رواية قتلة لعبد المجيد زراقط ومستوى صياغة (القصصية)

رواية قتلة لعبد المجيد زراقط ومستوى صياغة (القصصية)

تقانات الرؤى في وحدات تشكّل المروية

قدتكون عناصر الروي الثلاثة ،  الراوي والمروية والرسالة ،  اسساً صالحة لتبيان حداثة الرؤى للراوية المجدد لآليات إشتغاله ،  او هي عناصر بحث جديد في تطبيقات ما بعد الحداثة ،  بغض النظر عن وعيه او لا وعيه بها.

د . عبد المجيد زراقط ،  في كتابه ،  الحداثة في النقد الادبي المعاصر ،  ننقله عن دزمصطفى عطية جمعة ،  يرى زراقط

بأن الرواية كمضمون وعناصر ،  تديم التحديث ،  وتهتم بتقانات التفنن ،  .. يقول:الحداثة تعني نوعا من القيامة الدائمة (فينا)،  والجدة في الفتوة الأزلية المرتبطة بمثلعليا .

سأُقسم العمل الى خمس وحدات ،  تسهيلا للمتابعة . ولان ذلك يسعد على الكشف المضموني دون صعوبة كبيرة .. لنبدأ المشوار بالتنصيص الآتي :

رن الهاتف بمعزوفة بيتهوفن فكان بلال على الخط .

– اهلا عماد اين وصلتم ؟

– نحن في العظيم !

– ماذا ؟

أخبرته بما حدث وما فعلت ، فسكت ،  ثم بكى :

آسف ياصديقي. هددني ديار بخطف ابني مصطفى، فاخبرتهم بانك غادرت صوب كركوك.كان يهددوني منذ اسبوعين ولكني لم استطع ان اغدر بك وانت في بيتي .حاول الهرب فهم مجرمون وخطرون للغاية .يالهي. ارجع الى كركوك.في بغداد نهايتك .

بكى واقفل الخط …

لكن اين الجني يا بلال ؟ احدق في السائق الذي اراح راسه على المقعد مثل راس ابي حمدان . زوجتي تزداد قلقا مع كل اتصال ،  لذا لن ادير نظري نحوها .

 بلال إنهار واسقطه السيول المندفعة في الازقة . قتل جني بلال وطار رأسه بسيف لامع ،  وربما ثقب جسده بالدريل وشدّ بالبرغي والصامولة .

هل حمدان مندفع الى الشمال بإرادة جني خبيث ؟ أم بإرادة ديار الخبيثة ؟ كيف لشكرية ان تتحمل خطورة الطريق وطوله الذي يؤثر على قلبها . اعتقد يأن شكرية الآن في العاصمة ،  واعتقد أن حمدان في بيته ،  وعبود قرب ديار ،  والطفلة ميادة ترقص لهما في شركة الاماني ،  وكل ظنوني هي هواجس فقط لا غير . أعتقد بأن المركبة تسير بلا راكب . أجزم بأن ديار لا يخشاني أبدا ،  فليس هناك جهة في البلاد يمكن أن أبوح لها بحقيقة ما دار في بناية تقع في شارع السعدون . ديار يمسك بالعاصمة ورجالها ،  وعجلاتها وقذائفها ،  ويمكنه ربما أن يدخل المنطقة الخضراء متى شاء .

بلال لم يتصل بي لم تعد الحقائق ثابتة ،  فذهني ينبض بالخزعبلات والاوهام ،  وبحنين الى موت يهبنيه الله ،  كرأفة من خالق لعبده! الضوء يتمدد وينتشرلأن الامريكان أناروا همفياتهم بالمصابيح الكاشفة. الشارع مقفر.

صعب المنال

وصل عدد السيارات المتوقفة خلفنا ست سيارات .السيدية بعيدة وكركوك كذلك. حتى الحلم بات صعب المنال . أمسك المصحف بشدة فيعرق كفي . نزل السائق من الكوروناوإستدار صوبي ليحدثني بصوت خافت عبر النافذة !

ـ ذهبت الى كركوك من أجل العرق ،  وجلبته ،  لن أستطيع التحمل أكثر . إن كنت تود الشرب فتفضل .. سنجلس بموازاة المركبة ونواجه العراء والظلمة ، والهواء المنعش .

أكجت لمديحة (زوجتي) بأننا سنعود الى منزلنا في بغداد ،  فتوقفت عن البكاء وتمددت على المقعد وغرقت في نوم عميق .

نزلت من السيارة وشاركت السائق شرب العرق ،  وقد بدا مسرورا وراح يحدثني أحاديث مضحكة وكأننا صديقان منذ زمن طويل . أنهينا قنينة العرق والامريكان لم يتحرّكوا . تمددنا على حصيرة القش وغرقت في نوم لم اذق مثله منذ زمن طويل.

ــ رواية ــ قتلة ــ ضياء الخالدي ــ ص188 الى ــ ص190 ــ الصادرة عن دار التنوير ببيروت ــ لبنا ن ــ 2012

سأُقسم آليات تشكل الروي وموضعته في المروية الى وحدات متراكنةومتعاضدة ،  يضافر بعضها بعضا ،  على التسلسل الآتي:

الوحدة الاولى / نزوعات تمرد الراوي :

خطوة أولية يقوم بها الراوي ليحقق لنفسه ذاتا فردية أن يجعل من المروية ( التعبير ) تعبيرا حرّا في تشكيله للمنولوج الداخلي وتركيبه لعلامات التنصيص لمضمون القص في الرواية كسياق مرجعي [سيكون التعبير مباشرا حرا للمنولوج الداخلي يراكبا على إسقاط علامات التنصيص وإدخاله في سياق النص القصصي ـ الروائي ـ * .

في رقيعة المنصوص يكوّن الراوي شخصية تضامن وتصاعد في القول المروي بحالتين ،  الأولى وضع علامات نصية حرة الحركة للمنولوج الداخلي كحوار ذاتي ،  ثم يسوغ لنفسه قوّة قوليّة تجعله يتبنى القول كأنه ( له ) ويوزع تصوره على المروية دون الإحتفاء بشخصية الفعل الحقيقية .

ولنا في النص المتقدم ما يماثل فروضاتنا بهدى موجهات الدكتورة فوزية لعيوس غازي الجابري بكتابها التحليل البنيوي للرواية العربية ص206 ،  أي أن النص يتضمّن مستويين الروي يتحول أحدهما الى الآخر بحرية التحول من التحاورالمباشر الى غير المباشر وبالعكس ،  حرية مسندة بالقوّة التأويلية غير المقيّدة **.

أمثلة عن المنولوج الداخلي:

1ـ لكن أين الجني يا بلال ؟

2ـ زوجتي تزداد قلقا مع كل إتصال لذا لن ادير نظري نحوها .

3ـ بلال إنهار وأسقطه السيول المندفعة في الأزقة .

4 ـ قتل جني بلال وطار رأسه بسيف لامع وربما ثقب جسده بدريل وشدّ بالبرغي والصامولة .

5ـ هل أن حمدان مندفع الى الشمال بإرادة جني خبيث أم بإرادة ديار الخبيثة .

الجمل إذا ،  كلها ،  ينقلها الى المروية راويا واحدا يضع نفسه بديلا عن الشخوص ،  وحتى (الجنّي) الذي يعدّ وجودا مستحيلا ،  فهو مضموم من المضامير الداخلة بذات الراوية .

في الجملة 1يفترض وجود جنّي لدى بلال لكنه مشلول الحركة ،  وهذا التصور لم يصرّح به أحد سوى الراوي ،  الذي فرض وقرر ولسوف يرى .

في الجملة 2 يداري البطل ـ الراوي ـ قلق الزوجة ويتصرّف على اساس العارف والمخمّن ،  وصاحب الفعل القادم ،  فالزوجة لم تتحدث ،  ولم تتصرف (بقلق)،  كما أن الأشاحة بالنظر لم تكن بذي أهمّية ،  لا روائية ولا نفسية ،  إنما هو قول راوٍ يريد أن يزرع ذاته في كل شيء متجاهلا أدوات الآخرين في الروي .

في الجملة3 يزداد الراوي ثقة بصق فرائضه ،  بل يضع نفسه قيمة حدثيّة حين يقرر إنهيار بلال ! ويقدّر أسباب ذلك بالسيول التي تملأ الشوارع ـ هنا يحل محل القاريء .هنا يضع الراوية نفسه بديلا  عن ثلاثة أركان ،  فهو قرر إنهيار بلال ،  ثم وجود سيول في الشوارع ،  ثم يترك القارئ ليقرر ـ بصورة غير مباشرة ـ بأن السيول هي دم الابرياء .

في الجمل4  يتصور ـ بعيدا عن الاتجاه الفكري للمروية ،  وبعيدا عن هيمنة الشخوص الفواعل ،  وبحوار داخلي /

أن الجنّي وجود حقيقي ،  يحتج به على بشاعة الإرهاب ،  الذي يثقب جسد الجنّي ويشدّه بالبرغي والصامولة .

في الجملة5 تبلغ سورة إنفلات الراوية عن المهمة الأساسية له ،  تبلغ قمة ساخرة بدرجة مؤسية ،  فهو يستحضر شخصية حمدان ويوجهها الى الشمال ،  ويتصوّر حركتها ناتجة عن إحتمالين خبيثين ،  خباثة جنّي أو خباثة ديار الخبيث ….

وهكذا تصير هذه التخمينات نصا غير مباشرـ بشخضية الراوية ـ بعلائق بعيدة وقرينة ،   يمثّل لها بعلائق إشارية لثيمة القتل كعلامة بعيدة ، ولفعل التكهن بالمخاطر ـ كعلامة قريبة أيضا ..

الراوية العليم يبرر لنفسه خلائصا تخص التحوّل من المنولوج الداخلي غير المباشر الى المنولوج المباشر كطاقة تأثير ،  على الوجه الآتي /

أ ـ التدخل في تغيير الأحداث – بدون التماشي مع رواية المروية – في توجيه الافعال السردية نحو هدفه الخاص في الروي .

ب ـ يقررالصفة السردية بالتمويه على النهاية ووقفها رهنا على تخميناته .

ج ـ التحرر من تناصات التأريخ مع الرواية  والاتجاه الى تصعيد قوى الكهانة الأنفعالية وكأننا أمام راوٍ للباراسيكلوجيا.

د ـمتّع نفسه بلغة بسيطة متوترة لا أحداث لها ،  لا وقائع مادية فيها ،  مطلقها فنيّ محدد الراوية .

ه ـ إلغاء قيمة الزمن وإيقافه على قيمة التفكير .

الوحدة الثانية / قيامة الروي :

يباهي الراوية أحيانا بوجاهته – مثلما تقصينا ذلك آنفا – وأحيانا يتحول الروي بأكمله عملا إستعراضيا من زاويتين ،  الإستحواذ القولي ،  وتهويل وعلو شأن الموقف ،  يتحول الإستعراض ـ في مرحلة لاحقة ـ قدرا ثقافيا ،  ثم قيمة فلسفية للامبالاة ،  ثم نمطا عاطلا إلّا من ابيقورية للمتعة ،  متعة قدرية للإحساس بالموت قبل وقوعه . لننظر الآتي ممثلا للإستحواذ القولي /

1ـ أعتقد بأن شكرية الآن في العاصمة .

2ـ أعتقد أن حمدان في بيته .

3ـ أن عبود قرب ديار .

هذه التأكيدية (في الإعتقاد الجازم) تمثل الإستحواذ العَرَضي في المروية ،  ومنها نقدّر مدى الهيمنة الكبيرة لفعل الاستحواذ على سردية القول .

لننظر أمثلة التهويل في الموقف /

سنعتمد عليها في التدليل على تعلق التهويل بالموقف وبالنص .

1ـ الطفلة ميادة ترقص لهما في شركة الأماني .

2ـ المركبة تسير بلا سائق .

أجزم بأن ديار لا يخشاني .

فالتهويل هنا يقع في ،  أن عملية الروي تجعل الأحداث معبرة عن صدق البوح ويقينيته ،  بالنسبة للهيئة التي تروي الأحداث ،  ثم أنها – بالجمل الثلاث- تمثل عبوراً متصاعداً في مقف الراوية ،  البطل،   من طفولة ميادة ،  حتى استغلالها في الرقص إمعانا في التجريم ،  تهويلا لجريمة الإمتهان الجسدي للطفلة ،  ضمن شركة ـ الاحلام الاجرامية ـ شركة الاماني في شارع السعدون .

ثم يصّاعد هو ـ الراوية ـ في التمني كموقف للهروب من إحراج الظرف بجعلها حالة تصوّر مترافقة لفقدان النظام كليّا – المركبة بلا سائق .

ولكي يخرج صاحب الروي بنتيجة كبرى لتهويماته وتهاويل مواقفه الهروبية ،  يرى أن المجرمين فد عفوا عنه لأنهم لا يخشونه !

وبعد الاطمئنان من الاستعراض الموقفي ينتقل الراوية بالروي الى ىمرحلة جديدة .

لننظر الى امثلة المرحلة الجديدة / المثاقفة الروائية :

1 ـ ديار يمسك بالعاصمة ورجالها ،  وعجلاتهاوقذائفها .

2 ـ لم تعد الحقائق ثابتة .

3 ـ ذهني ينبض بحنين الى موت يهبنيه الله ،  كمكافأة من خالق لعبده .

فتلك جمل روائية تأخذ عمقها التأثيري من علائقها السياقية الاجتماعية ،  فالعاصمة

( ثقافة )عن التركز السكاني والسياسي والاجتماعي ولا ماسك له القدرة والقوة والسلطة ليمسك الادب الحضاري كخاصية لمكمنات الدولة .

سلوك جمعي

و ( الرجال والعجلات ،  والقذائف ) هي مكونات ناتجة ومجسدة لثقافة للارهاب .

والحقائق بثبوتها أو لا يقينيتها هي إفراز فلسفي عن ثقافة الفوضى والاضطراب النفسي والقلق العلائقي للسلوك الجمعي .

ثم يبلغ الروي قمة من التصوّر ((الثقافي الإنهزامي)) حين يتشبث بثقافة الموت ،  وما بعده ،  ليحصل على الأمان والخلود !

يتصل  الروي – فيما بعد- بحالاته الإستعراضية  ومنها الى نقلات حدثية لما نسميه تمثيلا للامبالاة الفلسفية .

لننظر الى أمثلة تحيل الى اللامبالاة الفلسفية :

1-         كل ظنوني هي هواجس لا غير .

2-         حتى الحلم صار صعب المنال .

3-         غرقت في نوم لم أذق مثله منذزمن طويل .

الجملة الاولى تفلسف ،  أو توجد منطقا مقنعا ،  يستوعب التشتت ويعلنه حالة ترضى بالظنون وقائع معوضة عن إنحسار افق التفكير المناسب لحل الازمة .

تلفت نظرنا ، الجملة الثانية،  الى نوع آخر من الإنفلات عن الموضوعية بالإتجاه الى الحلم ،  الذي صار صعبا هو الآخر ،  يريد القول (الحلم يحتاج إستقرارا وأمانا) .

وفي فوضى هذه الفلسفة (اللامبالاة) تندرج الجملة الثالثة التي تترقق بنشوى السكر ،

مثلما هي حالة أُمرؤ القيس بمقولته الشهيرة :

(اليوم خمرغدأمر، لا صحو اليوم، ولاسكرغدا) ومما يحيل هذه المتجهات الثلاثة الى فلسفة اللامبالاة أو العدمية المهلكة هو هذا الإلتواء المنطقي الذي يغدو تدرجا نحو هاوية مضللة ،  تبدأ بوهم الخلاص ،  ثم التباكي على الحلم كنزوع سلوكية فكرية ،  الى الغياب في نوم عميق ،  يسبق نوما أبديا ،  أو ربما نوم يصل بين النوم النيوي والنوم الأخروي ،  أو هو نوم هدوء لا صحو له دون ترميم الجسد والروح .

الوحدة الثالثة / تحديث رؤى الرواية :

يتساءل الدكتور جهاد عطا نعيسة ،  في كتابه ،  في مشكلات السرد الروائي  – ص123 ـ  في موقع تعليقه على إحدى الروايات ،  يتساءل على الوجه الآتي :

{هل هناك رؤية جمالية تنتج عن اللغة الروائية ؟ ثم يحيل الإجابة على الرواية مشيرا الى الآتي : في مجال العمل الروائي ليس الرياضي أو الفيزيائي أو الفيلسوف هو الذي يعمل ،  إنه الفنان المسكون بالجنون والشياطين والعشق والعصاب والرغبات و والحس البدائي بولادة العالم  ***.

لننظر الى توسيم آخر يقول :

قد يلجأ المؤلف الضمني ـ يقصد الراوية ـ الى التقطيع الزمني والمكاني بطريقة ممنهجة ـ ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة ـ الدكتورمصطفى عطية جمعة ـ ص54 *** .

لنتطّلع الى منظور آخر في ما يأتي :

كان فيكتور شكوفسكي يتحدث عن فتنة اللغة الأدبية التي تنضّر وعينا بالأشياء التي أصبحت موضوعات مألوفة في وعينا اليومي . وكان يقول أن غاية الفن هي تغيير فعل الإدراك وزيادة صعوبته ومداه بإسقاط الإلفة عن الأشياء ـ آفاق العصر ـ جابر عصفور ـ ص 120  **** .

لأُلخص عناصر الرؤى الفائتة بالتكثيف الآتي :

1 ـ المؤلف الضمني ،  الراوية ،  منتج العمل .

2 ـ الإشتغال الروائي ينبغي أن يكزن تبشيريا .

3 ـ على الفنان ان يعبّر بحس بدائي عن العالم .

4 ـ الراوية المنتج سيقطع ـ يوزع ـ الزمان والمكان المرويين لدى إشتغاله .

5 ـ على الراوية التحديثي أن يسقط الإلفة عن الأشياء .

6 ـ يتعين على الفنية أو الجمالية ،  ذات الإشتغال الروائي ،  ضبط تقانات الروي بتوالد نغمي دقيق .

7 ـ لحدثي الفعل والإدراك الفطري ،  في قص الرؤى ،  حس حدسي ،  على الرواية إظهاره بطرائق عدّة ،  منها ،  الجنون ،  العشق ،  التذاكي ،  الندرة العاطفية ،  الرغبة في بوح المكبوت .

8 ـ لمبتدع الروي فرصة إشاعة النضارة الجديدة بتغليف لغة الروي بالبــهجــــــــــــة والحميمية.

9 ـ على مقيّد حركة الأفعال تجديد طاقة عناصر الروي ،  الفعل والفاعل ، بتركيب وتعقيد لغتيهما .

10 ـ من المتاح للراوية أن يحدّث بنية السرد بجعلها مصائر نصية وقيمية في آن واحد.

إذا لدينا فرصة لإختيار نصوص منتقاة نختبر بها الفروضات العشر المتقدمة .

1 ـ رن الهاتف بمعزوفة بيتهوفن فكان بلال على الخط … أخبرته بما حدث ،  وما فعلته فسكت ،  ثم بكى .

أعلاه راوية يخبر عن المخابرة والمخابر ،  وحوادث الهروب من بغداد ،  وينتقل من المخيلة الى الواقع ،  حين يصف ما فعله ،  وسكوت وبكاء المخابر بلال .

والحق أن النص لا يبدو مخاتلا ،  وكأنه للراوي الكاتب ،  لكن ورود معزوفة بيتهوفن ،  ومن هاتف بلال ـ رفيق الجن ـ جعل الراوي ضمنيا ،  نائبا ،  حكّاء ،  مصيغا ،  مصغيا ،  رقيبا على سخرية وقدرية التنامي الحدثي للمروية ـ النص .

وأعني أن وجود هذه اللحمة ،  من إنتقال الروي من افقيته ـ كونه عملا للكاتب ـ الى عموديته ـ كونه لراوية معنويا ،  يجعل العمل نتاجا فنيا قصصيا له .

2 ـ حاول الهرب فهم مجرمون وخطرون للغاية ،  يا إلهي ،  إرجع الى كركوك ،  في بغداد نهايتك ….

سنجلس بموازاة المركبة ،  ونواجه العراء والظلمة ،  والهواء المنعش .

في إرتباط الحدثين ببعضهما ،  وبالنص وبالرواية ،  يؤكد أنهما إكمال حدثي ورؤيوي للمتوقع من تنامي الأحداث ،  فبلال يتوقع فعل مضخم للإجرام ،  ويتوقع الموت لعماد في العودة الى بغداد ،  ويتوقع النجاة في الإتجاه الى كركوك ،  وبتصدي رؤاه يؤلف إشارة متخفية الى الأمان في كركوك ،  والإضطراب والهول من المصائب في بغداد ،

يعطي رأيا جازما بذلك ،  وكأن التحمين مصير حقيقي صادق تماما .

ومن زاوية اخرى يقرر سائق العربة بأنهما إن جلسا بركن المركبة سيواجهان العراء ،  والظلمة ،  والهواء المنعش .

هذه النبؤات مبنية لروايات منها :

 ان العراء يغذي طاقة الحرية المضللة لديهما بالحيوية التي تتغلب على الظلمة .

ويتوقع وجود الراحة في الشرب .

وأن الهواء سيكون منعشا بجوار المركبة .

المهم في هذا ان رؤى السائق هي رؤى مركبة (من تأثير الشرب المتوقع ووجود العربة مثلما ساتر) ،  ثم تستمر الرؤى :

الساتر يمنع وصول الرصاص الى جسديهما .

وأن المواجهة ـ أي كان نوعها ـ ستكون لصالحهما ( السائق وعماد ) .

كما تؤشر الرؤى ،  بشكل موارب، الى أنهما يخجلان من الزوجة بما يفعلانه من عبث .

بل تؤ شر الرؤى وضعا دقيقا معتّم عليه هو أن المركبة غير صالحة لرغبتهما المتحررة لأنها مركبة ضيقة وخانقة .

ما وصفناه ظرف فعلي وذهني يميز الرؤى التي تسلم بثها الراوية الثاني بديلا عن الراوية الاول الرئيس ونزوى الى الدور الثانوي ،  وهذا أحال النصين ليكونا مرويتين لراو ضمني تنبوئي .

3 ـ أمسك المصحف بشدة فيعرق كفي .

هذه الجملة الحادثة ،  على صغرها ،  على قصر عبارتها ،  على إثنينية فعالها ،  تؤدي أداء لفطرية الحس البشري في :

خوفه من الله  ـ خوفه من المجهول ـ إنشداده الى الإتكال على قوى الله العظمى ـ التمسك بالمصحف وسيط خلاص .

وكذا حاله عند تصوره :

العالم تكوّن بكلمة ـ سيزول العالم بكلمة .

كذلك نفسه التي تسيطر عليها :

كنوز التربية ـ التشبع ببدئة وفطرية سلوكية ـ التمسك بحسية بدائية .

هذه كلها عناصر اضطراب وخوف وإيمان  تهيء لأفعال سردية تحيل الروي مظهرا عن القيم أعلاه ،  مجسدا نصيا وتداوليا .

4 ـ وردت في النص تصريحات مباشرة تخص المكان ذا الأهمية في السرد الرؤيوي موزعة على الجمل الآتية :

/ نحن في العظيم ـ انك غادرت صوب كركوك ـ انت في بيتي إرحع الى كركوك

ـ في بغداد نهايتك شكرية في العاصمة حمدان في بيته الطفلة ميادة في شركة الأماني

ـ ليس هناك جهة في البلاد ـ بناية تقع في شارع السعدون ـ  يدخل المنطقة الخضراء متى يشاء ـ الشارع مقفر ـ السيدية بعيدة وكذلك كركوك ـ يحدثني عبر النافذة ـ ذهبت الى كركوك ـ سنعود الى منزلنا في بغداد /

وكذلك قد وردت أسماء صريحة تعني بقيمة الزمان موزعة على الجمل الآتية :

/ كانوا يهددوني منذ إسبوعين ـ شكرية الآن في العاصمة ـ ديار لا يخشاني أبدا ـ بات الحلم صعب المنال ـ كأننا صديقان منذ زمن طويل ـ غرقت في نوم طويل لم أذق مثله من زمن طويل /

من الملاحظ أيضا ما يأتي :

ـ ورود افعال ماضية = 30 فعلا

ـ ورود أفعال مضارعة = 30 فعلا

ـ ورود أفعال الأمر بما =  فعلين

ـ وردت 16 جملة تصرّح بأسماء وقيم مكانية

ـ وردت 16 جملة تصرّح بأسماء وقيم زمانية

ـ وردت 6 جمل تصرّح بقيم زمانية فقط

ـ ورود 30 فعلا يدل على الزمن الماضي و30 فعلا يدل على الزمن المضارع و6 أفعال تدل على الزمن الحاضر ،  هذا يعني :

. الزمن السرديافقي وغير معقّد من حيث الأزمان (القواعدية ،  السردية ،  الروائية ) .

. ندرة فعل الأمر يغني فردانية وهيمنة الراوية .

. التصريح المتكاثر بالمكان يوجد لنفسه قيمة أثيرة تجذر ـ للراوية ـ حميمية الوجود .

. التصريحات الزمانية المباشرة تفوّض لطاقة الرؤى لأن تتنبأ بالأحداث وتعزز التحفيز على إستجلاب متعة الكشف عن مضللات القص ومضامير الأثر .

. الفعّاليات التي تؤلف التوالي السردي في النص تمدّه بإنفتاحات قرائية مختلفة ،  على المستوى الفردي والجماعي ،  ومن ثم توحي بتوزيع منتظم للزمان والمكان ،  كقيم وعناصر وتكتيك أشتغال ،  تحيل الى منهجية فهم تخص تماسك عناصر الروي ،  حتى الإحتمالية منها .

لندخل شعاب الأقوال الآتية /

5- ديار يمسك بالعاصمة ورجالها ،  وعجلاتها ،  وقذائفها ،  ويمكنه ربما ان يدخل المنطقة الخضراء متى يشاء .

– بلال يتصل بي . لم تعد الحقائق ثابتة .

– ذهني ينبض بالخزعبلات .

. الإلفة بين الأشياء تعني الإنسجام والتلاحم والتكامل والتوالي ثم التناغم ،  وما تقدّم ليس فيه من هذه الشروط إلّا من الناحية المنظومية ،  تلك التي تكتل السرد بنقائضه .

ديار / إسم . شيء . علم .

العاصمة / مكان . بغداد . دولة .

الرجال / القوّة . التحكم . الجيش . المليشيا .

العجلات / الأموال . الرفاهية . الناقلات . المدرّعات .

القذائف / التمرد . الحماية . التحدي . التحريظ .

.تلك أشياء ،  منها بشرية ،  كديار والرجال ،  ومنها مكانية ،  كالعاصمة والمنطقة الخضراء ،  ومنها أدوات مادية ،  كالقذائف والعجلات .هذه الأشياء يمكن أن تتناغم وتتكامل وتتناسق مع بعضها لكن الراوية جعلها تبدو مفككة لا رابط بينها إلّا عن بُعد ،  بمعنى أنها تفتقد الوحدة الموضوعية والتبادلية والتكاملية ،  وهذا يدني بعضها عن بعض بالإختلاف لا بالإنسجام فتؤدي وظيفة اللاأُلفة بينها .

.ثم لندقق في بلال المتصل ،  بلال المنفصل بالزمان والمكان والعقلية ،  من عماد .

وكذا حال الحقائق التي من طبيعتها السكون والثبوت والتكوّن القانوني ،  يراها الراوية لا ثبوت لها ،  فالحقائق كالأشياء فقدت أُلفتها وأُسقطت عنها يقينيّتها وبذا إنسجمت مع وظيفة اللاأُلفة .

الذهن ،  كذلك ،  سيؤدي دورا نقيضا لما يتوقع منه ،  فكونه ينبض بالخزعبلات فليس له أن يعمل بتوازن عقلي يقارب ويماسك ،  إنما يقوّض ويفتت ويزرع اللاأُلغة بين التعقل

والإيهام والزعبلة (الفضلات العفنة من القول والاشياء) .

وظيفة اللاأُلفة أخذت المتجهات الآتية :

ـ اللاإنسجام من حيث التكوّن المادي .

ـ اللاتآلف العقلي من حيث التوافق النصي والسلوكي .

ـ اللاتعاشق بين السرد والروي لأنه جرّدهما من تناغمهما الحدثي ونزع عنهما تواليهما الدلالي والسطحي .

. هذه هي طبيعة المقاطع التي مررنا بها آنفا ،  ترى هل حقا فقدت وظيفتها الفعالية كمتسربات متبادلة بين السلوك الذهني والتجسيد ؟

أرى أن المتعة التذوقية هي التي بررت مثل هذه الإسقاطية للوظيفة الشيئية أعلاه ،  لأن التآلف لا يعطي دهشة ولا يثبت براعة ،  إنما إنسجاماللاتآلف هو القادر على بعث الحدث حيّا وحيويا  .

 6 ـ لنأخذ بالمتساويات /

ضبط الإشتغال = الترابط الحدثي

ضبط التقانات  = الحفاظ على شروط اللغة                                          التوالي النغمي = ترابط غايات الروي

قواعد وبلاغة وسرد التعاقب النصي في الفقرة 6تصلح للتمثل الفرضي أعلاه

الإشتغال /

ان الجوانب المتعلقة  بالروي ، غاياته وافكاره تساعد على ضبط الاشتغال بتعقيد علائق الانتاج لمعضم فقرات السرد ، ثم ان جميع مكونات تراكيب الغوية ذوات جمل برقية (فعلية ) سريعة تقريبا وهذا يحتم الاتصال البؤري بين غايات السرد وتنامي الاحداث .

التقانات /

سيولة داخلية

انها تاخذبضرورات القص شبه الصفي ،  وأحيانا بالسرد المتعالي .. وهي تجربة جريئة ،  تتقوّم بترتيب تقاناة السرد روي وقص ممنهج يخلو من أية فوائض أو أخطاء ،  قواعدية ،  بلاغية ،  حدثية .

التوالي النغمي /

انه السيولة الداخلية التي تقنع الآخر بجدية وصدق النوايا التي سيبادر إليها الراوية حين يتحقق باللغة توقعات تناغم أهداف القارئ مثلما موسيقى تصويرية مضمورها دلالة غياب مقصود للراوي وكأن البطل هو الذي ينجز الروي ويوجه الى قيم إجتماعية (كالفضيلة) ،  أوفنية تراثية ،  أوفلسفة وجودية ،  وأحيانا يوجه الى تراكم فكري لآيدلوجيا تحديثية ( هدف هذا البحث ) .

7 ـ قتل جني بلال وطار رأسه بسيف لامع .

  ـ ثقب جسد الجني بدريل وشُدّ بالبرغبي والصامولة .

  ـ هل حمدان مندفع الى الشمال بإرادة من جني خبيث ؟

  ـ هل حمدان مندفع بإرادة ديار الخبيثة ؟

  ـ ذهني ينبض بحنين الى الموت .

 الجمل الخمس تتناغم فكريا ودلاليّا مع الإتجاهات الآتية :

قتل جني    // توازي  الفعل والإدراك الفطري

ثقب جسد    // تقترب من قص رؤى سابق لحدث

هل حمدان مندفع   // تتصالح مع مبدئية الحس الحدسي

هل حمدان منفع بإرادة  // تنسجم مع تأويل التذاكي

ذهني ينبض   // تتضامن مع الجنون والعشق

تلك المتناغمات (شبه الحدانية) خلائص عاطفة الإتحاد بنعم الله كموجودات لإسلوبية فنية تتميز بجمالياتها ومدركات أفعالها الذهنية والوجدانية الائي يصيّرن السرد آلية منطق وصياغة مقام .

8 ـ شاركت السائق شرب العرق ،  وقد بدا مسرورا وراح يحدثني أحاديث مضحكة وكأننا صديقان .

المقطع هذا جملة محشوّة  بثلاثة أفعال هي ،  المشاركة والشرب والتحادث ،  وهنّ جميعا يتكاملن بالفرض التأويلي القائل :(إنهن افعال جملة تبث البهجة الى الجو المشحون بالآسى ) وهذا يغطي النص بمسوح النضارة والحيوية في تنويع وتوسيع رؤى السرد ،  ويقارب بين حميمية الأشياء اللصيقة بظرفية الروي وحميمية الإضطراب اللصيق بالنفوس الضّالة .

9 ـ أعتقد أن حمدان في بيته ،  وعبود قرب ديار ،  والطفلة ميادة ترقص لهما .

هذا التراكن الجملي له ان يكون :

معقّدا / كونه يبث مظهرا مضللا تماما إن لم يكن معكوسا .

مقيّدا / ليضغط بالأفعال الى أدائها المباشر مثلما صور توضيحية ،  وهي الأُخرى

       صور تضليلية .

محدد للروي /

 حيث يجعل فاعلي المروية ،  البطل عماد ،  المجرم ديار ،  المجرم الثاني عبود ،  المغفّل حمدان ،  الضحية ميادة متفاربين في المكان كأنهم أحبة في شارع ضيق يحتوي شركة وبيت ومرقص ديار . كما أنهم جميعا يتمتعون بلحظة صفاء بلا قلق ،  بل ويمرحون برقص ميادة ،  بما فيهم ميّادة ،  مثل عائلة او فريق عمل مرح .

الفرائض أعلاه تجدد قوى الإحتمال التأويلي بتجديد قوى الروي (أحداث السرد) التي تفيض بجماليات تشطي وتكاثر فعل الروي وفاعل الاحداث ـ الراوية نفسه ـ وقد فوّت الكاتب للنص فرصة الإنفلات من هيمنة الراوية بتخريك محيطات المكان لتصف وتقرر وتطوّر التصاعد الروائي ،  الأرشفي ،  الإستيعادي ،  الإحتمالي .

10 ـ رن الهاتف فكان بلال على الخط .

أخبرته بما حدث ،  وما فعلته ،  فسكت ،  قم بكى .

أنهينا قنينة العرق والامريكان لم يتحركوا .

غرقت في نوم لم أذق مثله منذ زمن طويل .

الجملتان الاوليتان كانتا مفتتحا ،  بينما الجملتان الأُخريتان فكانتا إختتاما .

هذا التنميط الاستعمالي للجمل يقيم تعادلا تكامليّا نصّياعلى الوجه الآتي :

رنين الهاتف ـ يؤدي الى ـ معرفة المتحدث .

الإخبار ـ يؤدي الى ـ تأكيد الدلالة والإكمال لروي الأحداث وإنتظار النتائج .

وعلى ضوء هذا يتقرر ،  نوع التراكم التأويلي المحدد للقيم النصيّة المظهرة والمبطنة للتبشير المتعادل بين الراوية والبطل والمنصت .

إما الإختتام فيتضمن /

انتهاء القنينة يؤميء الى الفراغ .

عدم تحرك الامريكان يعني السكون الامجدي = الفراغ

 الغرق في النوم يغني معنى الهرب الى فراغ اللاصحو الماسك بالاجساد والنفوس .

أي أن اللاجدوى من الوجود = الفراغ .

وفي دمج قيمة نص الإفتتاح (التي تدلل على لاجدوى استمرار التحرك) سيتساوى مع لا جدوى السكون ،  أي أن دلالة لاجدوى التحرك = لاجدوى السكون .

قيمة الأختتام تقرر لاجدوى المصير فتصبح :

ساحة عرض النص = قيمة ساحة المصير فيكون /

نص الإفتتاح = نص الإختتام = التهاية النصية = توقع النهاية = توقع انتهاء الكتابة =

توقف الحياة = نهاية الروية .

هذا التوالي للمتساويات ييقن الإعتقاد بأن للراوية مصيران متقاربان ،  نصيّان وقيميّان .

الوحدة الرابعة / ما بعد المضمون /

التداول والتواصل الشبكي ـ التداول و التشاكل الثقافي :

إن التداولين أعلاه لن يخضعا للقياس والإحصاء للفترة القربية اللاحقة ،  والتوقع والإحتمال هما معاييرهما الآن ،  وعليه يمكن التعويل على خصائص الروي في

تقدير حجم ومساحة كل منهما ،  ومن هذه الخصائص :

ـ سهولة وسلاسة وقصر جمل الرواية يساعد الرواية على إيصال المضمون الى قدر مهم من القرّاء .

ـ واقعية الحوادث الروائية ،  وغوصها في التحقق اللاحق من لا يقينية المرويات التأريخية ،  والتي سيحايثها المروي الفني بديلا تناصيّا مخاتلا يموّه الروي ويعطيه قدرات قرائية ،  نفعية وإختبارية متجددة .

ـ إقتراب الروي من السرد السينمائي يسهّل على قراء التشوق والمتعة ،  ملاحقة احداث الرواية كأنهم يرون فيليما ،  وهذا ـ تداولا ـ لصالح الكاتب والناقد .

ـ توفر الرواية على راوية يفهم أهدافه ببرمجة وتقنية تناسب الأذواق المختلفة ،  سيعطيها فرصة أن تكون إنموذجا صالحا للعرض أمام كتّاب الرواية .

ـ صراحة ونضج وواقعية الموقف الفني والتقني والإجتماعي يسهّل للباحثين عملية الكشف عن الثيم والبنى الأخلاقية والفنية .

ـ سهولة السرد في الروي تحيل الى معرفة عدد ونوعية القرّاء وآرائهم وطبيعة متابعاتهم للرواية وهو ما يفيد الدرس والأرشفة والتذوّق والمتعة .

مجمل النص المروي في رواية قتلة يصلح مثالا مناسبا .

الوحدة الخامسة / فتوة الروي وأزلية القيم :

إن (فتوّة الأزل في تمثل الأمل) مستوى من الروي الذي يحدد القيم التي توزع أمثلة الخير على ـ بلاغات الرواية ،  القصة ،  المثيولوجيا ـ ويتكفل ببناء روائي متجه ،  كضرورة ،  الى قيم عُليا في الثقافة والفن والتأثير الإجتماعي ،  وهي قيم كافية لتُعزز قراءات مُجيدة ،  وقص مثابر ،  وأفاهيم فنية رصينة . حين نذكر بهذه القيم نريد أن نُخرج المضمون الى التداول بشكليه الإجتماعي والتقني ،  ولنا أن نخمّن مواصفات الروي المحققة لذلك ونجدها منتمية الى /

أ ـ ضبط الإيقاع الزمني للتاريخ والري .

بـ ـ تركيب البؤر الدلالية بصورة بث شعاعي ،  افقي وعمودي ،  يستهدف التميز الذاتي للكاتب .

جـ ـ لتكن الحياة في الرواية حياة جدّية وجديدة ،  تعيد الإحترام للمكانة الثقافية ،  وللوعي والجماعي .

د ـ إيقاف ذلك التعالي المبالغ به والذي يتهم الجمهور بدونية القراءة ،  والذي قد يكون معكوسا في قول العموم من الناس : إن المبدعين هم بشر ساذجون لن يقتربوا من السلوك السوي للناس .

ه ـ الخلط المضموني قيمة حضارية ،  للرواية ،  هذه الرواية ـ قتلة ـ للروائي ضياء الخالدي ـ حيث يحظ إشتغالها على الإسهام باللعب على الوثيقة التأريخية ،  واللعب على التكنيك اللغوي ،  والدنو من السيناريو واللقطة السينمائية ،  بتجسيد روائي .

ملاحظة ختامية

قد أكون حمّلتُ الرواية ـ قتلة ـ أكثر مما تتحمّله لغتها ومنهجها ،  ولكنني أردتُ  ان أعطي من خلالها صورة للكشف والتقصي عن أساليب جديّة للفهم بعيدا عن التنظير المجرد من روحية العمل الروائي . وإني إذ أٌنوه الى هذا متأخرا لأني أرت من القاريء الكريم يطلع على الإتجاه الذي طرحته وبعدها يقارن بين العمل والإدعاء