روائي المشرّدين والمهمّشين والغرباء

روائي المشرّدين والمهمّشين والغرباء

 

يعيش الكثير من الادباء ازدواجية بين طموحه للعيش الرغيد والانتقالية المادية السعيدة والمرخصة، وامتلاك ضروراتها من بيت جميل وموقع وظيفي متميزة وقدرة على الرحلات والاسفار وبين ان يكون ادبيا مع المهمشين والضائعين والمنبوذين و(الشقاوات) والذين يعيشون في قاع الواقع، وفي دهاليزه السرية، وفي خضم التحديات والصراعات والمواجهات.

 

وبعد لجوء بعض الادباء الى الصمت، واختيار الحياة الهادئة والمرفهة على حساب الانتاج الادبي يرجع الى شعورهم الحاد بهذا التناقض، اذ انهم يطمحون الى الكتابة عن المهمشين والضائعين والمنبوذين ولكن الحياة السعيدة والمرفهة، وطموحات الثراء والوجاهة الاجتماعية تدفعهم بعيدا عن هؤلاء الذين انغرسوا في القاع، وتشبثوا بالخلفيات والشوارع المسكونة بالاضطهاد والآلام والجرائم.

 

وهناك من استمر على الكتابة بقدرة عالية على استظهار وتقديم عذابات ومعاناة المهمشين والضائعين والمنبوذين، ويعد القاص والروائي شوقي كريم حسن واحدا من هؤلاء، بل لعله من ابرزهم واكثرهم حضورا، فقد اصدر الكثير من الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات، وكلها تدور عن المشردين والغرباء والمهمشين، وتتناول الذين رفضوا وقاوموا السائد والمألوف المتخلف والظالم، والقائم على الاضطهاد والعذاب.

 

وشوقي اضافة الى ذلك استدعى تاريخ الغرباء والمشردين والمهمشين في قصصه ورواياته بشكل عزز من حضورهم المتجذر فيها وعزز من تواصله معهم على امتداد عقود عدة، وعلى امتداد الكثير من النتاجات الروائية القصصية، الامر الذي يؤكد ان الغرباء المشردين والمنبوذين لا يشكلون موضوعا ظرفيا وعابرا وهامشيا في ادب شوقي كريم حسن، انما هم كانوا يعيشون معه قبل وبعد شروعه في الكتابة الادبية، وكانوا وما يزالون يشكلون العنصر الاساس في ثقافته، وكان اذ يكتب عن الغرباء والمشردين والمهمشين انما يكتب عن جانب عاشها وانغرس فيها، ويكتب عن نفسه وعن اناس يمتلكون صفات الاصدقاء الرائعين ويجسدون صفات الصداقة الحميمية.

 

ان شوقي كريم يريد من شخصيات وابطال قصصه ان تتحدى البيروقراطيين والبرجوازيين والذين يعيشون حياة الرفاه على حساب الفقراء والمعدمين والكادحين ويريد منها ان تسفر من هؤلاء، وان تكشف عن دناءاتهم ورذائلهم، وعن انخراطهم الدائم في الكذب والنفاق والرياء، ولذلك لجأ الى المشردين والغرباء والمهمشين لممارسة هذه الادوار وهم في الاساس صادقون في التعبير عن انفسهم، وليس لديهم من المصالح ما يخشون من ذهابها وخرابها، ثم انهم يعيشون حياة بسيطة لا تحكمها الطموحات البيروقراطية والبرجوازية الزائفة.

 

ويريد شوفي كريم حسن ان تكون شخصياته وابطاله من المتميزين ومن الذين يختلفون عن السائد والمألوف، ويمارسون مقاومته وتحديه، وكان الغرباء والمشردون والمهمشون من المتميزين ادبيا، ومن الذين قدموا للادب بالكثير من الشخصيات المميزة، بل انهم في الادب العربي قدموا امثلة ونماذج غاية في التميز والتفرد، ولاسيما في الصوفية والصعاليك العيادين و(الشقاوات) وبعضهم قدم صورة منفردة للايثار والوطنية ونكران الذات، والدفاع عن الوطن والقيم السامية والتضحية. وشوقي كريم حسن اذ يتواصل مع هذه الظواهر والفئات فانه يريد ان يتواصل مع ظواهر وفئات اصيلة وذات حضور متواصل في مختلف المراحل، والمشردون والمهمشون والرافضون والمقاومون وذو المشاكسات موجودون في كل هذه المراحل، والتعامل معهم يضع النتاج السردي في صميم التاريخ العربي. ثم ان من المعروف عن القاص والروائي شوقي كريم انه كاتب تجريبي، وليس من المعقول ان يتم التجريب من خلال شخصيات محافظة، وشخصيات ذات مطامع بيروقراطية وبرجوازية وشخصيات محافظة، وشخصيات تعد نفسها للاناقة والرفاهية والقوالب الجاهزة والادوار المرسومة والمستعار، والبيوت المغروسة في الاقفال والابواب، وانما من خلال شخصيات ترفض السائد والمألوف، ومن خلال شخصيات تتعامل مع الزمن والحياة بطرق مختلفة وجديدة، وتعيد ترتيب الاشياء بطرق مختلفة. وهذا ما تحققه شخصيات شوقي كريم حسن، ويحققه في التعامل معها. وشوقي كريم في روايات وقصص كثيرة وهو يحاول ان يكون تجريبيا في كل واحدة منها، بحيث يقترن عالم الغرباء والمشردين والمهمشين غير المستقر والمتحول لديه بما هو متحرك وغير مستقر من البناء الفني، ويكون التجريب لديه في البناء وفي التعامل مع الموضوع، وفي الدأب على عدم الاستقرار.

 

 

 

رزاق ابراهيم حسن

 

مشاركة