رواية يوليانا لنزار عبد الستار

رواية يوليانا لنزار عبد الستار

تقنية توظيف المدخل إجرائياً

محمد يونس

المفردة والتعويض عن الممحو – ليس من السهل أن تكون العتبة تمثل مضمون الرواية بمجمله وهي مفردة واحدة لا غير، ومؤكد ذلك ليس سهلا وإن كان موجودا، وفي إطار الجنس الأدبي لا يحتمل ذلك تقريبا إلا الشعر، وفي حدود معينة، وفي الرواية الأمر يمثل بعدا مختلفا بشكل واسع، حيث تبدو لي المسألة الأساس، حيث الرواية عمل واسع لا يقارن بباقي الأجناس الأدبية، ولكن يمكن أن نقر بأن تقابله من الفنون السينما على وجه الخصوص، وأن يقترب المسرح من الرواية في الحوار والمشهد، وفي تفسير نص موازٍ مفردة واحدة، ليس هناك تفسير ثابت، لكن هناك من التفاسير التي هي في منطقها تكون الأقرب إلى القبول، التي تعبر المفردة كعتبة هي بمعنى تطور دلالته باستمرار، حتى تبلغ حدودا تقنع، لكنها تتجاوزها بعد القناعة، لكن بأن العتبة قد تكون أكدت وجودها الخارجي، أي أن تطور الدلالة لا يقف عند مضمون الرواية، ويسترسل بالتطور، وقد تبلغ حالة ما بعد المعنى، وهذه إشارة لتأكيد أن العتبة خارجية  وليس داخلية بالمعنى، وهي بمركزها في الغلاف واعتبارها عنوانا تمثل انفصالا في بعد تجاوزها مضمون الرواية، وفي سياق آخر يمكن أن نضع عنوانا على كهذا، أي رواية أخرى، وهناك سياقات أخرى للعتبة التي تمثل مفردة كعنونة، سيان تمثل المضمون أو لا تمثله، وطبيعي في عدم التمثيل يكون النص الموازي نصا مقابلا للنص الروائي، وهي بمركزها في الغلاف وتعويضها عن ما محي منها، واعتبارها عنوانا تمثل انفصالا  نسبيا في بعد تجاوزها مضمون الرواية .

من هذا التقديم نخلص الى فكرة تمثلت برواية – يوليانا – لنزار عبد الستار، تندرج تلك الفكرة في عدة ابعاد، ولكل بعد سماته، وصراحة أن تكون المفردة  عتبة فبإطار الحساسية تمثل أكثر من وجه، وجه أولي يتيح للتلقي تأملا بشكل واسع، معتبرا التلقي أنه أمام كتاب تام هو النص الموازي، ومن جانب ثانٍ يكون النص الموازي فوق المتن النصي أيضا هنا، أي أنه نص علوي بصيغته النحوية وتعدد معاني دلالاته الغير مباشرة، من جانب ثالث فإن التوافق الذي يطرحه بعض النقاد بين النص الموازي ومتن النص الروائي، هو في صيغة أخرى، إذ يكون ذلك المنطق غائبا، حيث لا وجود لإشارة لذلك التوافق إن كانت العتبة مفردة، وحتى إن وجدت داخل سياقات السرد أو في حوار أو توصف كرمز معين، من جانب رابع لا تمثل المفردة العتبية وجها ملحقا نصيا خارجيا يحيط بالنص كإشارة تامة، لأن العتبة الخارجية بصيغتها النحوية لا تعطي منطقا إلا تبريرا، وتدلل على ذاتها داخليا، وتبقى وظيفة العتبة الخارجية بصيغتها كمفردة تامة وخالصة تدلل على عنونة فقط في الصيغة البصرية، وعبر موقعها على الغلاف.

تطور بنية المدخل

 إن الاستهلال أحد الأسس القديمة في التراث الأدبي لبناء المادة الأدبية، ويعتبر من أهم ما يعطي انطباعا للمتلقي على وجه الخصوص العضوي عن النص الأدبي، على اعتبار أن الاستهلال واجهة تشير إلى طبيعة النص الأدبي جماليا على وجه الخصوص, وسيان كان النص الأدبي سردا كمادة روائية أو قصصية، أو يكون شعرا أو خطابة أو ما شابه, وطبعا الاستهلال برغم قصر حجمه الذي يؤشره أرسطو على أنه سطر أو سطرين،  لكن من الطبيعي أن يعطي انطباعا على أنه تام وكامل، وقد يكون نصا كاملا متمثلا بذاته، فقد كتب كتاب كبار جملا قصيرة بمزاعم أدبية، منها ما كان تجنيسيا وآخر مجرد كلام أدبي حسي، لكن لو توجهنا إلى الرواية تحديدا لوجدنا أن الاستهلال يشكل وجها مختصرا للكيان الروائي علاماتيا أو دلاليا أو عبر اشارة وصفية، ولأن بؤرة السرد في الرواية لا تبدو بتمظهر مباشر من الاستهلال، فإن الاستهلال كمدخل إحالي وموجه يكون ذا دور رئيس في مضمار الإشارة الضامرة إلى بؤرة السرد، والتي قد تبقى كامنة نسبيا حتى نهاية العمل الروائي، وإن الاستهلال بعنوانه القديم لا يتلاءم مع التحولات الأدبية والتطورات في الأجناس الأدبية، ففي الشعر مثلا تجد أن قصيدة النثر وكذلك قبلها التفعيلة، قد أثرتا على سياقية الاستهلال، فصار نصا، من جهة هو منفصل كنص شعري بذاته، ومن أخرى هو متصل ويمثل استهلال كيان القصيدة، وهذا ما أسمته جوليا كريستيفا (البنصوصية)، والسرد أيضا بعد التطورات التي مرت بها منظومته قد غير بعد الاستهلال الأساس، ، فكانت هناك في رواية – يويليانا – اكثر من استهلال او مدخل خارجية وداخلية، وكل له سمته ودافع مغزاه، وما هو بقصد رؤيا اتي، او قد وظف بهدف تقني، ونتوافق مع النقاد الذين يرون أنه صار (مدخل) فني السمة، لكن لاتنتفي صفة أنه استهلال أو مفتتح، لكن تحديد موضع كل مدخل في الرواية مهم هنا.

أعتقد أن الرواية الجديدة، وعلى وجه الخصوص الرواية العراقية أوجبت تعدد ذلك المدخل الاستهلالي، هذا ما احالتنا اليه رواية – يوليانا – حيث كان هناك مدخل اولي ليس ووفق مقتضيات فنية، وبهدف ذاتي هو قد صار مدخلا خارجيا، وهذا المدخل الخارجي لا يلزم مضمون النص الروائي، وهناك آخر يعتبر مدخلا داخليا، وهو ملزم بالإرتباط الوثيق لما يوصف أو يشار إليه كمسرود أو يحكى.

تزعزع الاطار

 إن تلك الأنماط المستجدة من الاستهلال، لم تزعزع الإطار الأساس من الخارج، بل صارت هناك ضرورة تتطلب حصول إجراء مستجد في كيان الاستهلال، حيث إن الروائي  نزار عبد الستار قام بعمل كتابي مستحدث، فهو قد وضع جلة اشارية لها وقعها عليه وعلى النص الروائي كما يحس، وهذا ما يتطلب منه أن يعول على تلك الضرورة، ولذا يمكن هنا اعتبار تلك المادة الأدبية كنص هي إشارة خارجية، لكن تكون مدخلا بكل الاعتبارات، وحسب حرفية الكلمة إننا لابد أن نمر بها، وإن كان مرورنا بها فضوليا، وليس هو كما في تلقينا المتن الروائي عضويا، اما تلي تلك الأشارة ذات الطابع التاريخي، هي نص مجزوء ببعد دلالي، هو ابعد من الأول بمضمونها السردي، وسنتناول كل من المدخل الخارجي والاخر الذي يليه حسب التوصيفات والعوامل والصيغ الأجرائية .

المدخل الخارجي – هو ما يسبق الاستهلال، أي هو جملة أو أكثر مضمنة أو من الكاتب نفسه، يشعر بأهميتها، فيجعلها تتصدر العمل الروائي كمدخل شخصي وهو يكون هنا مدخلا خارجيا، وما واجهنا اولا في رواية – يوليانا – بعد النصيات الجزئية غير داخل في صلب النص، من دار النشر وسياقات التصميم والرقم الدولي، وقد اتخذ المدخل الخارجي موقعه بشكل مستقر ومنفصل.

يبدأ المدخل الخارجي من صفة اشارة، لكن ليس الا ببعد تحديد بحرف جر، حيث اشير الى من حملوا الصليب، هو لا لبس أنهم من المسيحين، ومن ثم يحدد لنا المدخل الخارجي المكان، والذي فيما بعد ندرك أنه ذات مكان احداث الرواية، ولا تقف الأشارة عند تلك الحدود، بل تتقد الى الصيغة التاريخية، وتحديد ظرف الزمان، فيكون المدخل الخارجي بها قد اكمل كل اجزاء مهمته، والتي كانت اخبارية ليس الا، وطبعا لاينتهي بإنتهاء اخر مفـــــردة في ذلك المدخل مغزاه، وكما لايقف بعد التلقي التأويلي هنان بل لابد أن يتضاعف بعد التأويل، وينتج القارىء نصه المفترض من ذلك المدخل، وتتـــــــعدد صفات انهمامات القارىء للدخول الى المتن النصي .إن الصياغة اللغوية لجملة المدخل الخارجي، قد احتملت أن تكون ببلاغة جديدة تتصل بنظام المعنى الذي يحيل الى معنى اخر، فالجملة في التحليل البنيوي منتجة لمعاني عدة، حيث تبدا من الصيغة النحوية والتي هي تحيل لأحد انماط افعال الكلام، ومن ثم يتأكد البعد الأشاري المباشرة، وبعد اسقرار الصفة النحوية، تتجه الجملة الى معني مجاورة، اغلبها تتصل بحمل الصليب، والتي هي جملة استعارية، وليست تدخل في صلب المعنى الإشاري، بل هي تكون ابعد من ذلك، وتحيل ايضا الى معنى قد يكون مجاور لكن بصيغة ابلغ، لاتقف عند الحد الإشاري، وتحيل الى معنى اوسع قد يحتوي مضمون المتن النصي بمجمله، وهنا تكمن قيمة ذلك المدخل وامتيازه ودوره في اغناء كيانه على اقل تقدير .

العنونة والمتن

المدخل الداخلي – هو مدخل وسيط بين العنونة والمتن، وعادة ما يكون هو موضوع ما يحيل مباشرة إلى متن النص الروائي، وهو  طبعا جهة وسطية بين العتبة أو العنونة وبين النص، وكوحدة توصيل العنونة إلى متنها، وهو من كيان النص، لذا اسميتها بالمدخل الداخلي، وشكل هذا المدخل في رواية – يوليانا – صيغة موضوع .

تثير رواية – يوليانا –  في مدخلها الداخلي، والذي يمثل وسيلة ربط تام تقريبا، او هي تكون كمعبرة من العنونة مباشرة الى المتن النصي، مسألة حساسة في اكثر من جانب، والأول منهما هو يمثل عكس فكرة انسانية عن ظروف الطائفة المسيحية في العراق، وذلك ليس اشاريا، بل هناك استعارة من المضمون قد وظفت هنا لغاية مبؤرة، وتلك الغاية ستكشف داخل مجريات الأحداث تدريجيا، وبمستويات ليست اجماليةن بل من الطبيعي يكون ذلك نسبيا، ومن الجانب الثاني نخلص الى إن المدخل هنا قد بلغ حدودا نصية مفترضة، اي هو صار نصا يوازي المتن النصي ويتعالق معه ايضا، لكن عبر التفسير العلمي الذي تحيلنا اليه جوليا كريستيفا، بإن هناك بنصوصية، او هناك نصوصا متوالية ومتوازية ومتراكبة ايضا، وهذا يعني إننا امام تقنية تقربنا نحوها وتغوينا بنفسيرها وتنسيبها الى اليات تقنيات ما بعد الحداثة، والتي هي تمنح النص الروائي بتأهيل نفسه بنفسه، فيكون منتجا لمفتراضات نصية توازيه من جهة، ومن اخرى تكون جزءا من كيانه .

صراحة هذا السياق التقني في المدخل نحيله الى ما نراه اللعب على اللعب، حيث هنا استثمار لما يتاح، بعد ما تمر به من تحول بنية النص من البنية الظاهرية الى البنية العميقة، وقد لعب الروائي نزار عبد الستار لعبته في المدخلين الخارجي والداخلي، وبان التأثير الكبر في المدخل الداخلين حيث إن نسب ارتباطه بالنص اكبر من نسب سابقه، وكما أن بنيته اللغوية مندمجة مع البنية اللغوية فكريا وواقعيا وعقائديا، ويمكن رسم صورة بيانية للتقابل وفق الرسم الدلالي التالي –

التقابل       التعالق           الترسيم        البنية

نصي     موضوعي     بياني  جزئي      عميقة

توالي      دلالي          تفسيري   تام     ظاهرية

-المدخل

– المتن

وصفة العلائق ما بين المدخل والمتن علاقة تفسر، على إنها ليست افقية، أي تتخذ مسار سرديا واحدا، بل هنا اكثر من مسار سردي، ويرتبط بعدة معالم سردية، منها عنصر اللغة والزمن وحتى الأيقاع .

هذ المدخل في واحدة من وجوهه هو فني الصفة، أي يفترض لنا الروائي نزار عبد الستار أن ندخل للرواية من خلاله، وهو يكون لا يهم عن شكل جملة تتصدر الصفحة التي تسبق بداية انسياب المتن، وكان عبارة عن مجموعة من الإشارات على شكل كلمات تتجه لمعنى تام، لكن هي هنا تامة بذاتها، وإن علاقتها من الأفكار الإساس، فهي تأخذ وضعا مختلفان فتكون جملة في سياق مسار الحدث نحو النتيجة، وطبعا هي ليست بجملة اعتراضية، وإنما تكون بإطار تداولي، لكن هناك لايتاح لها التعريف عن نفسها بنفسها، بل عن الجملة السابــــــقة تتيح لها التمظهر الصوتي، وكذلك الجملة اللاحقة تمنحها حرية نسبية للتعريف.

مشاركة