رسالة سياسية بعنوان: قلنا ونكرّر القول – عامر حسن فياض
(1)
قلنا ونكرر القول ان الوطن بحاجة الى سورين كيما يكون حراً ويصبح سعيداً، الاول سور الحماة الاقوياء من الابناء والسور الثاني هو سيادة القانون في ربوع الوطن كله … وقلنا ونكرر القول ان الحق لايعلو ويعلى عليه دون ان يدستر اي يضمن ضماناً دستورياً ودون ان يقنن لينظم بقانون ودون ان يمأسس للتمكن من ممارسته وتذوق طعمه الحلو .. وقلنا ونكرر القول ان السيادة الحقة للعراق لايمكن ان تكون صلبة ولايمكن ان تكون سيالة. فعندما تكون صلبة فأنها تحتكر بيد طاغية يحارب دواخل الوطن ويعزل عن خوارجه.. وعندما تكون سيالة فانها ستكون سيادة مخترقة ومستباحة من خوارج الوطن لتسود الفوضى دواخله.. فلا السيادة البودانية الصلبة تنفع الارادة الوطنية الحرة المستقلة ، ولا السيادة السيالة التي تروجها وتريد فرضها حفنة الاحتكار الرأسمالي المتوحش تفيد الارادة الوطنية الحرة المستقلة في الرد على كل عدوان خارجي على الوطن ، اما السيادة الحقة فانها تتحقق في وطن محمي من جيشه ومن شعب يرفل بالحرية والامن والسلم الاهلي… وقلنا ونكرر القول ان الشعبوية في العمل السياسي مآلها احد مصيرين لا ثالث لهما، الاول نزوع الحكم نحو الاستبداد والثاني نزوع الوطن نحو الفوضى … وقلنا ونكرر القول ان منطلق كل تقدم وتطور ينطلق اول ما ينطلق من ايقاف التدهور.. وان المسؤولين عن ارتفاع منسوب الفقر في البلاد هم الاقلية المتطفلة على السياسة بالمحاصصة والمسيطرة على المال بالفساد والمتحكمة بالسلاح خارج سيطرة الدولة … وقلنا ونكرر القول ان العلمنة الحقيقية المطلوبة هي ليست فصل الدين عن السياسة وعن الدولة وعن المجتمع بل هي نهج التمايز الوظيفي بين وظائف المؤسسة السياسية ووظائف المؤسسة الدينية بالشكل الذي لا يسمح بغلبة وهيمنة مؤسسة على اخرى بل بالشكل الذي يسمح بممارسة كل مؤسسة وظائفها بحرية تامة. واستكمالاً لسياق الحرية قلنا ونكرر القول ان حرية التعبير لاتعني الاساءة والتجريح والازدراء لحرية تعبير الآخر المختلف، ومن ينشد ان يستبدل عقيدته عليه الا يبرر هذا الاستبدال بالاساءة او التجريح او الازدراء بالعقيدة التي غادرها او المعتقد الذي يختلف معه بل عليه فقط ان يبرر هذا الاستبدال بمحاسن العقيدة التي انتقل اليها وله الحق والحرية بذلك.
(2)
سبق ان قلنا ونكرر القول اينما حل الغرب الرأسمالي المتوحش حضر الارهاب ورحل السلام بأدلة كثيرة آخرها ان المطالبة الافريقية برحيل الغرب الاستعماري عن النيجر وبوركينوفاسو ومالي قابلها مع التهديد من المستعمر الفرنسي والغرب المتألم من الطرد عمليات ارهابية متأسلمة الهوية في البلدان الافريقية الثلاثة هذه وفي ظرف لايزيد عن ايام معدودة مابعد ماحصل في النيجر.. وزيادة على ذلك قلنا ونكرر القول ان الولايات المتحدة الامريكية زعيمة الرأسمالية الغربية المتوحشة هي حليف قوي بيد انه حليف غير موثوق به ليس من قبل خصومه فحسب بل من قبل حلفائه واتباعه ايضاً .. وقلنا ونكرر القول ان الحلم الامريكي الذي يتطلع اليه المتوهمين هو في حقيقته كابوس لان مانح هذا (الحلم) نظام سياسي سجل ارقام قياسية في الحروب العداونية على الشعوب بمختلف الوان هذه الحروب (تقليدية وحداثوية واستباقية وجرثومية وهجينية وبالنيابة .. الخ) كما سجل ارقام قياسية في الحصارات والتجويع والتعطيش والتوظيف غير البريء للقوة تحت يافطات حقوق الانسان ونشر المدنية والدفاع عن الحريات والديمقراطية. نعم ان الولايات المتحدة الامريكية اثبتت بجدارة انها اسرع وأفضل حليف يتخلى عن حلفائه واسرع وافضل متهور في استخدام القوة العدوانية ضد خصومه وان ادارة هذا النظام تعمل مع الحلفاء لها وفق منطق الاستخدام والتشغيل الوظيفي لحين تنتهي المصلحة من هذا التشغيل والاستخدام حيث يتم التخلي بلا سابق انذار عن المستخدم لان استمرار التبني والرعاية الامريكية لهذا المستخدم سيعني العبء الذي لايتحمله السيد الذي استخدمه .. عليه فحذار من استسهال العمالة القائمة والمعولة على غير الوطني وحذار من الاستقواء بالاجنبي.
(3)
في جدلية العلاقة بين العراق وتركيا قلنا ونكرر القول من حيث المبدأ ان تركيا تمثل جاراً ابدياً للعراق كما هي الدول الخمسة الاخرى الجارة المحيطة بالعراق الامر الذي يحتم عليها جميعاً وجود واستمرار علاقة دائمة مع بعضها البعض بعيداً عن القطيعة التامة وعن العزلة الدائمة فيما بينها. ان التجربة التاريخية في العلاقة مابين العراق وتركيا اثبتت ان طبيعة العلاقة ومساراتها تراوحت بين السخونة والدفء والبرودة التي لم تكن لصالح العراق بل كانت لصالح تركيا في كل الاحوال .. وقد تحكمت في تلك المراوحة عناصر وعوامل وظروف عديدة تمددت على خط النهج البراغماتي النفعي الثابت نسبياً للطرف التركي بعيداً عن اي اعتبار للمشترك العقيدي الاسلامي وعن مشترك التجاور الجغرافي بينهما.
ان العلاقة بين العراق وتركيا بحاجة الى اصلاح لتصبح العلاقة عادلة متكافئة ومعتدلة تخدم الطرفين ولابد ان تفهم بواقعية تفيد ان العلاقة بين الطرفين هي بمثابة لعبة لكل طرف فيها اوراقه في اللعب مع الطرف الآخر. فإذا كانت بيد تركيا ورقتان هي ورقة المياه وورقة القدرة العسكرية المتفوقة على العراق، فان للعراق اوراق اكثر تتمثل بالنفط والتبادل التجاري والاستثمار والاعمار والكورد والتركمان.. ولكن رغم ذلك فان اللعبة ستظل تعتمد على مهارة اللاعب وحسن استخدامه بغض النظر عن قلة او كثرة الاوراق التي يمتلكها كل طرف فهل اجاد او يجيد العراق اللعب بأوراقة وهي الاكثر من اوراق تركيا ؟ أم على العكس اجادت وتجيد تركيا اللعب بأوراقها وهي الأقل من اوراق العراق؟
الملاحظ ان العراق افاد تركيا في التبادل التجاري ويفيدها حتى الآن اكثر مما هو المستفيد منها ورغم ذلك لايلوح بهذه الورقة كورقة ضغط على تركيا لو استدار العراق لغير تركيا في رفع تبادله التجاري على حساب حجم التبادل التجاري مع تركيا ..كما ان العراق وهو الذي يمثل الفرص الذهبية للشركات التركية في الاستثمار والاعمار لايحسن استخدام هذه الاوراق بشكل صحيح تماماً ولايلوح بإمكانبة حرمان تركيا من حضورها في العراق في مجالات الاستثمار والاعمار لصالح بلدان اخرى مستعدة لان تكون بديلا عن تركيا في العراق وهذا ماينطبق ايضاً على ورقة النفط التي يملكها العراق من حيث عقود الاكتشاف والنقل والتوزيع والصناعات التمويلية النفطية التي اصبحت لتركيا حصة فيها ناهيك عن تفريط العراق بورقتي الكورد والتركمان المستخدمتين بشكل غير صحيح من قبل العراق تجاه تركيا بل الاكثر من ذلك ان تركيا تحسن استخدام هاتين الورقتين افضل من استخدام العراق لها وهي اوراق عراقية بإمتياز !
بالنتيجة قلنا ونكرر القول ان الامر يعتمد على مهارة المفاوض العراقي مع المفاوض التركي في اللعب الصحيح بأوراقه التي تجعل من تركيا تتعامل بندية ايجابية مع العراق ليكون الطرفين في دائرة علاقة تعاونية لاغالب ولامغلوب فيها اي في دائرة الكل رابح دون كل خاسر ودون واحد خاسر وآخر رابح.