روسيا والصين وإيران وسوريا
عـــادل البيــــاتي
تتعالى الأصوات، من داخل سوريا وخارجها، التي تشعر بخيبة الأمل من مواقف النظم الداعمة لنظام القمع في دمشق، وبالتحديد روسيا والصين وإيران، وتُحَمّل تلك الأطراف مسؤولية الجرائم التي يرتكبها النظام وشبيحته بحق الشعب السوري وتعتبرهم شركاء أساسيين في الجريمة. ولذلك قررت تنسيقية الثورة السورية اعتماد شعار روسيا عدوة الشعب السوري عنوانا وشعارا لتظاهرات جمعة الغضب السوري.
ولئن كان موقف النظام الإيراني وتابعه المطيع حزب الله اللبناني، واضح في دواعيه ودوافعه الطائفية التي لاتحتاج إلى مزيد عناء في الفهم، إلا أن الموقفين الروسي والصيني يُعتبران غريبين وشاذين، حيث تتناسى روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق، أنها كانت في يوم ما تدعي نصرة الشعوب الثائرة المنتفضة ضد الظلم والطغيان في كل مكان من العالم، وكانت تقدم المعونات لتلك الشعوب، وكذا الحال بالنسبة للصين وريثة الصين الشعبية التي كانت تنافس الاتحاد السوفييتي في تقديم العون للشعوب المضطهدة والثائرة.. ولقد كان ابناء الشعب السوري الثائر يتطلعون إلى مواقف مماثلة لمواقف المعسكر الاشتراكي السابقة، نظراً لما تعلنه موسكو وبكين باستمرار من وقوفهما إلى جانب الشعوب وانحيازهما لمبادئ حقوق الإنسان، وللروابط التاريخية والاقتصادية التي تربط بينهما والأمة العربية في القرن الماضي، إلا أن استخدامهما المخزي للفيتو في مواجهة تطلعات شعب سوريا للحرية والكرامة، شكل خيبة أمل كبيرة للعرب وللسوريين، حيث تعالت الأصوات التي تحمل موسكو وبكين مسؤولية الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري، واعتبارهما شريكتين في هذه الجرائم.
الموقف الروسي والصيني ربما تحكمه المصالح التجارية والعسكرية، فروسيا لا تريد خسارة آخر حليف لها في المنطقة، وكذلك تريد أن تساوم الغرب على الدرع الصاروخي المزمع وضعه في عدد من الدول الأوربية، والذي تعتبره روسيا تهديدا لأمنها القومي.
كما يبدو أن مشاكل أمريكا في أفغانستان والعراق، شجعت موسكو إلى أن تعود لممارسة اسلوب الحرب الباردة مع الغرب، ومحاولة استعادة مكانتها السابقة لأنها وريثة الأتحاد السوفييتي السابق، اما الصين التي تتضامن مع الموقف الروسي فلديها رغبة في اضعاف الدور الأمريكي والأوربي لكي تستمر السيطرة الصينية على الأسواق التجارية العالمية، اما إيران التي تستفيد من هذه الخلافات بين الدول الكبرى لتستمر في المراوغة لكسب الوقت من اجل اكمال برنامجها النووي وصنع القنبلة النووية لكي تسيطر على المنطقة، ولكي تفرض ايديولوجيتها المذهبية الطائفية.
إستخدام حق النقض
موقف موسكو وبكين المخجل في استخدام حق النقض الفيتو أكثر من مرة لإفشال أي مشروع عربي ودولي في مجلس الأمن يستهدف وقف القتل اليومي الذي يمارسه النظام السوري بحق شعبه، والذي تواصل على مدى خمسة عشر شهراً، وفاق عدد القتلى الـ 20 ألفاً وضعفهم من الجرحى والمعاقين واكثر من خمسين ألف معتقل يتعرضون لشتى أنواع التعذيب، كما فاق عدد المهجرين من مدنهم وقراهم المليون ونصف المليون مهجر. وكان الفيتو بمثابة ضوء أخضر لنظام القتلة في دمشق كي يواصل جرائمه الوحشية بحق النساء والأطفال والشيوخ والشباب بلا رادع من أخلاق ولا قيم.
لا ننكر أن تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة السورية، فيه كثير من النفاق والتردد، فالولايات المتحدة، ومن ورائها الاتحاد الأوربي مازالت تتصنع دور العاجز والملتزم بالشرعية الدولية، وأصبحت تهتم أكثر بالمساعدات الإنسانية عن الحلول السياسية والعسكرية الحاسمة، من أجل إيقاف نزيف الدم السوري البريء.
ثورة الشعب السوري في سياق ثورات الربيع العربي هي الأخطر والأعنف، والأكثر دموية من قبل نظام القمع صاحب السجل الطويل في الاضطهاد والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، ولكن للاسف أطراف المجتمع الدولي الحاكمة مازالت مترددة في اسقاط النظام الطائفي الدموي في دمشق، فإسرائيل ومن ورائها واشنطن، تخشى من سقوط الأسد ومن مرحلة ما بعد سقوطه، لأن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا النظام العلوي يعني انهيار حزب الله الأداة الايرانية في لبنان، ويمهد الطريق لتغيير قادم في العراق، كما أنه يضعف من دور إيران في المنطقة، وإن استقرار الحكم لنظام سني ينطوي بنظرهم على مخاطر كثيرة للمصالح الأمريكية والدولية والإقليمية، لا مجال لذكرها جميعا، ولعل أخطرها على الإطلاق، هو احتمال انهيار اتفاقية سايكس بيكو 1916، وزوال الحدود المصطنعة بين سوريا وكل من العراق ولبنان مكونة دولة جديدة بمعالم جيوسياسية خطيرة، مستفيدة بذلك من الصراعات الطائفية في تلك الدول، وأيضاً مستفيدة من الصلات القبلية والعائلية المتشابكة بين كل من سوريا ولبنان من ناحية الغرب، وسوريا والعراق من ناحية الشرق.
سوريا تحت الحكم العلوي بعد الاحتلال الايراني للعراق أصبحت جسرا للترابط الشيعي الممتد من طهران إلى لبنان، الذي سماه الملك عبد الله بن الحسين، الهلال الشيعي، لكن هذا الجسر ممكن أن يتحول ليكون رابطا للمد السني من بغداد إلى لبنان فيما لو تغيرت هويته. وعليه، فإن سقوط الحكم العلوي في سوريا يمكن أن يؤدي على المدى المتوسط إلى شكل جغرافي وسياسي جديد لمنطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر لنا عسر مخاض الثورة السورية، فهي تفتح على مآلات غير محدودة المعالم وذات تأثير إقليمي ودولي كبير.
إذن فالإرادة الدولية اجتمعت ضد الثورة السورية، ولكن بفيتو روسي وصيني، وموقف غربي باهت ومنافق، لكن الأمل ما زال معقوداً بصلابة إرادة الشعب السوري ومدى تضحياته وحدها من يقبل أو يرفض أي تسوية تنطوي على تنحية بشار الأسد مع بقاء نظام الحكم العلوي، أو إسقاط النظام برمته.
ان الفيتو الروسي والصيني عار وجريمة في حق الإنسانية، فهو يمنح النظام حصانة دولية لاستمرار جرائمه الوحشية ضد المتظاهرين السلميين، وقمع المطالبين بالحرية والديمقراطية والكرامة. وإن الدول العربية مطالبة اليوم باتخاذ موقف جماعي قوي وموحد ضد روسيا والصين والثأر لكرامتهم ورد الصاع صاعين والتهديد باتخاذ موقف ضد البلدين مثل المقاطعة الاقتصادية والتجارية وطرد السفراء إذا لم يتراجعا عن موقفهما بدعم آلة القتل ضد الشعب السوري. إن الشعب العربي من المحيط الى الخليج، يغلي بالغضب من الموقف الروسي الايراني الصيني في دعم نظام القتلة في دمشق، لأنه ينم عن حماقة وخطأ كبير في تقدير الموقف من الشعب السوري والشعب العربي عامة، ولن ينفعهم دعمهم للأنظمة الفاشية الدموية، فالشعوب العربية من المحيط إلى الخليج غاضبة من الفيتو الروسي الذي أعطي الأسد المزيد من القتل وحرية الحركة لارتكاب المجازر بوحشية مفرطة، فالروس اليوم أعداء الحرية والديمقراطية، ولم يتعظوا من موقفهم في ليبيا، لم يتعلمو الدرس من الشعب الليبي.
/7/2012 Issue 4240 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4240 التاريخ 2»7»2012
AZP07