
أما الروبوت بعد تفصيحه وتبيينه فهو الكائن الآلي الذي يشبه الإنسان ويصنع من مواد الحديد والأسلاك ولدائن أُخرى ، وقد شاهدناه عاملاً وموظفاً وعتالاً كادحاً جاداً لا يشكو ولا يبكي وليس بقاموسه راتب أخير الشهر وطعام البطن ودواء العلة والشعور بالمهانة والتظاهر والمشاركة بالإنتخابات وحضور مجالس الأفراح والأتراح والرقص والنواح .
ستتسع بالزمن المنظور دائرة عمل ووجود هذا الكائن اليابس القاسي ، ويقوم بالإستيلاء على أشغال الناس وقطع أرزاقهم من دون رفة جفن أو صفعة ضمير .
ستقف يا صديقي الإنسان المخلوق من دم ولحم وعظم وعصب يوماً على الرصيف وتؤشر بيمينك فتتوقف سيارة حديثة أمامك وتتفاجأ بسائقها الملون ورأسه المزروع بالمحسسات ، لكنه سيعاجلك بسؤال عن وجهتك فتقول له إنها أمانة العاصمة بمنطقة الصدرية فيجيبك بصوت ناعم وينهيه بجملة تفضل وعلى الرحب والسعة .
في المطعم سيقدم لك صحن الباميا الطيبة ويلصقه بماعون تمن وكاسة طرشي وخبز تنور وزلاطة معتبرة وبطل ماء ويتركك تلوك جملته الأخيرة بألف عافية وعافية .
سيطرق باب دارك ويطلب منك زبالتك ليرميها بحاوية القمامة الكائنة برأس الشارع .
سيتطور هذا الأمر الجلل فترى آلافاً مؤلفة مؤتلفة ألوانها من روبوتات شرسة وهي تلتئم على سور ساحة التحرير وتردد شعارات قاسية ضد الحكومة وتزوير الإنتخابات والنهب والسلب والخيانة ، وعلى الجانب الآخر من حديقة الأمة سيكون بمقدورك مراقبة تظاهرة روبوتية مضادة تمدح وتردح وتغني للحاكم وستبلغ بها الحماسة والخسة والنذالة والتضليل المبرمج حد أن ترفع شعار بالروح بالدم نفديك يا سلمان .
ستذهب إلى محكمة بداءة كرخ بغداد وتحت أُبطك قرار بتطليق زوجتك ، فيأتيك صوت قاضي القضاة الأملس بالجواب مضافاً إليه جملة حسناً فعلت وعاشت يدك .
ستجلس بمقهى حسن عجمي بانتظار صاحبك ملك لعبة الطاولي ، وعندما يطول جلوسك الممل وصديقك النذل لم يصلك ، فسوف يكون بمقدورك مناداة روبوت بائس ساكن قرب طاولتك وتعرض عليه اللعب معاً وسوف تراه ينط مثل قط أجوف ويجلب معه الطاولي والزار ومخدة صغيرة منفوشة بمقدورك أن تستعملها كمؤخرة ثانية .
ستيمم وجهك بعصرية لزجة صوب حديقة الزوراء تلبية لموعد منتظر مع صديقتك العاطرة المذهلة ، وقبل مغيب شمس الله ستفقد الأمل بمجيئها فتدمع عيناك ويسيل خشمك وتقطف ربع شعر لحيتك المباركة ، وقبل أن تفكر بالصعود إلى نهاية البرج في الجوار لترمي جسدك المهزول ، سيأتيك روبوت غاية في التهذيب والإنحناء فتقص عليه مصيبتك فيطبطب برفق على ظهرك ويمسد شعرك ثم يهجرك لمدة ثلاث دقائق ويأتي إليك بروبوتة حلوة مغناج مثيرة كاملة من دون شفايف منفوخة ولا صدر بالونات فتقضي معها أمسية جميلة وغير مكلفة ، وعندما تقرأ عليها واحدة من قصصك السخيفة ، فسوف تجدها ممتنة ومتعجبة وصافرة وصائحة بصوت هائل : ألله ألله عليك يا علّوكي البديع !!
وهكذا دواليك ودواليها .


















