زمان جديد الغجر ولا الضجر
عبدالله البدراني
قد يلفت انتباهكم هذا العنوان الغريب اجتماعيا والقريب شعريا ولكني آليت على نفسي ان اترك الأمور بمسمياتها فهذا المثل كان يردده شاعر موصلي من جيل الخمسينيات طوى شعره وابداعاته هذا الزمن المكتظ بالمفاهيم المتناقضة انه الشاعر عبد الوهاب الشرفاني الذي يتذكره ابناء جيله من الشعراء والكتاب.
اما اين هو الان؟ فقد وصلتني اخر اخباره عن طريق ابنه البكر محمد الذي قابلته في احدى زياراتي الى احد الاصدقاء في الشام انه نعى لي اباه انذاك، اي ان اباه قد غادر الحياة ودفن على الارجح في احدى البلاد البعيدة التي احتضن ترابها رفاة شاعرنا مثلما احتضنت عشرات الغرباء من العراقيين على مر التاريخ.
نعود الى هذا المثل الغجر ولا الضجر ربما يكون قد سمعه وردده وربما كانت تربطه علاقات اخرى مع اغلب الشرائح الاجتماعية والتي نال الغجر حضهم منها ولانها شريحة انسانية قبل كل شيء وحسب اعتقادي فإنه هو الصائغ الاول والاخير لهذا المثل المبني على طريقة السجع العربي.
الذي ذكرني به احد الاصدقاء الذي جلس صباح احد الايام الكانونية على انين احد اطفاله المرضى من جراء موجة البرد وموجة المحروقات التي يتناسب توفيرها عكسيا مع احتياجات الفرد العراقي لسوء توزيعها او لسوء توفيرها. والمعلوم ان العراقيين وتحديدا في هذه السنيات تشح في بيوتهم عناصر التدفئة وهم في امس الحاجة اليها.
فز في صباح من نومه وبعد سجال مرير مع ام العيال اضطرته الظروف الصحية لعائلته ان يذهب الى الجيران المتناثرين هنا وهناك لغرض الحصول على ما يسد رمق النار التي ينتظرها اطفاله المحمومون.
عوائل الغجر كانوا في اولويات النخوة والشيمة فتفازعوا فيما بينهم بعد ان وقف هذا المواطن طويلا امام ابواب كثيرة، كلهم اعتذر عن تلبية حاجاته لقد عاد صاحبي ليس بخفي حنين لأن الذين قصدهم هم أهل لها من الناحية الانسانية والاخلاقية. لقد تظاهر الغجر مظاهرة قل مثيلها، كانت حصيلتها توفير المحروقات لجارهم الى ان ينتهي فصل الشتاء وكان له ما اراد خصوصا بعد ان تبادل معهم مهنة الاستجداء على ما ذكر لي .
هم يستجدون كل شيء وهو يستجدي شيئا واحدا هو الدفء هم يستجدون من الاخرين في كل المواسم وهو يستجدي منهم في موسم واحد او في يوم واحد بعد ما حصل على قوته من المحروقات ما يكفيه لموسم شتوي مخيف توقف عن هذه المهنة وربما قد يلجأ اليها قابلاً.
وبالمناسبة فإن هناك مسميات كثيرة أطلقت على هذه الشريحة فمنها القرج بتفخيم الجيم والكاولية والزط والمطاربة وان هم تعددت تسمياتهم فان عاداتهم ومفاهيمهم لا تختلف من بلد الى آخر آي إن بديهياتها الاجتماعية ثابتة ولو انه قد طرأ عليها بعض المداخلات الأخرى فحدث هناك اختلال في طقوسهم وهم يدينون بديانات البلدان التي يعيشون فيها بالرغم من انهم لا يهتمون بالأديان كما يهتم بها الآخرون ولا أخفيكم انني التقيت بأحدهم الذي يلبس العباءة العربية والعقال العربي في احد شوارع الموصل في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق وبعد التي واللتيا وحوار مستفيض اكتشفت أن للغجر شيخا ومسؤولا كما للشرائح الأخرى وكان يدعي بأنهم لهم كيانهم العشائري والديني والاجتماعي والذي لا يتقاطع ولا يختلف عن بقية أبناء جلدته من العراقيين وعندما سألته عن وجوه الغجريات التي اختلفت بعد الاحتلال عن ما قبله امتنع عن الإجابة.
طوبى لهذه الشريحة، شريحة الغجر وطوبى لك صديقي الراحل عبد الوهاب الشرفاني الذي لا اعرف أين مثواه الآن وربما اعرفه ولكني احتفظ بموقع جثمانه لاولوياتي التي اعتز بها مثلما يعتز بها الطيبون.
AZP20