زمان جديد أعالي الندم وذراه

زمان جديد أعالي الندم وذراه
عبدالرزاق الربيعي
فاجأني سؤال من صديق وصلني عن طريق رسالة قصيرة، كان السؤال يتألف من خمس كلمات ما هو القرار الذي ندمت عليه؟ وهو، كما ترون، سؤال بسيط، ويمكن الاجابة عنه بكلمة واحدة، لكنني خلال دقيقة قرأته مرات عدة وبدأت قطرات العرق تتساقط من جبيني خجلا، وربما ندما أيضا، وشعرت كأنني أجري في طريق طويلة بسرعة فائقة، هذه الطريق هي رحلة وسط ظلام دامس الى الوراء، بحثا عن اللحظة التي اتخذت بها القرار الخاطئ
لقد شكل لي السؤال صدمة نفسية وجعلني أفكر كثيرا قبل اجابته، وحين طال وقت التفكير، أجبت صديقي لا أمتلك اجابة واضحة الآن، امهلني حتى الغد.
والغد قادني الى أغداد، وحين رأت الدكتورة سعيدة بنت خاطر حيرتي، وهي القريبة مني في ساعات الحيرة، خففت عني وقالت السؤال يحرج ولا يحير لأن ما نندم عليه عادة يرتبط بمن لانريد جرحهم، أما القرارات ذات التأثير الشخصي فمن السهل أن نقر بها وأن نصلحها، لكن ماليس بالسهل اصلاحه هو القرار الذي يربطنا بأشخاص من مبدأ صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك .
تذكرت الفرزدق وقوله
ندمت ندامة الـــكـُسَعيِّ لمَّــا
غدتْ مني مطلقـةً نوارُ
وهذا يعيدنا الى الكسعي ّ الذي صار مضرب الأمثال في تراثنا، وكان اتخذ قوسا وخمسة أسهم وكمن في طريق قطيع؛ فرمى حمارا منه، فنفذ فيه السهم وصدم الجبل، فرأى نارا فظن أنه أخطأ، فرمى ثانيا وثالثا الى آخرها وهو يظن خطأه، فعمد الى قوسه فكسرها، ثم بات، فلما أصبح نظر فاذا الحُمُر مطرحة مصرعة، وأسهمه بالدم مضرجة، فندم وقطع ابهمه .. وأنشد قائلا
ندمت ندامة لو أن نفسي
تطاوعني اذا لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني
لعمرُ أبيك حين كسرت قوسي
علماء النفس يعرفون الندم بأنه الفرق بين الكيفية التي جرت فيها الأمور والكيفية التي كان بإمكانها ان تجرى.. لو اننا قمنا باختيار شيء آخر .
نندم أحيانا على ارتباطنا بعلاقات، أو قيامنا بأفعال، وخطوات غير محسوبة.
ففي حياتنا اليومية نتخذ قرارات كثيرة نظن انها صائبة لكن بعد مرور زمن قد يمتد الى سنوات نكتشف أن تلك القرارات كانت خاطئة فنبدأ مع أنفسنا رحلة الندم، وهي رحلة ان بدأت لن تنتهي بسهولة، وتكون نتيجتها حالة من الاكتئاب والشعور الدائم بالضيق، فالذي حدث حدث، ولا يمكن الرجوع بالزمن الى الوراء، وعلينا في كل الأحوال تقبل النتائج، ولكن النفس أمّارة بالكآبة وجلد الذات.
وليس الشعور بالندم متاحا للجميع، انه يحتاج الى نضج وقدرة على الفرز وجرأة في مواجهة الذات، لذا فالندم مرحلة يصلها الانسان بعد شوط طويل يقطعه في حياته، ليصل الى سن الندم لكن العلم يرى في الندم حالة ايجابية فقد اكتشفوا أن اجزاء الدماغ المسؤولة عن التفكير والمشاعر تصبح نشطة عندما يمر الانسان بحالة الندم. وفي دراسة نشرتها الباحثة في جامعة فكتوريا كولين سافراي في مجلة موتيفيشن أند ايموشين ، أكد المشاركون في أحد الاستبيانات أن شعورهم بالندم قادهم الى فهم احداث الحياة، ومكنهم من ايجاد بلسم شاف لأخطائهم التي وقعوا فيها .
لذا علينا أن نشخص أخطاءنا أولا ثم، فمعرفة الخطأ نصف الطريق الى الشعور بالندم ومن ثم تصحيح المسار وبذلك فإننا نندم لكي نتجاوز تلك الأخطاء ولا نكررها ولن نبلغ تلك المرحلة مالم نصل الى أعالي الندم بتسلق ذراه
حين توصلت الى تلك النتيجة تنفست الصعداء
وأجبت عن سؤال صديقي بكل هدوء واسترخاء.
/5/2012 Issue 4196 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4196 التاريخ 10»5»2012
AZP20
RZRB

مشاركة