روبوت‭ ‬وروبوتة-علي السوداني

أما‭ ‬الروبوت‭ ‬بعد‭ ‬تفصيحه‭ ‬وتبيينه‭ ‬فهو‭ ‬الكائن‭ ‬الآلي‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬الإنسان‭ ‬ويصنع‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬الحديد‭ ‬والأسلاك‭ ‬ولدائن‭ ‬أُخرى‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬شاهدناه‭ ‬عاملاً‭ ‬وموظفاً‭ ‬وعتالاً‭ ‬كادحاً‭ ‬جاداً‭ ‬لا‭ ‬يشكو‭ ‬ولا‭ ‬يبكي‭ ‬وليس‭ ‬بقاموسه‭ ‬راتب‭ ‬أخير‭ ‬الشهر‭ ‬وطعام‭ ‬البطن‭ ‬ودواء‭ ‬العلة‭ ‬والشعور‭ ‬بالمهانة‭ ‬والتظاهر‭ ‬والمشاركة‭ ‬بالإنتخابات‭ ‬وحضور‭ ‬مجالس‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح‭ ‬والرقص‭ ‬والنواح‭ .‬

ستتسع‭ ‬بالزمن‭ ‬المنظور‭ ‬دائرة‭ ‬عمل‭ ‬ووجود‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬اليابس‭ ‬القاسي‭ ‬،‭ ‬ويقوم‭ ‬بالإستيلاء‭ ‬على‭ ‬أشغال‭ ‬الناس‭ ‬وقطع‭ ‬أرزاقهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رفة‭ ‬جفن‭ ‬أو‭ ‬صفعة‭ ‬ضمير‭ .‬

ستقف‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬الإنسان‭ ‬المخلوق‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬ولحم‭ ‬وعظم‭ ‬وعصب‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬وتؤشر‭ ‬بيمينك‭ ‬فتتوقف‭ ‬سيارة‭ ‬حديثة‭ ‬أمامك‭ ‬وتتفاجأ‭ ‬بسائقها‭ ‬الملون‭ ‬ورأسه‭ ‬المزروع‭ ‬بالمحسسات‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬سيعاجلك‭ ‬بسؤال‭ ‬عن‭ ‬وجهتك‭ ‬فتقول‭ ‬له‭ ‬إنها‭ ‬أمانة‭ ‬العاصمة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الصدرية‭ ‬فيجيبك‭ ‬بصوت‭ ‬ناعم‭ ‬وينهيه‭ ‬بجملة‭ ‬تفضل‭ ‬وعلى‭ ‬الرحب‭ ‬والسعة‭ .‬

في‭ ‬المطعم‭ ‬سيقدم‭ ‬لك‭ ‬صحن‭ ‬الباميا‭ ‬الطيبة‭ ‬ويلصقه‭ ‬بماعون‭ ‬تمن‭ ‬وكاسة‭ ‬طرشي‭ ‬وخبز‭ ‬تنور‭ ‬وزلاطة‭ ‬معتبرة‭ ‬وبطل‭ ‬ماء‭ ‬ويتركك‭ ‬تلوك‭ ‬جملته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بألف‭ ‬عافية‭ ‬وعافية‭ .‬

سيطرق‭ ‬باب‭ ‬دارك‭ ‬ويطلب‭ ‬منك‭ ‬زبالتك‭ ‬ليرميها‭ ‬بحاوية‭ ‬القمامة‭ ‬الكائنة‭ ‬برأس‭ ‬الشارع‭ .‬

سيتطور‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الجلل‭ ‬فترى‭ ‬آلافاً‭ ‬مؤلفة‭ ‬مؤتلفة‭ ‬ألوانها‭ ‬من‭ ‬روبوتات‭ ‬شرسة‭ ‬وهي‭ ‬تلتئم‭ ‬على‭ ‬سور‭ ‬ساحة‭ ‬التحرير‭ ‬وتردد‭ ‬شعارات‭ ‬قاسية‭ ‬ضد‭ ‬الحكومة‭ ‬وتزوير‭ ‬الإنتخابات‭ ‬والنهب‭ ‬والسلب‭ ‬والخيانة‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬الأمة‭ ‬سيكون‭ ‬بمقدورك‭ ‬مراقبة‭ ‬تظاهرة‭ ‬روبوتية‭  ‬مضادة‭ ‬تمدح‭ ‬وتردح‭ ‬وتغني‭ ‬للحاكم‭ ‬وستبلغ‭ ‬بها‭ ‬الحماسة‭ ‬والخسة‭ ‬والنذالة‭ ‬والتضليل‭ ‬المبرمج‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬بالروح‭ ‬بالدم‭ ‬نفديك‭ ‬يا‭ ‬سلمان‭ .‬

ستذهب‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬بداءة‭ ‬كرخ‭ ‬بغداد‭ ‬وتحت‭ ‬أُبطك‭ ‬قرار‭ ‬بتطليق‭ ‬زوجتك‭ ‬،‭ ‬فيأتيك‭ ‬صوت‭ ‬قاضي‭ ‬القضاة‭ ‬الأملس‭ ‬بالجواب‭ ‬مضافاً‭ ‬إليه‭ ‬جملة‭ ‬حسناً‭ ‬فعلت‭ ‬وعاشت‭ ‬يدك‭ .‬

ستجلس‭ ‬بمقهى‭ ‬حسن‭ ‬عجمي‭ ‬بانتظار‭ ‬صاحبك‭ ‬ملك‭ ‬لعبة‭ ‬الطاولي‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬يطول‭ ‬جلوسك‭ ‬الممل‭ ‬وصديقك‭ ‬النذل‭ ‬لم‭ ‬يصلك‭ ‬،‭ ‬فسوف‭ ‬يكون‭ ‬بمقدورك‭ ‬مناداة‭ ‬روبوت‭ ‬بائس‭ ‬ساكن‭ ‬قرب‭ ‬طاولتك‭ ‬وتعرض‭ ‬عليه‭ ‬اللعب‭ ‬معاً‭ ‬وسوف‭ ‬تراه‭ ‬ينط‭ ‬مثل‭ ‬قط‭ ‬أجوف‭ ‬ويجلب‭ ‬معه‭ ‬الطاولي‭ ‬والزار‭ ‬ومخدة‭ ‬صغيرة‭ ‬منفوشة‭ ‬بمقدورك‭ ‬أن‭ ‬تستعملها‭ ‬كمؤخرة‭ ‬ثانية‭ .‬

ستيمم‭ ‬وجهك‭ ‬بعصرية‭ ‬لزجة‭ ‬صوب‭ ‬حديقة‭ ‬الزوراء‭ ‬تلبية‭ ‬لموعد‭ ‬منتظر‭ ‬مع‭ ‬صديقتك‭ ‬العاطرة‭ ‬المذهلة‭ ‬،‭ ‬وقبل‭ ‬مغيب‭ ‬شمس‭ ‬الله‭ ‬ستفقد‭ ‬الأمل‭ ‬بمجيئها‭ ‬فتدمع‭ ‬عيناك‭ ‬ويسيل‭ ‬خشمك‭ ‬وتقطف‭ ‬ربع‭ ‬شعر‭ ‬لحيتك‭ ‬المباركة‭ ‬،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬بالصعود‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬البرج‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬لترمي‭ ‬جسدك‭ ‬المهزول‭ ‬،‭ ‬سيأتيك‭ ‬روبوت‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التهذيب‭ ‬والإنحناء‭ ‬فتقص‭ ‬عليه‭ ‬مصيبتك‭ ‬فيطبطب‭ ‬برفق‭ ‬على‭ ‬ظهرك‭ ‬ويمسد‭ ‬شعرك‭ ‬ثم‭ ‬يهجرك‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق‭ ‬ويأتي‭ ‬إليك‭ ‬بروبوتة‭ ‬حلوة‭ ‬مغناج‭ ‬مثيرة‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شفايف‭ ‬منفوخة‭ ‬ولا‭ ‬صدر‭ ‬بالونات‭ ‬فتقضي‭ ‬معها‭ ‬أمسية‭ ‬جميلة‭ ‬وغير‭ ‬مكلفة‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬تقرأ‭ ‬عليها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قصصك‭ ‬السخيفة‭ ‬،‭ ‬فسوف‭ ‬تجدها‭ ‬ممتنة‭ ‬ومتعجبة‭ ‬وصافرة‭ ‬وصائحة‭ ‬بصوت‭ ‬هائل‭ : ‬ألله‭ ‬ألله‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬علّوكي‭ ‬البديع‭ !!‬

وهكذا‭ ‬دواليك‭ ‬ودواليها‭ .‬