الكلية العليا للفنون البصرية في جنيف عام 1992 م وكانت حول المعايدات الصادرة في بلدان البحر المتوسط ولاسيما شمال أفريقيا في حقبة الاستعمار وتصنيفها وتأويلها وتحليلها.
ومع انتشار البريد الإلكتروني والمعايدات الإلكترونية التي تفننت بعض المواقع في تصميمها وتلوينها واضفاء عليها لمسات جمالية جاذبة، بدأت المعايدات الورقية بالاختفاء، وذلك لسهولة تداولها وسرعته التي لا تتعدى الدقيقة، وكونها مجانية قياسا للمعايدات الورقية التي تتطلب التوجه الى البريد ودفع مبالغ ليست بالقليلة للباعة بخاصة اذا كان عدد المعايدات كبيرا ثم دفع أثمان أجور البريد، ومع اختفاء المعايدات الورقية اختفت موهبة الخط بسبب الطباعة الإلكترونية واختيار الخطوط الجاهزة ولم تعد تؤرشف المناسبات والسنين والصلات بل حل محلها التخزين في ملفات على جهاز الحاسوب أو في صندوق البريد الإلكتروني الذي غالبا ما يمتلئ بالرسائل فيكون مصيرها الحذف، وعندما يتقادم عليها الوقت تحذف ذاتيا وهناك جانب سلبي في الموضوع لا يخفى على جميع من يتعاطى المعايدات الألكترونية يتعلق بالجانب النفسي ويتمثل بشعور المرسل اليه أن تلك البطاقة متاحة للجميع بل إن الكثيرين يبعثون البطاقة نفسها الى مئات العناوين بضغطة واحدة فاختفت العبارات الخاصة.
لذا فان المرسل اليه يستقبل تلك البطاقة باهتمام قليل قياسا للبطاقة البريدية وكأنها تجردت من عمق العاطفة وملموس الصلة مع كل معايدة مرسل لشخص بعينه.
يبدو أن تطور وسائل الحياة والاتصال قد ألغت الكثير من طقوس حياتنا السابقة فعسى الا يمتد الأمر الى جذوة العاطفة وصدق الصلة التي نتمنى الا تختفي مستقبلا.
AZP20
RZRB

مشاركة