رسام الغربة الباريسية يلّون عذاباته وحنينه – فنون – فائز جواد

الذكرى 23 لرحيل مؤسس القسم الرسم بمعهد الفنون الجميلة

رسام الغربة الباريسية يلّون عذاباته وحنينه – فنون –  فائز جواد

إستذكر طلبة قسم الفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة ببغداد الذكرى 23 لرحيل الفنان الكبير فائق حسن ، وبالرغم من ان طلبته اقاموا له معرضا فان الراحل الذي اسس قسم الرسم في المعهد  عام 1939 فائق حسن فنان تشكيلي من العراق، ولد في بغداد عام 1914. تخرج من البوزار عام 1938. أسس فرع الرسم مع المرحوم جواد سليم.

قبل ايام مرت بهدوء تلك الذكرى وكانت ومازالت (الزمان ) تتصفح حياة الراحلين من المبدعين وفاء لما قدموه من اعمال ومنجز ابداعي في حياتهم .

بدأ الفنان فائق حسن المولود سنة 1914 في محلة البقجة ببغداد حياته الفنية معبراً عن الطبيعة التي عاشها بواقعية أكاديمية كما عبر عنها في بعض اللوحات بطريقة المدرسة الحديثة، رغم أنه كان رساماً مقلداً لرسوم عبد القادر الرسام.. وفائق حسن.. يعتبر الرسام الأول في البلد. بمنحاه (الأكاديمي) ولكونه أكثر الرسامين واقعية.. لالتصاقه بالواقع والبيئة الشعبية العراقية فضلاً عن انه نحات بارع في اللون فهو يهتم به بالدرجة الأولى.. ولم يهمل (الفورم- الشكل) لانهما بالنسبة له عنصران مكملان لبعضهما البعض ويتعامل معهما. كوحدة ضرورية عضوية لعمل اللوحة. فهو يختلف عن زميله جواد سليم الذي فضل (الشكل) أكثر من اللون. أضحى فائق حسن خلال النصف الثاني من القرن العشرين ظاهرة متميزة في الفن العراقي فهو المؤسس الأول – بلا منازع – لفن الرسم في (العراق) هذا ما وصفه زميله الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد في أحدى لقاءاته فهو حقاً فنان كبير له الفضل في ارساء قاعدة فنية على اسس موضوعية أسهمت في تأسيس معهد الفنون الجميلة بالتعاون مع زميليه فنان الشعب جواد سليم والفنان المسرحي القدير حقي الشبلي. ناهيك عن أنه كان مصمماً للديكورات المسرحية فكان له الدور الكبير مع الفنان الشبلي بتأسيس المسرح العراقي. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ طفولته.. كان بارعاً بفنه من خلال موهبته التشكيلية وأسلوبه الذي نال اعجاب الناس به. لرصده (لواقع) الذي يعيشه فعندما ارسل في بعثة إلى باريس لدراسة الفن.. جمع أغلب اعماله وقام بعرضها على (البروفسور روجيه) فقررقبوله فوراً، على أثرها وبلا تردد حسب ما ذكره هو. بعد تخرجه من (البوزار) في فرنسا عام 1938 اشترك في نفس العام في العديد من المعارض في بغداد وبيروت والكويت ومصر والجزائر والمغرب وأمريكا ومعظم في الحادي عشر من كانون الثاني عام 1992 رحل فائق حسن ولم يكمل رسم لوحته الأخيرة وترك خيوله تصهل في فلوات قماشات الرسم حزنا واسفا عليه، رحل الفنان التشكيلي العراقي المميز في غربته الباريسية وحيدا، إلا من ادواته والوانه وحكايات مرضه وعذاباته و(غليونه) ذلك الذي كان ينسى كل شيء الا هو، تركه مستعرا بالدخان الذي راح يخرج من فتحتيه ثم انطفأ، رحل وكان يتمنى ان يشم رائحة الوطن الذي طالما عبر عنه في لوحاته ورسم حنينه اليه، رحل تاركا ضوء فرشاته يسطع مثل فنار للقادمين إلى عوالم الرسم، ورائحة تراب روحه تفوح على تربة ارض وطنه التي طالما أكد انتماءه إليها، رحل شاخصا بابداعاته تاركا فنه قصيدة عشق ابدية تتهجى حروفها العيون العاشقة له ولرسمه ولسرديات علاقاته مع الاخرين.

وكانت جمعية كهرمانة للفنون احتفالية في تشرين الثاني من العام المنصرم اقامت بمناسبة ذكرى ميلاد مؤسس الرسم العراقي الحديث فائق حسن على قاعة الجمعية.

واكدت رئيسة جمعية كهرمانة الفنانة التشكيلية ملاك جميل ان الاحتفالية هي استذكار للفنان الكبير فائق حسن الذي يعد من اهم الصروح في جسد الفن التشكيلي العراقي وعلى يده تربت اجيال من الفنانين العباقرة .

وتخلل حفل الافتتاح استذكار لأعمال الفنان حسن وتاريخه الفني واقامة معرض مشترك لمجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين من بينهم ليلى سليم ولميعة الجواري وملاك جميل ورؤيا رؤوف ونزيهة سليم وآخرين.

ومن الجدير بالذكر ان الفنان حسن يعد مدرسة باهرة في معانيها التي لا تضاهى فهي تجربة جمالية استلهمت تجارب الفنان الوجدانية والمادية ، كما أن تجربته ونشأته في أسرة فنية أغنت موهبته ،إذ كانت محبته للفن لا تقاوم منذ طفولته مراقبا أمه وهي تصنع خيولا يمتطيها فرسان مجهولون، كان نحت الحصان هوايته المفضلة ،ولكنه ظل يعاني من صعوبة تحقيقه أذ عجز عن نحته واقفاً ،مما أضطره الى تحقيق هيئته كأبيه ،وتمرن أياما على ذلك حتى تمكن من تجسيده بالشكل الذي يرغبه ويطمئن اليه.

في السنوات الأولى من دراسته الابتدائية شاهد الملك فيصل الأول مصادفة في حديقة البلاط الملكي، يرسم مشهدا طبيعياً فأعجب بموهبته المبكرة ووعده بعد تخرجه من الابتدائية أن يرسله الى أوربا لدراسة الفن . وكانت لسفرته الى فرنسا عام 1935 الأثر الكبير في تطوير موهبته وصقلها، ورسم لوحات فنية رائعة الجمال.

اسرار دفن الراحل

ما زالت التساؤلات محلقة في فضاءات اهل الفن التشكيلي باحثة عن اسرار حرق جثة الفنان الكبير فائق حسن وأين دفن الرماد الذي بقي منها.

  ظلت قضية رحيل الفنان التشكيلي العراقي الكبير فائق حسن 1914 – 1992ووصيته بأن تحرق جثته ويدفن رمادها في بغداد، تثير تساؤلات عديدة عند الفنانين التشكيليين قبل غيرهم، ومن ثم انجبت هذه التساؤلات تساؤلات اخرى عن اين انتهى الحال بهذا الرماد، ولاسيما ان اشكالات عديدة حدثت حينها بسبب هذا الحرق وقد اتهم البعض الراحل إتهامات غير صحيحة لانه اوصى بحرق جثته بدعوى ان حرق الجثث تقليد هندوسي، فيما كان البعض يرمي السبب على زوجته الفرنسية بدعوى بخلها لانه مات في فرنسا وفي ظروف عراقية بالغة الصعوبة مع بداية الحصار الاقتصادي العالمي ضد العراق، وكانت لا تريد ان تبذل اموالا يتطلبها نقل الجثة الى بغداد، لكن الجثة حرقت في فرنسا وضمت رمادها قارورة صغيرة وصلت الى اصحاب الشأن في بغداد لكن هناك كان البعض يخشى التصرف بها او ان يفعل اي شيء ازاء القارورة التي تضم الرماد والتي ارسلتها زوجته الى دائرة الفنون التشكيلية، خوفا من السلطات ربما التي قد تفسر القضية دينيا، ويبدو ان اهل الشأن فضلوا السكوت الى ان وجدوا البعض ان الامر قد نسي خاصة بعد رحيل مدير مركز الفـــــــــــــنون الفنـانة ليلى العطار  فقرر التصرف بها.

من جانبه اكد نقيب الفنانين التشكيليين الفنان قاسم سبتي ان القارورة دفنت فعلا في مقبرة بمنطقة باب المعظم، مشيرا الى انه سيسعى الى البحث عنها واقامة مزار للراحل، وقال  ( الجميع في الحركة التشكيلية يعلم ان زوجة الراحل فائق حسن جلبت رماد جثته الى بغداد في قارورة خزفية ووضعتها الفنانة الراحلة ليلى العطار في مكتبها بالوزارة لحين وفاتها! ثم سلمت الى الورثة ام اسامة (ابنة اخت الراحل) لاحقا، وكان سبب احراقها هو عدم وجود طيران الى بغداد بسبب الحرب عام 1991 مما يترتب بقاء الجثة هناك اموالا طائله بذمة زوجته التي اضطرت الى حرق جثمان الراحل حسب رغبته بدفنه في بغداد).

 واضافت ( استلمت الوريثة هذا الارث المحترق،ودفنت القارورة في مقبرة الباب المعظم، في نهار ممطر،بشكل سري خوفا من اعتراض الوزير او الاخرين وبوجود عدد محدود من مريديه من ضمنهم الفنان الراحل نزار الهنداوي وحسام عبد المحسن اللذان غادرا بطلب من السيدة ام اسامة التي ادعت حينها تأجيل مراسم الدفن خوفا من افتضاح الامر، الا ان الحقيقة هي ان القارورة دفنت في قبر تم حفره بالقرب من مدخل المقبرة التي لم يكن يسمح بالدفن فيها لانها مغلقة منذ سنين وقد تمت رشوة الدفان الذي حفر حفرة صغيرة مابين قبرين ووضع القاروة الصغيرة فيها،  وكانت فيه الوريثه قلقة من يصل خبر دفنه الى السلطات)

وتابع: لم يكن هناك من تخويل لي سوى ان الوريثة كانت تريد التخلص من موضوع رماده بأي شكل من الاشكال، ولا احد يعلم بالضبط الان موقع القبر سوى انه بالقرب من المدخل الرئيسي للمقبرة).

مشاركة