رقصة الجوبي طقس لا يؤديه إلا الرجال الأقوياء

من الفولكلور العراقي

رقصة الجوبي طقس لا يؤديه إلا الرجال الأقوياء

بغداد – علي الدليمي

تعد رقصة الچوبي، التي يُطلق عليها العراقيون «لعبة» الچوبي، من الطقوس الفلكلورية الشعبية الأصيلة والبارزة في العراق. تُقام هذه الرقصة البهية بشكل خاص في مناسبات الأعراس والاحتفالات الاجتماعية، وتنتشر بشكل واسع في غرب العراق، وخاصة محافظة الأنبار، بالإضافة إلى أطراف بغداد، وصلاح الدين، والموصل، وديالى، وكركوك. وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أن هناك اختلافات بسيطة في أداء الرقصة من منطقة لأخرى، مثل عدد ضربات الأقدام أو مسافات المشي أثناء الأداء، بغض النظر عما إذا كانت تُؤدّى في الريف أو المدينة. وتتميز رقصة الچوبي بكونها رقصة رجالية في المقام الأول، حيث يشارك فيها عدد كبير من الرجال قد يتجاوز الثلاثين أو الأربعين راقصا أو أكثر. يرتدي الراقصون زيهم العربي التقليدي المكون من الدشداشة البيضاء، والغترة البيضاء التي يعلوها العقال الأسود. ومع ذلك، في بعض المناطق الشمالية من العراق، تشارك النساء في هذه الرقصة التي تعرف حينها بـ «الدبكة». وفي هذه الحالات، قد تتخلل النساء صفوف الرجال، بحيث تكون امرأة بين كل رجلين، أو قد تُقسم الرقصة إلى صفين متصلين، أحدهما للرجال والآخر للنساء.وتعتمد لعبة الچوبي بشكل كبير على قوة ولياقة الراقصين البدنية. تتضمن الرقصة حركات رياضية موحدة وصعبة تتطلب جهدا كبيرا من جميع أطراف الجسم. يؤدي الراقصون القفز في الهواء، وضرب الأرض بأقدامهم بقوة، والدوران السريع، بالإضافة إلى رفع الأيدي وتشابكها.وتُؤدّى هذه الحركات على إيقاع آلتي الطبل والمطبك (المزمار). يُحزم الطبال طبلا كبيرا ويضربه من الجانبين بعصي خشبية صغيرة وقوية. أما المطبك، فهو آلة مصنوعة من قصب البردي، يصدر منها عازفها أنغاما جميلة من خلال النفخ فيها بقوة. هذه الأنغام تُطرب الراقصين وتزيد من تفاعلهم وحماسهم. تصاحب الرقصة بعض الأصوات العالية التي يطلقها الرجال بهدف الإحماء وزيادة التفاعل فيما بينهم. يتشابك الراقصون بأيديهم وتُرص أكتافهم ببعضها البعض، ليشكلوا حلقة دائرية أو نصف دائرية، أو أحيانا جدارا متحركا على طول مساحة الاحتفال. يقود هذه الحلقة رجل رئيسي يقف في أقصى اليمين، ويمسك في يده اليمنى «مسبحة» أو «منديل قماش» لضبط الإيقاع بين العازفين والراقصين. أحيانا ينفصل هذا القائد ليقف أمام حلقة الراقصين، ليصبح بمثابة «المايسترو» لضمان تناسق الأداء وجماله. الجدير بالذكر أن الأطفال غالبا ما يشاركون في هذا الكرنفال، مما يضمن استمرارية هذا التقليد والحفاظ على هويته الأصيلة.

تُرافق رقصة الچوبي أغان فلكلورية متنوعة ومشهورة، تحمل طابعا فرحيا غامرا. تبدأ الأغاني عادة بكلمات من «أبو ذية» أو «عتابة»، ثم تنطلق الأغنية الرئيسية بسرعة. يؤدي الأغنية مطرب، ويشارك فيها الجميع كـ «كورال»، مدعومين بضرب الطبل القوي الذي يزيد من حماس الرقص. غالبا ما تكون الأغاني شعبية ومأخوذة من عمق الفلكلور الريفي الذي يعشقه الجميع ويرددونه ويفهمونه جيدا. تتسم كلمات هذه الأغاني غالبا بالطابع الغزلي البحت، وفي بعض الأحيان قد تحمل رسائل اجتماعية أو سياسية معينة.وفي الآونة الأخيرة، دخلت الآلات الموسيقية الحديثة لأداء مهمة الطبل الكبير والمطبك، وكلاهما يؤدي الغرض نفسه، محافظا على روح الچوبي مع لمسة عصرية.

مشاركة